..منذ عدة قرون ماضية كانت مياه الخليج منطقة جاذبة للأساطيل الأجنبية، حيث تسابقت الدول الأوروبية من أجل السيطرة على طرق التجارة الدولية في ذلك الوقت، وربما حققت عدد من المكاسب الاستعمارية في المنطقة، لكنها لم تبرح المنطقة الخليجية بل ازدادت أهميتها في القرن العشرين بعد اكتشاف مصدر الطاقة العالمي (النفط)، لذا فقد أصبحت منطقة الخليج أحد أهم مناطق العالم في اهتمامات السياسة الدولية، ولا ريب في ذلك عندما تسيطر المنطقة على 60% من احتياطي النفط العالمي، وتضخ يوميا ما يربو على 40% من الإنتاج العالمي، ذلك ما أسهم في اعتبار المصالح العالمية تتمركز في الخليج، وهناك مسألة أخرى لا تقل أهمية حيث تتبنى المنطقة العربية عموماأبرز أيديولوجيات الصراع مع وجود الكيان الصهيوني المحتل للأراضي العربية في فلسطين التاريخية وبعض الأجزاء العربية الإسلامية، وبالتالي فقد تركز الاهتمام العالمي بالمنطقة من أجل دعم ومساندة إسرائيل، ثم جاءت الثورة الإسلامية في إيران وحدثت المواجهة المؤسفة بين الجارين الأقوى على الساحة الإقليمية إيران والعراق والتي دفع خسائرها الفادحة البلدين الشقيقين، ومع تطور الأحداث الدامية في المنطقة وسقوط العراق في قبضة الاحتلال الأمريكي، وتطور البرنامج النووي الإيراني واشتعال بعض المواجهات على الجبهة الشمالية الشرقية للوطن العربي حيث العدوان الإسرائيلي على لبنان وغزة، وبروز حزب الله على الساحة بدعم قوي من إيران وسوريا، وما يمثله الارتباط الوثيق بين جمهورية إيران الإسلامية والجمهورية العربية السورية وصولا إلى العام 2011م الذي شهد تساقط بعض الأنظمة العربية بفعل الثورات الشعبية مع اشتراك الغرب في تصفية بعض الأنظمة في المنطقة بذريعة حقوق الشعوب وغيرها من المسوغات الأخرى، ومع العلاقات المتوترة بين ضفتي الخليج والتي تنشط طائفيا في بعض الأحيان، واشتداد أزمة البرنامج النووي الإيراني كل تلك الظروف السالفة مع اشتداد المواجهة بين إيران من جهة والدول الغربية على خلفية البرنامج النووي الإيراني والتي لم تصل الآن إلى أفق واضح بل أنها تتأزم يوما بعد آخر وقد كان آخر مستجداتها افتتاح منشأة نووية قرب مدينة قم بإمكانها تخصيب اليورانيوم إلى نسبة تصل إلى 20% وفق الجهات الرسمية في إيران، وعلى وقع العقوبات الغربية بفرض الحظر النفطي على إيران ما أدى بالسلطات الإيرانية إلى التهديد بإغلاق مضيق هرمز إذا ما تعرضت للحظر النفطي الذي يمثل إعلان حرب عليها، كل تلك المواقف والأحداث السالفة أدت إلى تكثيف الإسقاط الخارجي على المنطقة، فعجت مياه الخليج بحشود وأساطيل وقطع بحرية متنوعة، فهنا تتحرك حاملات الطائرات الأمريكية والسفن الحربية في وقت ترسل جمهورية إيران الإسلامية إشارات مماثلة من خلال المناورات العسكرية البحرية وتلوح بإغلاق مضيق هرمز أمام حركة الملاحة الدولية في لغة جادة متبادلة بين الطرفين الإيراني والغربي، فماذا يعني كل ذلك؟ الحقيقة أنه ليس من المعلوم ما ستسفر عنه الأوضاع في مياه الخليج فالنار تشتعل من مستصغر الشرر ولكن ما هي النتائج المترتبة عما إذا حدثت الحرب؟ فمن الواضح أن هناك نتائج وخيمة مدمرة على الأمن والاستقرار والاقتصاد والبيئة بل على المنطقة برمتها، ومن الصعب التكهن بمدى تلك الأخطار المحدقة إذا ما وقعت تلك الحرب نسأل الله سبحانه أن يجنب المنطقة كوارثها، ولكن هل هناك مؤشرات حرب قادمة فعلا؟؟ كما ذكرنا سلفا أن مصالح القوى الغربية تتمركز حول منطقة الخليج وبالتالي فإن وجود إيران قوية في المنطقة يعده الغرب تهديدا لمصالحها، وبلا شك أن وصول إيران الإسلامية إلى هذا المستوى من التقدم التكنولوجي في المجال النووي والقدرات المتطورة في صناعة الصواريخ البالستية وفي مجال التصنيع الحربي والتي كان آخرها قبل أيام عندما تمكنت قوات الحرس الثوري الإيراني من إنزال الطائرة الأمريكية بدون طيار والتي كانت من أفضل أجيال الطائرات الحديثة بلا شك يعتبر إنجازا عسكريا كبيرا يحسب للجمهورية الإسلامية وهو ما يعني أيضا أن وصول إيران إلى هذا المستوى المتقدم بات أمرا لا يمكن تقبله غربيا على الإطلاق في ظل صراع النفوذ والهيمنة الدولية، وخصوصا بعدما فشلت السيناريوهات الغربية في معالجة البرنامج النووي الإيراني بالكيفية التي تراها مجموعة 5+1 وبعدما أخفقت حزم العقوبات عن ثني إيران عن مواصلة مساعيها بالتقدم التكنلوجي في المجال النووي مع تطبيقها لجميع اعتبارات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومع استمرار الجمهورية الإسلامية في السعي لتحقيق طموحاتها المتنامية في ظل تبني أيديولوجية متقاطعه مع الهيمنة الأمبريالية الدولية وعدم الاعتراف بوجود إسرائيل هو أكثر مايخشاه الغرب في النموذج الإسلامي الإيراني، وبالتالي فقد أصبحت منطقة الخليج اليوم أمام أخطار واضحة إذا ما اندلعت مواجهة دولية جديدة في مياهه لا يمكن التنبؤ بنتائجها على الإطلاق..