أثناء تجولي في معرض الكتاب يوم الاثنين 8 فبراير فوجئت بشاب يستوقفني ويقول بصوت حزين: ماذا فعل الإخوان اليوم ؟ فاستغربت وقلت له ماذا فعلوا؟ قال ألا تعرف أنهم قبضوا علي د. محمود عزت، ود.عصام العريان ود. البر وغيرهم فجر اليوم فاندهشت وقلت له والله لا أعلم فلم أطالع الفضائيات ولا الإنترنت قبل خروجي، فقال الشاب لقد يئست من هذا البلد وأريد أن أهاجر، فقلت له لا تيأس لابد من الصبر هذا وطننا، فصاح الشاب وهو يسرع بعيداً عني لا أشعر أنه وطني أريد أن أهاجر لعلي أجد وطناً أعيش حراً فيه فأطرقت مفكراً، وقلت في نفسي هذا الشعور راودني بعد اعتقالي ظلما ً ولكنني طردته من رأسي فأنا أعشق مصر رغم كل بلاويا، فهي وطني لا أستطيع أن أتنكر لحارتي التي ولدت فيها ولا جيراني ولا الحي الذي أسكن ونيلها الذي ارتوي منه أجدادي ومازال عطاؤه لا ينضب رغم كل الفساد والظلم. نعم أشعر أن عبق تاريخ مصر ومجدها وطيبة شعبها والإسلام العظيم الذي جعلها قوة لا يستهان بها فقهرت التتار والصليبيين وانتصرت في العاشر من رمضان علي اليهود الغاصبين كل شيء في مصر هو بداخلي .. وتلفَّت حولي عن الشاب لكي أقول له المشكلة ليست في الوطن لكن فيمن استولي علي الوطن وظلم وفسد. وفي يوم الثلاثاء توجهت لحضور التحقيقات مع أخي د.عصام ومن معه وفي النيابة استقبلني بالأحضان ووجدته مبتسماً كعادته ضحكاته يسمعها الجميع. ودخلنا غرفة التحقيق ودار حوار ودي مع المحقق وسأله عصام عن أحد المحققين فقال له سافر إعارة فقال له عصام عقبالك فرد عليه المحقق قائلاً أنا لا أريد مغادرة مصر فهي وطني فتوقف عصام قائلاً: لقد ذكرتني بحوار دار منذ 28 عاماً مع أحد الضباط عقب خروجي من المعتقل حيث قال لي ألا تسافر؟ فقلت له لن أترك مصر فهي وطني ورغم كل ما يحدث لي حتي الآن لن أغادر مصر فهي وطني. الحقيقة أن المتابع لما يحدث من إقصاء وقهر للإسلاميين عموماً في مصر خاصة وفي بعض البلاد العربية والإسلامية يجد أن كل الظروف حولهم تدفعهم للهجرة والكفر بالوطن لكنهم عموماً لا يفعلون إلا القلة لأنهم يعلمون أن ما يحدث من قهر ودفع للهجرة من الوطن ابتلاء من الله حدث لسيد الأنبياء محمد -صلي الله عليه وسلم -قال الله سبحانه:(وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين (الأنفال:30). فمخطط الظالمين لدفع الفئة المؤمنة بالحق للخروج من وطنها قديم جداً.. البعض يقول إن بعض الإسلاميين انقلبوا علي أوطانهم، نعم هذا صحيح في جزء العنف المرفوض وغير صحيح في جزء أوطانهم لأنهم انقلبوا علي نظام وسلطة وهما ليسوا كل الوطن وذلك له تفصيله لكن الآن الوضع تغير والغالبية العظمي من الإسلاميين في مصر مع العمل السلمي لكن حتي ذلك لا يشفع لهم في أن يتمتعوا بالحرية وبالعدل وأصدق مثال علي ذلك جماعة الإخوان نتفق أو نختلف في آرائها لكن مستحيل أن نختلف في أنها منذ السبعينيات انتهجت العمل السلمي ونبذت العنف تماماً ورغم ذلك عمل النظام علي قهرها بكل الطرق وآخرها القبض علي المجموعة الأخيرة الذي جاء في وقت شهد جميع المراقبين أن خطاب الجماعة الجديد مهادن للنظام ومع ذلك النظام لا يعرف غير لغة العصا والمعتقلات لماذا ؟ والوطن واحد والسفينة إن غرقت سيغرق كل من فيها... ربما السلطة تقول إنهم منافسون لنا في العمل السياسي لكن الحقيقة أن الإخوان بتاريخهم وفكرهم واستراتيجيتهم في كل البلاد الإسلامية أقصي أطماعهم المشاركة بكرسي وزير وهل هذا يضر السلطة؟؟ أعتقد أن المشكلة تكمن في العقلية التي تدير .. لقد ضربت الإخوان مثلاً لأنني شخصياً وغيري الآلاف من شباب الجماعات الاسلامية الذين يؤمنون بالعمل السلمي الدعوي ننظر للإخوان وما يحدث لهم ونقول ما الحل وما الطريق لخدمة أوطاننا والمشاركة في الحياة السياسية هل هذا هو الطريق.. اتجاه واحد إلي السجون والمعتقلات فقط لا حول ولا قوة إلا بالله. الشاهد مما قدمت أن ما قاله الشاب لي في المعرض هو تعبير صريح عما يدور في نفسية غيره من الكثير من الشباب الإسلامي بل وغيرهم لأسباب سياسية واقتصادية مختلفة فلسان حالهم يقول إن الوطن ليس وطننا وأنه لابد من البحث عن وطن بديل وتبقي قلة قليلة تشاهد وتراقب وتيأس من إغلاق كل الطرق إلا طريق السجن فتذهب إليه بإرادتها عن طريق العنف البغيض المرفوض. ويبقي أنه متي يفيق القابضون علي السلطة ويعلمون أننا لسنا في الخمسينيات والستينيات وأن حرية الرأي وحرية العمل السياسي حق كالماء والهواء لكل مواطن وأن الاستبداد مفسد للحياة ويجعل الشعوب تختنق فتبحث عن مهرب أو تيأس؟