لماذا تحتاج مواقف التيارات الإسلامية وفي القلب منهم جماعة الإخوان المسلمين دائماً إلى شرح وتفسير وتوضيح، وأحياناً نفي وتكذيب؟ ولماذا تنشغل بقية التيارات السياسية ليبرالية ويسارية بمحاولات استنطاق هذه التيارات لتفسير مواقفها من الدولة المدنية وحقوق المواطنة الكاملة لجميع فئات الشعب المصري؟ واعتقد أن السؤال الأهم من تلك الأسئلة، هو لماذا يبحث الطرفين عن التحالف رغم أن كليهما لا يثق في الأخر، وأن الشك في النوايا حاضر نتيجة للتضارب في الخطاب العام. أطرح هذه التساؤلات بمناسبة دعاوى التحالف بين قوى الثورة من أجل خوض الانتخابات البرلمانية القادمة بقائمة موحدة في مواجهة فلول النظام الساقط، وفي القلب من هذه الدعاوى، مبادرة جماعة الإخوان المسلمين تحت لافتة "مشاركة لا مغالبة". إن مبادرة تأسيس جبهة موحدة للقوى الوطنية الفاعلة ليست جديدة فهناك الجبهة التي تبناها الراحل عزيز صدقي قبيل انتخابات 2005 وقد آلت إلى فشل بسبب انسحاب الإخوان المسلمين منها عند مرحلة فاصلة حيث فضلت الجماعة الدخول في تحالفات جزئية مع وجوه في المعارضة والحزب الوطني لدواعي انتخابية تكتيكية. هذه التجربة لا تبشر بخير سيأتي من تشكيل جبهة أخرى تخوض انتخابات 2011 المصيرية ربما لنفس الأسباب المنهجية الخاصة بالإخوان المسلمين، أو لأسباب أخرى تتصل بعناوين أهم تستوجب حسم المواقف من الدولة المدنية لا الالتفاف عليها بدولة دينية متخفية وراء ما يسمى بالمرجعية الدينية. فلا شيء تغير رغم قيام الثورة، وحالة الشك والريبة في مواقف الإخوان من قضايا جوهرية تتصل بمستقبل مصر ودورها لا تزال حاضرة نتيجة لأن جميع تصريحات الإخوان لم تغادر المنطقة الرمادية، وخطابها العام متضارب متعارض يتسم بالضبابية والإنشائية، وما تسمعه في حضور الليبراليين تسمع نقيضه في حضور السلفيين. وعليه فإن لم تحسم جماعة الإخوان المسلمين موقفها من الدولة المدنية وأظنها لن تفعل، فعلى بقية التيارات السياسية التحالف منفردة والنضال من أجل معركتين مصيريتين، الأولى لا تنازل عن إجراء الانتخابات البرلمانية بالقائمة النسبية، والثانية هي إعداد قائمة موحدة تخوض الانتخابات دفاعاً عن الدولة المدنية في مواجهة دعاوى الدولة الدينية القائمة على الحدود وهدم مقومات الدولة الحديثة. أتمنى أن تتبنى الجمعية الوطنية للتغيير هذه المبادرة فهي الوحيدة المؤهلة لذلك حيث تتمثل فيها معظم التيارات السياسية يسارية وليبرالية، وأظن أن من بينها بعض عناصر من الإخوان الأكثر استنارة بالإضافة إلى دعوة كل القوى الوطنية من الأحزاب القديمة والجديدة للانضمام إلى الجبهة حتى يتسنى لمن يدافع عن مستقبل مصر والدولة المدنية أن يترشح في هذه الانتخابات، شرط أن يكون الالتزام بمبادئ الدولة المدنية هو الإطار الحاكم لمن سيخوضون الانتخابات القادمة ولا داعي للمناورة ومغازلة الشارع ظناً أن الناس ضد الدولة المدنية. وهنا أتمنى أيضاً ألا ينشغل الفاعلون في الجبهة الوطنية للتغيير بانتخابات الرئاسة ويهملون الانتخابات البرلمانية فهي الأقرب وهي الأخطر وعلى نتائجها سيتحدد شكل مصر الجديدة، هل هي ذاهبة إلى الطريق الذي سلكته ماليزيا وكوريا والبرازيل والهند وتركيا، أم الطريق الذي تسير فيه يتجه بنا نحو السودان وباكستان وأفغانستان والعراق. إن ما تمتلكه التيارات الإسلامية من السلفية والإخوان من إمكانات مادية وبشرية يستوجب استنهاض همم القوى الوطنية لا إخافتها وترهيبها، ثم البحث عن مصادر تمويل للمرشحين على القائمة الوطنية، بالدعوة لحملة تبرعات عنوانها "دفاعاً عن الدولة المدنية" ودفاعاَ عن مصر جديدة عصرية يتساوى فيها المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو الاجتماعية، وأظن أن وضوح الرؤية والبعد عن المناورة السياسية ومحاولة كسب ود بعض التيارات سيخلق قوة سياسية فاعلة تضم قوى اليسار ويسار الوسط والليبراليين وعموم الناس الذين يطمحون في العيش في وطن عصري نتمناه لأبنائنا وأحفادنا ونفاخر به الأمم. أعتقد أن وجود جبهة وطنية وقائمة وطنية تخوض الانتخابات دفاعاً عن الدولة المدنية سيحمي القوى الوطنية من الوقوع في فخ كوته الإخوان المسلمين، والقبول بفتات المقاعد التي يتركها الإخوان تحت دعاوى مشاركة لا مغالبة، ولست أدري أي مشاركة تلك التي يطرأ عليها التعديل كل يوم من 30 بالمائة إلى 49 بالمائة حسب أخر التقديرات. الدعوة إلى تشكيل جبهة وطنية وقائمة وطنية ليس بينها الإخوان أو بقية التيارات السلفية ليس فيه تخوين أو إقصاء لأي منهم، فقد كنت أول من دعا للوقوف احتراماً للإخوان، وتقديراً لحسن تدبيرهم للأمور طوال فترة الثورة، خاصة حينما غابت شعاراتهم عن ميدان التحرير وانصهروا وسط الحشود الغفيرة من الشعب. لذلك لست اتهم أحد بالخيانة ولا أصادر على حقهم في الوصول على السلطة وتطبيق رؤيتهم شرط أن تكون الرؤية واضحة والمواقف حاسمة، هم يريدون دولة دينية، لذا لا داعي "ل اللف" والدوران والتلاعب بالألفاظ والمواقف من قبيل مرجعية دينية، وكما أطالب الإخوان بالوضوح واتخاذ مواقف حاسمة أطالب بقية التيارات السياسية الليبرالية واليسارية على وجه الخصوص بمزيد من الوضوح والصدق مع ما يعتقدون، فهم جميعاً ضد الدولة الدينية ويخيفهم شكلها وبالتالي عليهم ألا يستنزفوا طاقتهم في محاولة التحالف مع الإخوان، وليبقي كل منا في مكانه ولنعمل جميعاً دون مناورات سياسية ودون تخوين أو تكفير أو محاولات لتحالفات خالية من الثقة بعيدة عن المصداقية. أتمنى ألا يصنف الإخوان وبقية التيارات الإسلامية هذا المقال ضمن حملة التشهير التي يظنون أن كل صاحب رأي هو جزء منها ولأنني لا أخون أحد ولا أنتقص من تضحيات الإخوان المسلمين وما ناله أعضاءها من التعذيب والتشريد فلا داعي لتكرار الحديث عن عذابات الماضي، التي لا أظن أن لذكرها وجود أمام ما نحن بصدده من تقييم سياسي ودعوة لحسم المواقف.