.. تتعرض الشرعية الدولية اليوم لأحد أهم الاختبارات المرتبطة بشرعية هذا النظام العالمي ومدى مصداقيته وذلك عندما تعرض مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية ومنحها العضوية في الأممالمتحدة شأنها شأن الكثير من الدول التي يبرر القانون الدولي لها هذا الحق، وهو ما يعتبر جديرا بدولة فلسطين وإنصافا لها بعد أكثر من ستة عقود من الاحتلال الصهيوني، في وقت تخلصت فيه جميع دول العالم من الاحتلال وهو ما تقوم علية الشرعية الدولية، لكن المسألة الفلسطينية تبدو مختلفة وأكثرها تدويلا على المستوى العالمي بيد أن الكثير من القرارات الصادرة عن مجلس الأمن اختصت بالقضية منذ بداية الاحتلال الصهيوني وإلى اليوم، ولكن إذا ما تعلق الحديث عن مسألة الاعتراف بالدولة تختلف الصورة لدى القوى العالمية الكبرى وفي مقدمتها الولاياتالمتحدة وبعض الدول الأوروبية حيث أن القضية هنا تتعلق بإسرائيل، وكانت الولاياتالمتحدة قد وعدت مرارا وتكرارا على حل القضية مؤكدة على حل الدولتين اللتان تقومان جنبا على جنب ولكن تلك الوعود دائما ما تتبخر مع كل مرحلة من مراحل المفاوضات، وقد سئم العرب والفلسطينيون تلك الوعود وتلك المفاوضات الهزلية، وكأن مسألة وجود دولة فلسطينية على حدود عام 67م يعتبر تهديدا لوجود إسرائيل! وللأسف الشديد فإن هذه الحالة من التناقضات تخدش مصداقية المنظمة الدولية وتنتهك القانون الإنساني الدولي المبني على قواعد العيش المشترك وحق الشعوب في تقرير المصير وغيرها من المبادئ العادلة . اليوم أصبحت هذه المجموعة الدول المتبوئة للزعامة العالمية أمام مبدأ شديد الأهمية يرتبط بمصداقية المنظمة الدولية وميثاق الأممالمتحدة، وعلى هذه الدول وخاصة الدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن أن تقول كلمة الحق في اجتماع المجلس القبل للتصويت على منح دولة فلسطين العضوية في الأممالمتحدة وبالتالي فقد أصبحت مصداقية الأممالمتحدة على المحك أمام هذه القضية، ومصداقية المنظمة الدولية هي مصداقية الدول التي أسستها، ولذلك فلا يوجد مبرر اطلاقا أمام هذه الدول للاعتراض على منح فلسطين عضويتها الكاملة في الأممالمتحدة وهذه الدول التي تمثل أضلاع الرباعية الدولية مع الأممالمتحدة نفسها، فهل تقول هذه الدول كلمة الحق، أم أنها ستقدم تفسيرات أقبح من الذنب نفسه! واليوم فإن المجتمع الدولي والرأي العام العربي والدولي ينظر بترقب إلى جلسة مجلس الأمن الدولي ويعتبرها فاصلة تاريخية بين العدالة والظلم في النظام الدولي المعاصر. لقد سبق أن اعترضت الولاياتالمتحدةالأمريكية في اجتماع اليونسكو المتعلق بمنح فلسطين العضوية الكاملة في هذه المنظمة التابعة للأمم المتحدة والتي تُعنى بالثقافة، وكم كانت النتيجة عظيمة عندما تبنت هذه المنظمة منح فلسطين العضوية فيها فقد مالت للقيم الإنسانية والعدالة وتخلصت من عاهات السياسة المزدوجة، فقد كان اعتراض الولاياتالمتحدة بقوة من خلال مندوبها في اليونسكو على اعتبار أنها أي الولاياتالمتحدة ترى أن الطريق الوحيد لذلك من خلال طاولة المفاوضات فقط ولكنها لم تقدم تفسيرا كافيا ومقنعا يبين موقفها من تعارض تلك المفاوضات مع وجود دولة فلسطينية معترف بها دوليا! بل على العكس فإن التفاوض بين دولتين يعتبر أكثر تكافئا وعادلا إذا ما كانت الوساطة في المفاوضات أمينه وعادلة وصادقة في البحث عن حلول! أما إذا كانت المفاوضات مائلة غير محايدة بين الطرفين فذلك يعني أن المتفاوضون والوسطاء يهرولون خلف سراب، وأن المفاوضات هي خداع محض للأسرة الدولية وليس للعرب والفلسطينيون فقط! أما دول الاتحاد الأوروبي والتي تمثل الثقل الأكبر بعد الولاياتالمتحدة فقد غيب بوصلة تحديد الاتجاه بين الإيمان بالحق الفلسطيني وبين كسب الرضا الإسرائيلي لذا لم تستطع الدول الأوروبية السير في اتجاه واضح وهي حالة مشينة في حق أوروبا الصاعدة بقوة على المسرح الدولي، وبات الأمر يحتاج لشيء من الوضوح للتأكيد على عدالة الشرعية الدولية من خلال الالتزام بالمبادئ والأعراف الدولية بغض النظر عن ضغوطات إسرائيل وبالتالي فالأمر برمته يجب أن يتحلى بالشجاعة والمصداقية والاعتراف بحق الدول والشعوب في تقرير المصير. بدورها كانت إسرائيل قد أعلنت عن مخطط لبناء 60 ألف وحدة استيطانية في القدسالشرقية والضفة الغربية وأكدت ذلك صحيفة معاريف في عددها الصادر يوم الأحد الماضي، واللافت أن من 52 ألف وحدة استيطانية خلف الخط الأخضر، وذكرت الصحيفة أنه تمت المصادقة على البدء في بناء 20 ألف وحدة استيطانية في سبعة أحياء داخل مستوطنات القدسالشرقية وهو ما يناقض فكرة وقف النشاط الاستيطاني المتفق عليه وكانت ردود الأفعال الدولية قد أدانت تلك المخططات الإسرائيلي وتفاوتت بين خيبة الأمل والإدانة التي لا تخدم القضية الفلسطينية إطلاقا دون الضغط وتطبيق العقوبات على الكيان الصهيوني وبالتالي فإن على هذه القوى الدولية أن تتمسك بمبادئ ميثاق الأممالمتحدة في هذا الشأن، لا أن تترك إسرائيل تمارس نشاطاتها الاستيطانية غير المشروعة في الأراضي الفلسطينية، وهو ما تجاهر به الحكومة الإسرائيلية باستمرار لتسريع وتيرة الاستيطان مستهدفة إلغاء أي وجود للقدس العربية وانتهاء إلى تثبيت التهويد بحق هذه المدينة المقدسة كواقع مفروض على الأرض. الطرف الآخر والأخير المعني بمسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية هم العرب الذين صادقوا منذ البداية رسميا ودعموا الطلب الفلسطيني يبدو موقفهم اليوم أكثر أهمية من ذي قبل فلا يكفي دعم المسألة لفظيا في خطابات الجامعة العربية ولا يكفي مساندة الطلب الفلسطيني رمزيا بل يجب على العرب التحرك الفاعل وإيجاد البديل السياسي فيما لو عرقل هذا المسعى الفلسطيني، وبالتالي يتطلب التحرك الفوري من قبل القادة العرب لإصدار ردود أفعال قوية تواكب هذا المسار أو من خلال تشكيل لجنة من وزراء الخارجية لمتابعة الطلب الفلسطيني في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولا يكفي ذلك بل يتوجب على العرب إرسال إشارات قوية والتهديد بتعريض العلاقات العربية مع الدول الداعمة لإسرائيل لتحديدات معينة، وعلاقة العرب بالمنظمة الدولية، والتلويح بأن الطريق الوحيد لاستعادة الحقوق هو عن طريق المقاومة المشروعة التي كفلتا الشرائع والمبادئ الإنسانية للتخلص من الاحتلال، وان الأمر بات مفتوحا ولا يوجد حدود آمنه في القضية الفلسطينية في طريق البحث عن الحقوق! هذه هي الطموحات الشعبية العربية للتعام مع الحقوق التاريخية العربية، أما الاختباء وراء السراب فلن يحقق للعرب ما يحلمون به في إطار القضية الفلسطينية من خلال المفاوضات ويجب على العرب التوقف فورا عن دعم المفاوضات فهي لم تحقق شيئا على الأرض وبالتالي فهي لا تؤدي إلا إلى مزيد من الاستهتار بالعرب والحقوق العربية .