هل شعرت من قبل وأنت تقف أمام شخص ما لا تعرفه بشيء غريب يؤكد لك أن هذا الشخص مميز جدا إلا أنك لا تستطيع أن تدرك سر هذا التميز.. هذا الإحساس الذي كثيرا ما يصادفنا، كان هو الطاغي دائما في علاقتي بسيدة الغناء العربي «أم كلثوم»، ولذلك فعندما سألني أحد أصدقائي من أبناء جيلي: هل تعتقد أنه بعد مرور 35 عاما علي رحيل كوكب الشرق.. هل مازالت باقية حقا في وجداننا؟! كان طلبي هو تغيير صيغة السؤال إلي: هل دخلت أم كلثوم إلي وجداننا أصلا؟ ربما لن يكون هذا عيبا من كوكب الشرق قدر ما هو جهل مني لا أدرك سببه، فأنا نشأت في أسرة مصرية أصيلة طالما تغني والداي بكوكب الشرق وسحر كوكب الشرق والتقاليد المقدسة التي تجعل أي كائن حي من المحيط إلي الخليج يحبس أنفاسه أول ليلة خميس من كل شهر انتظاراً لإطلالة جديدة للسيدة الخالدة.. كل هذا ربما يكون قد صنع من ناحيتي احتراما كبيرا لأم كلثوم، إلا أنني لا أستطيع أن أقول إنه قد صنع حبا، فعلاقتي بأم كلثوم سطحية جدا.. لم أشتر لها «شريط كاسيت» في حياتي، ولم أنتظر لها ألبوما علي أحر من الجمر أو حتي أغنية سينجل.. حتي مجموعتها الكاملة التي أقتنيها علي الهارد ديسك الخاص بي أستطيع الآن أن أعترف بأني قمت بتحميل أغاني الفنانة العظيمة إرضاء لمشاعر أمي الحبيبة فقط، وطالما سألت نفسي كيف استطاعت تلك السيدة العبقرية بصوت يحمل من القوة أكثر مما يحمل من السحر، وبملامح أقرب إلي المتوسطة منها إلي الجميلة أن تصبح أيقونة مقدسة في حياة المصريين كما وصفتها مجلة «لايف» الأمريكية؟ هل كان السر في عبدالوهاب وبيرم والقصبجي والسنباطي ورفاقهم، أم أن السر في كيفية استغلالها لموهبتها، أم أن السر قد دفن مع جثمان السيدة الريفية في 3 فبراير 1975؟ رغم عدم انبهاري بأم كلثوم إلا إن.. «هو صحيح الهوي غلاب؟» ما زال سؤالا مقدسا في حياتي.. كما أنني مازلت «أغار من نسمة الجنوب»، التي ستظل دائما من أيقوناتي الموسيقية المفضلة.. كوكب الشرق غامضة تماما لأبناء جيلنا.. لا نعرفها حقا.. حتي سيرتها الذاتية التليفزيونية كانت سيرة ذاتية لسياسي أقرب منها لفنانة خالدة، ولذلك لم أتمالك نفسي من الضحك عندما قال لي أحد أصدقائي: «نفسي أفهم الست دي.. أنا حاسس إنها مرة هتطلعلي في قعدة مزاج ومعاها سرها وتقولي.. إخيرا فهمتني يا وديع»، وحتي تأتي تلك اللحظة التي ستتجلي لنا فيها بسرك.. نعتذر لك يا كوكب الشرق.. نحن لا نعرفك جيداً!