لاحظت أن فريقى نعم ولا على استفتاءات الدستور مشتبكان فى جدل صحى وجميل كأنه بداية لتدريب على الاتصال السياسى الجدلى الحر الذى حرمنا منه طويلاً، توضح نظرة سريعة على الفريقين وحججهما الإقناعية أن أنصار نعم ينتمون إلى المحافظين الإصلاحيين وتيار لا ينتمون إلى المغيرين الراديكاليين، يعنى الفارق فى مدى التغيير المنشود وليس فى أنهم بالضرورة أنصار النظام السابق وذلك توضيح من البداية من أجل عدم التشكيك فى إخلاص نوايا أى منهم. لا أريد هنا ان أروج لإحدى وجهتى النظر بل أن أعرض لملحوظتين رئيستين على النقاش الدائر وإطاره الحاكم: الملحوظة الأولى حول دوافع الرفض أو القبول: حيث تتضح نبرة اللوم لمن يجرؤ على مخالفة الآخرين فأنصار نعم سيكونون مسئولين عن إحضار الإسلاميين للحكم وإعادة الحزب الوطنى وارتداد المسار الديموقراطى والاتفاف على الثورة أما أنصار لا فهم الذين سيؤدون لخراب البلد وعدم استقراراها مع استمرار التهاب حدودها الشرقية والغربية والجنوبية ومسئولين عن عدم تفرغ الجيش لأعبائه الأصلية وبقاء العسكر فى الحكم لفترة طويلة، كلاهما يمارس بهذه الطريقة الإقناعية تهويلاً وإرهاباً فكرياً يصعب من عملية التفكير المتأنى الذى يصعب أصلاً فى ظل ضيق الوقت وما يحتاج اتخاذ القرار من بحث عن معلومات ومفاضلة بينها، كذلك نشطت الحملات الإقناعية التى تتبع منطق خالف تعرف من عينة "قم باختيار عكس خصمك السياسى" أى إن كان الوطنى أو الإخوان قررا الاستفتاء بنعم وأنت ضدهما أو مثلما قال أحد السلفيين "إن كان الأقباط ضد التعديلات فأنا معها". أو من جانب آخر نشطت حجج تستند إلى تصنيف آراء الخبراء والعقلاء من عينة فلان أو علان قالِ ذلك لأسترشد به، وهى إن كانت خطوة مهمة لجمع المعلومات إلا ان التقليد ليس من المفترض أن يحكم سلوكنا، أما أكثر الاستمالات عبثية التى صادفتنى فى فيديو كليب فتشبه الدستور بالعروس التى تخدع عريسها وهى تشبيه مبسط مخل لم يجد البعض سواه من أجل إقناع الشعب بل قد تحتاج دراسة متأنية لفحوى الرسالة السياسية التى تماهى الثقافة الذكورية السائدة فى المجتمع المصرى. أما الملحوظة الثانية فتخص توقيت الاستفتاء ومدى ملائمته للحالة الراهنة للشعب المصرى: حيث توجد فرضيات سياسية تقول أن المواطن لا يتخذ قراره بعقله بل قلبه وأن المشاعر هى التى تحرك اختياره وإن صحت هذه الرؤية (رغم تحفظى عليها) فالتوقيت الحالى للاستفتاء غير موات على الإطلاق لأن احتمالية اتخاذ الشعب المصرى لقرار عقلانى بعد ستة أسابيع من "البسترة العاطفية" والمشاعر الفياضة غير المستقرة كالثورة والغضب والخوف والهلع ومتلازمة ستوكهولم من جراء ممارسات النظام من إطلاق الشرطة والبلطجية والإشاعات والدعاية، هذا إضافة إلى عدم انتظام الحياة العادية تماماً وعدماتساع الوقت للتوعية الكافية فى ظل سيادة إعلام يلاحق الفضائح والنكات والفساد ولا يبدد الحيرة البادية على الكثيرين. فى هذا السياق قد تكون الرغبة فى الاستقرار العارمة لدى أنصار نعم هى السبب فى الموافقة رغم تحفظاتهم أيضاً، لكنى لا أرى علاقة بين الاستفتاء بنعم والاستقرار، لأن الاستقرار السياسى يعود بإعادة الهيكلة الكلية ورفع المظالم وتحقيق العدالة وعودة الشرطة لمهامها الأصلية وهى خدمة وحماية الشعب، كما أن الموافقة على التعديلات لا تنفى وضع دستوراً جديداً لاحقاً، طيب فلنضعه من المرة الاولى إذن مع دستور انتقالى مصغر للمرحلة الحالية.. ومع ذلك فإن قرار تأجيل الاستفتاء -كما طرحته بعض الأصوات المحترمة- فى ظل رفض الغالبية الحالى حسب استطلاعات الرأى الإلكترونية (58% على موقع مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء قد تكون غير معبرة عن كافة الشرائح الاجتماعية) لكن التأجيل سيبدو كأن المجلس العسكرى لا يريد سماع سوى نعم من الشعب. فى ظل استفتاء نزيه أؤيد ما تعبر عنه الأغلبية فى الصندوق فلا زال أملى كبيراً فى مستقبل مصر السياسى إن لم يحدث أى تدهور فى المسار العام والمؤشرات فى الغالب مبشرة (مع وجود بعض المنغصات على الحريات لا مجال لذكرها هنا) وأؤكد أن الشعب المصرى قادر على الممارسة الديموقراطية وان الاستفتاء مجرد بداية للتعلم والاشتباك وإن يؤرقنى سؤال حول عدم حرص إشراك المصريين المغتربين وأعدادهم بالملايين فى الاستفتاء عبر مقار السفارات، فإن كنا سنبدأ عهداً جديداً ألا يجب ان نتوقف عن مبدأ الإقصاء؟ وهى ملحوظة هامشية قد يرد عليها البعض بالصعوبات النتفيذية وضرورة السرعة فى الاستفتاء. توجد فئة ثالثة من العقلاء يرون أن الفروق بين التصويت بنعم أو لا ليست كارثية وأن الطريق أمام الديموقراطية لن يتضرر بصورة كبيرة، وفى رأيى الشخصى أن ثمة مخاطرة سياسية فى كلا البديلين ولا يحمل أى منهما وعداً قاطعاً بإتمام التحول الديموقراطى على أكمل وجه، تعليقى أن أنصار لا للتعديلات الدستورية ينشدون بداية أكثر مثالية لعملية التحول الديموقراطى المنتظر، وغن كان رفض التعديلات أكثر حسماً نحو بداية ناصعة، فى حين يتبع أنصار نعم للتعديلات مبدأ ما لا يدرك كله لا يترك كله . فى النهاية لا تقاطع الاستفتاء، اختر البديل فقط الذى يقنعك ، لا تدل برأيك خوفاً.سواء خوفاً من بعبع عدم الاستقرار أو خوفاً من بعبع الدكتاتور القادم.