إثر الإعلان نتائج المرحلة الأولى للانتخابات البرلمانية، تولدت لدي قناعة بأن الخسارة المدوية لحزب الوفد تعود في جزء كبير منها إلى قضية الطهارة السياسية، فقد تلوثت سمعة الوفد نتيجة لتصرفات رئيسه، مما ولد رغبة لدى الناخبين في معاقبته بالتصويت ضد مرشحيه في الانتخابات. هذا ليس كلاماً مرسلاً بل هو نتاج استقصاء عشوائي محدودة بطبيعة الحال أجريته لمواطنين عاديين تملكتهم حيرة بالغة عند اختيار مرشحين غير منتمين لتيار الإسلام السياسي، فقد رأيت ناخبين آخرين يصرون على وضع مرشحي الوفد والفلول في نفس القائمة السوداء التي انتشرت قبيل الانتخابات، وهو أمر يسترعي الانتباه ويستحق التأمل في الأسباب.. لماذا وضع بعض الناخبين مرشحي الوفد والفلول في قائمة واحدة ؟ هل هو نتيجة المناورة الأخيرة لرئيسة بترشيح بعض الفلول على قوائم الحزب ؟ أم أن هناك أسباباً أخرى ظهرت تجلياتها مع جريمة السطو على جريدة الدستور وتدهور سمعة الوفد؟ ثم جاءت المرحلة الثانية وخرج الوفد خالي الوفاض، اللهم إلا من مقعد فردي وحيد وترتيب متأخر في القوائم، لتتبخر الأوهام التي روجها معاوني البدوي حول أن الحزب سيعوض في المرحلة الثانية بدعوى أنها تضم محافظات يتمتع فيها الوفد بشعبية تقليدية في الشرقية والدقهلية وبورسعيد. أعترف بأنني أحد الذين صدقوا هذه الأوهام، فتريثت قليلاً في البحث عن تفسير لأحوال حزب الوفد انتظاراً لنتائج المرحلة الثانية، رغم يقيني بأن دوافع كثير من الذين انصرفوا عن التصويت للحزب في المرحلة الأولى ترتبط بالطهارة السياسية لرئيس الوفد، وهي قضية لا صلة للمرشحين سواء في المرحلة الأولى أو الثالثة. لمع نجم السيد البدوي بداية العام 2010، وحينما فاز برئاسة الوفد في انتخابات هلل لها الإعلام الخاص قبل الرسمي لم ينتبه أحد إلى أن الحزب الأكبر في المعارضة يسير على هدي النظام الساقط ويخلط السياسية بالمال، وخٌدع الجميع برجل الأعمال الضاحك، فغفلوا أو تغافلوا عن الأموال التي أنفقها أو الصفقات التي أبرمها كي يعتلي كرسي النحاس وسعد زعلول. ولولا صوت صحيفة الدستور الذي أسكته البدوي في عملية سطو نادرة الحدوث ما كان سينتبه احد و لا علم الناس بحقيقة الدور الذي يمارسه الرجل في الخفاء لحساب نظام مبارك الساقط، فالجميع كانت تخدعه الابتسامة العريضة والأدب التلفزيوني وملامح البراءة التي يرسمها على وجهه. إن الملايين التي حرمها البدوي من صحيفة جريئة طالما عبرت عنهم كالدستور عادت لتعاقب حزبه وتخرجه من مولد الانتخابات بلا مقاعد، وأحسب أن الانتخابات كشفت إلى أي مدى تأثرت سمعة الوفد بتصرفات وصفقات ومناورات رئيسه، ولست أدري إن كان ضمير الدكتور السيد البدوي مرتاح الآن بعد أن هوى بحزبه إلى هاوية سحيقة، أم أنه لازال يفكر في صفقات جديدة من قبيل العودة للتحالف الديمقراطي لينضوي من جديد تحت مظلة الإخوان المسلمين بعد أن وصلوا إلى السلطة! المناورات والصفقات أو "الدييلز" كما يسميها أهل البزنس، هي السبب الذي وضع مرشحي الوفد والفلول في خانة واحدة، لذا فقد اجتنبهم الناخبين وصوتوا لغيرهم، وأظن أن كثير من أصوات هؤلاء الناخبين ذهبت لتيار الإسلام السياسي وهي بالقطع غير منتمية لأطيافه وربما غير مقتنعة برؤيته فالمعنى واضح جداً،إذ يتساوى الذين أفسدوا الحياة السياسية من أبناء النظام بالذين أبرموا صفقات نيابة عنه واغتالوا الصحف وقوضوا دعائم الحياة الحزبية. إن دلالات السقوط المدوي في المرحلة الثانية تبدو خطيرة وتستلزم على الوفديين وقفة، للحساب لا للمراجعة، واحتكم في هذا الرأي إلى ما أطلقه رئيس الحزب ومعاونوه من وعود وتحليلات بأن نتائج الجولة الثانية ستغير المعادلة، لذا فإن الخروج المخزي معناه أن هناك تصدع حقيقي في البيت لا ينفع معه الترميم، بل يستلزم الهدم ثم إزالة الأنقاض لإقامة بناء جديد أكثر طهارة. وأحسب أن البدوي مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى أن يواجه ضميره ويتنحى عن رئاسة الوفد بعد أن اختلطت لديه السياسة بالبزنس ، وإذا أراد أن يتطهر من آثامه السياسية، عليه الاعتذار عن جريمة السطو على الدستور والاعتراف بالصفقات التي أبرمها مع النظام الساقط وفلوله.