من عجائب الأقدار أن كل دولة أصبحت تضم فئة من المسئولين القادرين علي «الترقيع». والمقصود ترقيع النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدولة. والترقيع ينسحب علي رصد العمليات الإجرامية التي يرتكبها الفقراء بالذات. ففي روسيا تبذل السلطات جهودًا ضخمة لمساعدة فئات السكان الفقيرة، خاصة في ظل الأزمة المالية العالمية، وكأن الأزمة هي التي ساهمت في زيادة عدد الفقراء. فعلي الرغم من التصريحات «البريئة والمتخصصة» لمسئولين كبار جدًا بشأن تجاوز الأزمة وتزايد الرواتب، فقد زاد عدد المواطنين الروس الذين تقل دخولهم الفعلية عن الحد الأدني للمعيشة خلال عام واحد بمليون شخص. ولحل مشكلة هذه الفئة أوعزت إدارة الرئيس الروسي إلي الحكومة بالعمل علي تحديث نظام الضمان الاجتماعي. وتوضيحاً للمبادرة الكريمة قالت مديرة (المعهد المستقل للسياسة الاجتماعية!) تاتيانا مالييفا إن الهدف منها يتلخص في تشجيع الناس علي العمل. فهي تتضمن فكرة «العقد الاجتماعي» بين الدولة والمواطن العاطل عن العمل. وبموجب هذا العقد يلتزم كل مواطن قادر علي العمل بأداء ما يوكل إليه مؤقتاً بغض النظر عن طبيعته وعما إذا كان عملاً مرموقاً أم لا. ومقابل ذلك يحصل علي أجر يضاف إلي إعانة البطالة. كما أن العقد الاجتماعي سيساعد علي حل مشكلة «التواكل» عند الفقراء، وسوف يشجعهم علي زيادة نشاطهم الاقتصادي والبحث عن مخرج من أوضاعهم الحالية... بعض الخبراء رأي أن الأزمة وفرت ظرفاً ملائماً لتحديث المجال الاجتماعي، لأن السكان في ظروف الازدهار الاقتصادي قد يعارضون مثل هذه الفكرة. وبالتالي، من باب الترقيع غير المباشر، يجب أن يظل الوضع كما هو عليه لكي يتم حلب المواطن الفقير مدي الحياة. الأكثر طرافة في هذا الصدد أن صحيفة «روسيسكايا جازيتا» الناطقة باسم الحكومة الروسية سلطت الضوء علي واقع التسول في المدن الروسية. فرأت أن دخل بعض المتسولين يصل إلي 1500 دولار شهريًا. وأكدت دراسة أجراها معهد أبحاث روسي أن التسول يدر أرباحاً في روسيا تفوق تلك التي يجنيها المتسولون في أي بلد أوروبي آخر. ووفقًا لمعطيات الشرطة الروسية يكسب كل متسول مستجد ما يعادل 10 دولارات في الساعة، لكنه لا يحتفظ لنفسه إلا بنصف هذا المبلغ، لأنه يضطر لتسليمه إلي المشرفين علي المهنة (مافيا التسول) الذين يؤمنون له مقابل ذلك الإقامة ومكان العمل. أما وزارة الداخلية الروسية فقد أبدت، في الحقيقة، قلقها الشديد علي المتسولين الروس لأنهم باتوا يفقدون أماكن عملهم هذه بسبب توافد زملاء المهنة من دول الجوار (من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق). وغالبا ما تتلقي الشرطة شكاوي من متسولين يطالبون بطرد زملائهم «الأجانب» الذين يحرمونهم لقمة عيشهم.