مكاسب جمة وحقيقية كانت حصاد معرض القاهرة للكتاب بفيصل، الذي اختتمت فعالياته مساء أمس الخميس، بعد عشرين يوما كانت مليئة بحراك ثقافي غير مسبوق زمانيا ومكانيا.. فخلال الفترة (5 إلى 25) أغسطس، وعلى أرض فضاء كانت مجرد خرابة تبلغ مساحتها قرابة الفدادين السبعة (حوالي 25 ألف متر مربع)، مملوكة للهيئة العامة للكتاب منذ عشرات السنين، بمحطة الطالبية بشارع فيصل الشهير، نجح الدكتور أحمد مجاهد رئيس الهيئة العامة للكتاب الذي تولى منصبه منذ أشهر قلائل، في أن يستثمر هذه المساحة الهائلة التي لم يفكر أحد من سابقيه في الإفادة منها أو توظيفها أو إعادة تخطيطها بحيث يمكن أن تكون موردا إضافيا للهيئة، وقرر أن يخوض تجربة إقامة معرض للكتاب على هذه الأرض خلال شهر رمضان، في محاولة شجاعة منه لعمل حراك ثقافي عقب الثورة، وتعويض الناشرين عن إلغاء معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي تم إلغاؤه هذا العام لظروف قيام الثورة. وكانت أغلب الآراء تتجه إلى أن التجربة ستفشل ولن يكون لها أي مردود ولن تحقق أي نجاح تذكر.. واتفق أغلب أنصار هذا الرأي إلى أن عاملي المكان والزمان هما السببان الرئيسيان لقتل الفكرة من الأساس.. فالمكان في حي فيصل الشعبي الشهير بزحامه واختناق الحركة المرورية به ليلا ونهارا، والزمان شهر رمضان الكريم المعروف بعزوف الأسر المصرية عموما عن الخروج فيه إلى معارض للكتاب أو متابعة أنشطة ثقافية. ويأتي نجاح المعرض الساحق بفضل هذين العاملين، المكان والزمان، ويشهد المعرض إقبالا غير متوقع من الزوار ومن جمهور فيصل والهرم والمناطق المجاورة لهما، وتكون الحصيلة في ختام المعرض حوالي 25000 زائر وهو رقم كبير لم يكن أحد يتصور أن يحقق ربعه. وتتوالى الإحصاءات الختامية لتؤكد هذا النجاح الكبير، وترصد حركة البيع التي لاقت رواجا هائلا منذ اليوم الأول، عقب الافتتاح مباشرة، الذي كانت حصيلته وحدها حوالي 19 ألف جنيه، وظلت حركة المبيعات في تزايد مستمر لتصل في ختام المعرض حصيلة مبيعات الهيئة المصرية العامة للكتاب وحدها فقط 300 ألف جنيه، مع إقبال جماهيري كبير على كل أنواع وأشكال الكتب المؤلفة والمترجمة وكتب الأطفال والكتب الدينية.. ويأتي المركز القومي للترجمة على رأس الجهات المشاركة في المعرض وحققت نجاحا كبيرا ومبيعات ضخمة، وكان جناح المركز من أبرز الأجنحة الجاذبة للجمهور طوال أيام المعرض. وتأتي ظاهرة حفلات التوقيع التي كانت تشهدها المكتبات التجارية الشهيرة (مكتبات وسط البلد وديوان والكتب خانة.. إلخ) ودور النشر الكبيرة في مقارها الفخمة أو في معرض القاهرة الدولي للكتاب، ولم يكن من المنتظر أن يتجه التفكير لإقامة مثل هذه الحفلات في معرض فيصل، لتأتي هذه الحفلات كعنصر جذب للقراء والجمهور، فنشهد حوالي 5 حفلات توقيع لكبار الكتاب والشعراء بجناح الهيئة شارك فيها كبار المثقفين والمفكرين وشهدت حضورا كبيرا وجذبت أعدادا غير متوقعة من الجمهور لمتابعتها والتعرف على الكتاب والمؤلفين. كذلك شهد المركز القومي للترجمة 4 حفلات توقيع لأربعة من أحدث إصداراتها المهمة. نشاط ثقافي وفني وفكري متنوع، شهد جمهورا لا بأس به، كان يصل إلى درجات عالية من الكثافة في بعض اللقاءات والندوات، حيث لم يكن الإقبال على شراء الكتب فقط، وإنما أيضا لمتابعة الأنشطة الفنية والفكرية والثقافية التي توزعت بين محاور ثلاثة شهدت حوالي 10 ندوات في محور اللقاءات الفكرية، و9 ندوات في محور الأدب والفن، و5 أمسيات شعرية شارك فيها أعلام الحركة الشعرية المصرية والعربية بكثافة غير مسبوقة وربما فاقت بعض دورات معرض القاهرة الدولي ذاته، واستمعنا لقصائد أحمد عبد المعطي حجازي، ومحمد إبراهيم أبو سنة، ومحمد سليمان، وحلمي سالم، وحسن طلب، ونصار عبد الله، وأحمد سويلم، وآخرين، وشهدنا أيضا ثلاث حفلات توقيع لثلاثة من كبار الشعراء المصريين بمناسبة صدور دواوينهم الجديدة، أحمد عبد المعطي حجازي وديوانه الجديد "طلل الوقت" الذي يعود به إلى الحركة الشعرية بعد توقف دام 20 سنة عن كتابة الشعر! وحسن طلب والجزء الأول من ثلاثيته الشعرية التي كتبها تأثرا وتفاعلا مع أحداث الثورة بعنوان "آية الميدان/ إنجيل الثورة وقرآنها"، والشاعر حلمي سالم بديوانه عن الثورة أيضاً "ارفع رأسك عالية". كذلك شاهدنا واستمعنا لمشاركات كبار المفكرين والسياسيين (السيد ياسين وعمرو حمزاوي ونبيل عبد الفتاح ونادر الفرجاني وآخرين)، وشباب ائتلافات الثورة (أسماء محفوظ، إسراء عبد الفتاح، خالد تليمة، شادي الغزالي حرب، وآخرين)، والإعلاميين والصحفيين (سعد هجرس، حلمي النمنم، فريدة الشوباشي، طارق الشناوي، وآخرين) كبار رسامي الكاركاتير (جمعة فرحات، عمرو فهمي)، والفنانين (ليلى طاهر، أشرف عبد الغفور، ماهر سليم، وسامح حسين، والمطربة عزة بلبع). وتأتي زيارة وليام جوباك مدير مكتبة الكونجرس الأمريكية للمعرض، الذى أشاد بالمعرض وبإمكانية إقامة هذا الحدث الثقافي وسط الأحداث التي تمر بها مصر، لتلفت الأنظار إلى قيمة التجربة وأثرها الطيب لدى المتابعين والمهتمين خارج مصر. والتف جمهور المعرض حول العروض الفنية الموسيقية والغنائية الرائعة التي تراوحت بين تقديم عروض موسيقية وغنائية للفرق المصرية، وعروض للفن الشعبي، والأراجواز وعرائس الماريونيت، والتنورة، والإنشاد الديني، ومن الفرق المشاركة التنورة التراثية، ومشروع كورال، وفرق البنادرة وسواقي وبراويز، والفرقة المصرية الموسيقية، وفرق الأقاليم الموسيقية والغنائية المختلفة. زخم غير مسبوق في الحقيقة ولم يكن أحد يتوقع أو يتصور أن يجتمع كل هذا الحشد في معرض ناجح بامتياز للكتاب.. بحي فيصل، وفي شهر رمضان!