يستخدم الراوى المصراوى يا سادة يا كرام ما لاحصر له من التعبيرات التى تمنح لغتنا العربية المصرية حلاوة لا مثيل لها ومنها على سبيل المثال "ما تحمرقش" ، وهو تعبير يستخدمه أولاد البلد لتحكيم العقل ومنح الفرصة لفهم وجهة النظر الأخرى بدون عناد أو رفض يفتقر للمنطق السليم. ويقال أن "حمرقه" كلمة هيروغليفية تعنى الامتناع عن الاستمرار فى اللعب. وربما تكون بها أيضاً إشارة إلى اللون الأحمر الذى يكسو الملامح عند الغضب. عموماً وبغض النظر عن أصل الكلمة .. ما رأيكم فى أن نطرح بعض الأسئلة التى تتناول الكثير من الأمور التى تحدث فى بلادنا؟ ولكن بدون حمرقة. مثلاً : لماذا لا يتم البدء فى تكليف وانتخاب لجنة من الفقهاء والحكماء من مختلف القوى الوطنية تقوم بوضع تصور لدستور للبلاد يخضع لمناقشات مستفيضة تؤدى للوصول إلى أكثر التصورات قبولاً لدى الجميع قبل أن تطرح مواده للاستفتاء الشعبى؟ لماذا الإصرار على القيام أولاً بانتخابات المجالس التشريعية التى قد تأتى للبلاد بأغلبية نيابية لاشك فى أنها ستضع تصوراً لأفضل دستور يلائمها؟ فلا يمكن إلا لساذج أن يظن أن حزباً يحظى بالأغلبية النيابية سيصنع بيده دستوراً لا يخدم مصالحه. خاصة إذا كانت بقية القوى الوطتية لم تتفق بعد على دستور للبلاد يضمن تداول السلطة ، وبقاء الدولة المدنية ، ويحتوى على مواد فوق دستورية لا يجوز تغييرها مستقبلاً من أى تكتل يمثل الأغلبية البرلمانية. لماذا نمنح الفرصة لتيار سياسى محدد لكى يستفتى الشعب على دستور يساهم هو فى صناعته أكثر من غيره؟ وقد تكون به الكثير من الفخاخ التى تجهض فكرة قيام الدولة المدنية أو تصيبها بالعوار أو تكون المدخل المستقبلى لدولة دينية أو تعود بنا لا قدر الله إلى الدولة البوليسية القديمة. ألا يستحق ذلك الأمر أن نناقشه بدون حمرقه؟ أظن أنه يستحق. خذ عندك قضية أخرى ترتبط ارتباطاً عضوياً بفكرة بناء دولة الحرية والكرامة : لا ينكر عاقل أهمية الأمن والدور الذى يلعبه فى الاستقرار وعودة عجلة الاقتصاد إلى الدوران ، ولكن ما يحدث الآن من سوء إدارة للأزمة ، وتقاعس عن البدء فى بناء مؤسسة أمنية عصرية بإدارة مدنية ، وإعادة هيكلة وتأهيل جهاز الشرطة وكلياته ومعاهده ، سيؤدى حتماً إلى إنتاج كيان لا يحترم القانون ، يدار بنفس المنطق القديم لتلبية رغبات من يحكمون البلاد ، ويكرر عيوبه التقليدية التى تنتج مؤسسة تتخصص فى إهدار كرامة المواطنين رغم رفعها لشعار يقول بأنها فى خدمتهم. بالله عليك أخبرنى وبدون حمرقه : كيف تجوز محاكمة القيادات التى تورطت فى أعمال قتل وعنف مفرط بدون عزلها من مناصبها؟ ولماذا لا يتم إخضاع الضباط كبارهم وصغارهم لاختبارات السلوك العالمية المعروفة التى يقوم بها أطباء نفسيون ، ليتم إحالة من يعجزون عن اجتياز تلك الاختبارات إلى برامج إعادة التأهيل أو إنهاء خدمتهم إن تكرر رسوبهم فى تلك الاختبارات؟ لن أخوض هنا تفصيلياً فى الحلول والخطوات التى يمكن اتباعها من أجل الوصول إلى إنشاء مؤسسة أمنية محترمة ، تليق بدولة راقية تنتمى إلى القرن الواحد والعشرين ، فذلك أمر له أهله ودراساته ولن يحتاج إلى إعادة اختراع العجلة كما يقولون ، بل يحتاج إلى قرار حاسم وشجاع. أمر آخر يا عزيزى أتمنى أن نناقشه بدون أن تحمر الوجوه بنيران الحمرقة والتهديد بالانسحاب من اللعبة : لماذا يتم التعالى علينا وتذكيرنا دائماً على لسان كل من يحكم بلادنا على مر كل العصور ، بأننا يجب أن نجتهد فى عملنا لأنهم قد لا يجدون ما يطعموننا به؟ لماذا لا يجتهدون هم فى عملهم أو يتركونه لمن يجيده أكثر منهم؟ تلك نغمة يجب أن تنتهى. فلا يجوز لأحد فى هذا العصر أن يتعلم الحلاقة فى رؤوس اليتامى ، ولا يصح مطلقاً أن تجلس فى مقعد القيادة وتطلب ممن يجلس خلفك مذعوراً أن يحترس لكيلا يتسبب فى وقوع حادث ، بينما يفصل بينكما زجاج سميك يمنعك حتى من الاستماع إلى رأيه فى طريقة قيادتك لسيارته ، أو إلى اقتراحاته عن الطرق التى يتمنى أن تستشيره قبل أن تسلكها للوصول إلى غايتكما المنشودة. لا أريد أن أطيل عليك ولكننى أتمنى أن يقرأ البعض كل ما سبق ويتأمله بدون حمرقه.