لك أن تصدق أو لا تصدق.. فهى حقيقة واقعة، فسباق التسلح فى المنطقة قد بدأ بالفعل، ومن المتوقع ألا يتوقف فى ظل الاضطرابات التى تهيمن على الساحة العربية الأن . ففى الوقت الذى يمارس فيه النظام السورى قمعه الممنهج فى كافة المدن والقرى السورية ضد الاحتجاجات الشعبية المطالبة برأس النظام هناك.. جاءت موافقة ألمانيا على بيع 200 دبابة من طراز "ليوبارد 12 ايه 7 بلوس" للسعوديين لتطرح عدة تساؤلات عن تطور العلاقات التى تجمع المملكة العربية السعودية بالحكومة الألمانية، وما صاحبه من تغيير مفاجأ فى مسار السياسة الألمانية، خاصة فيما يتعلق بصادراتها العسكرية . لقد سبق وأن قامت السعودية بتقديم طلب للحكومة الألمانية لعقد صفقة مماثلة من دبابات ليوبارد الألمانية – التى تصنف على أنها من أحدث الدبابات القتالية فى العالم - فى سبعينيات القرن المنصرم، الا أن هذا الطلب قوبل بالرفض.. فلماذا تتم الموافقة الأن؟! وخاصة أنها تتزامن مع دخول الثورات العربية منعطفا خطيرا، ورجوع قوات درع الجزيرة مرة أخرى الى البحرين، مع تصاعد الاحتجاجات من جديد هناك . ولكن – فى الواقع – تعتبر موافقة الحكومة الألمانية على تمرير هذه الصفقة مع السعوديين بمثابة خروج على الثوابت، وتجاهل واضح لها.. فمن المعروف أن السياسة الألمانية المتعلقة بتصدير العتاد العسكرى تبدو فى معظم الأحيان حذرة للغاية، وخاصة تجاه الدول التى تقع فى نطاق الصراعات، كنتيجة طبيعية لتأثر ألمانيا بتاريخها النازى المعروف.. كما أن عقد هذه الصفقة هى المرة الأولى التى تخرج فيها صادرات ألمانيا العسكرية عن نطاق دول حلف شمال الأطلسى.. أضف الى ذلك فكرة أن صفقات السلاح الألمانى عادة ما تحيطها سرية تامة، يجرم القانون الافصاح عنها . ولكن الغريب فى الأمر هو أنك اذا ألقيت نظرة عميقة على الظروف المحيطة بابرام هذه الصفقة، سوف تظهر لك بوضوح بالغ البصمات الصهيونية، التى تتمثل فى اعطاء الضوء الأخضر لاتمام الصفقة.. مدعية بذلك أن هذا العدد من الدبابات ليس لديه تأثير فعلى – حقيقة – على أمن دولة اسرائيل . لذا فانك لا تحتاج الى بذل الجهد لاستنتاج أن اسرائيل – بالتنسيق مع الولاياتالمتحدة بالطبع – قد سمحت بتمرير هذه الصفقة أملا منها فى اسهام هذه الدفعة من الدبابات الألمانية فى معادلة ميزان القوى فى منطقة الخليج العربى.. وخاصة مع تضخم الترسانة الصاروخية الايرانية، وما تمثله من تهديد للدول المتاخمة لها . لذلك، نجد أن لجوء السعوديين الى الولاياتالمتحدة كوساطة قادرة على دفع الألمان الى القبول بابرام الصفقة قد أتى ثماره بسرعة لم تكن متوقعة.. بل، ووافق مجلس الأمن الاتحادى الألمانى على البيع سرا.. كاسرا بذلك العادة الألمانية القديمة فى اللجوء الى قرار سياسى قبيل ابرام أية صفقة من هذا النوع.. وعلى الرغم من الاحتجاجات الصاخبة التى شهدها البرلمان من قبل بعض القوى المعارضة للحكومة الحالية فى اتجاه الغاء هذه الصفقة، الا أن ميركل استطاعت الالتفاف على هذه المناورة والخروج بالنتيجة لصالح اتمامها . من هذا المنطلق يمكننا القول بأن الحكومة الألمانية قد لعبت دور محورى لتحقيق مكاسب استراتيجية للولايات المتحدة أولا – فى حربها الباردة مع ايران – وأيضا المملكة العربية السعودية فى مساعدتها على تعزيز قوات درع الجزيرة، التى سوف يكون لها نصيب الأسد – بالطبع – فى الحفظ على استقرار النظام الملكى هناك فى حالة اندلاع أية احتجاجات شعبية متوقعة .