لا أمل في إقدام المجلس العسكري على إلغاء الاستفتاء نزولاً على رغبة الرافضين للترقيع الدستوري أو انصياعاً لتظاهرات مليونية يجري الدعوة لها عشية الاستفتاء. موقف المجلس العسكري ليس تعنتاً ولا رغبة في الإسراع نحو إجراءات تقود إلى الاستقرار كما يروج المؤيدون للتعديلات، وهم حصرياً الإخوان المسلمين وبقية أطياف الحركات الإسلامية من سلفيين وجهاديين، ومعهم بكل أسف بقايا ما يسمى بالحزب الوطني وبعض الخائفين من انفلات الأوضاع إذا ما طالت مدة الفترة الانتقالية. الاستفتاء في تقدير المجلس العسكري وكثير من المراقبين داخل وخارج مصر هو اختبار عملي وميداني للكثير من الفرضيات المحيرة التي لم يتسن لأحد التحقق منها أو إثبات جديتها منذ بدأت الثورة في 25 يناير. على رأس تلك الفرضيات تقف ضبابية تحديد القوة التي تقود الشارع أو تسيطر على ميدان التحرير وهي أيضاً السؤال الكبير والمحير والذي ستترتب على إجابته كافة معطيات الخروج من المرحلة الانتقالية، فقد كان ولا يزال بلا إجابة قاطعة أثناء الثورة وبعدها، نظام مبارك وأعوانه شأنهم شأن الثوار في ميدان التحرير والأطراف الخارجية بما فيها الولاياتالمتحدةالأمريكية عجزوا عن فك ألغازه أو تحديد هوية ميدان التحرير والقوة الدافعة لتظاهراته وتحركاته، هل الغلبة للإسلاميين وفي القلب منهم الإخوان أم ائتلاف الثورة وفي طليعته التيارات المؤيدة للدكتور محمد البرادعي وجماعات اليسار وأحزاب العهد البائد وإن كنت أظن أن أحداً لا يعير هذه الأحزاب انتباهاً ولا يقيم لها وزناً (تأمل هنا تردد الأحزاب والإخوان في قبول التفاوض مع عمر سليمان مخافة أن يؤدي الاتفاق في الحوار على دعوة لإنهاء التظاهر وبالتالي انكشاف حجم قوتهم). الفرضية الثانية تتعلق بإمكانية اختبار قدرة وزارة الداخلية وجهاز الشرطة على العمل من جديد وسط تحديات كبير، وربما محاولة إيصال رسالة للشعب وجمهور الناخبين بأن جهاز الشرطة تغير واستوعب الدرس ونأى بنفسه عن ممارسات العهد البائد وأصبح محايداً مهمته ضمان من ممارسة المواطن حقه في التصويت والانتخاب دون التدخل في اختياره. إن صحت هذه الفرضية ووصلت رسالة الشرطة بوضوح ستساهم كثيراً في ترميم الشرخ الذي أصاب العلاقة مع جموع الشعب. هذا بالنسبة للقوات المسلحة لكن ماذا عن الإخوان المسلمين؟ أكثر ما أزعجني في موقف الإسلاميين وفي القلب منهم الإخوان أنهم يقفون في نفس الخندق الذي يقف فيه الحزب الوطني وأذنابه من التعديلات الدستورية. وبمنتهى الصدق لا أود أو أرغب في أن أسهب في هذا الحديث احتراماً للدور الذي لعبه الإخوان في إنجاح ثورة الشعب المصري، ولكن هواجس كثيرة تخشى من أن هذا الموقف يمثل عودة لرؤية غابت عن أولويات الإخوان طوال فترة الثورة عنوانها الجماعة فوق كل شيء بما فيها المصالح الوطنية والإجماع الوطني. لقد اختار الإخوان تأييد الاستفتاء لعدة أسباب فهو اختبار حقيقي لقوتهم وهو أيضا بروفة عملية للانتخابات القادمة سواء كانت رئاسية أو برلمانية تؤشر على حجم ما سيحصلون عليه في البرلمان من مقاعد أو مكاسب وتعهدات يضعونها أعلى الطاولة عند التحالف مع أي من المرشحين للرئاسة، إن صدقوا في عدم الدفع بمرشح إخواني للمنصب. لقد أدرك الإخوان قبل غيرهم من التيارات السياسية أن عموم الناس من غير المسيسين قد يذهبون للإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء بدواعي تأثير الثورة والأمل في مستقبل أفضل، كما يدرك الإخوان أيضاًً أن الشريحة الأكبر من هؤلاء ربما ستختار الإجابة الأسهل بنعم لأن الإجابة بلا ورفض التعديلات المقترحة يستدعى الكثير من النقاش والجدل حول سقوط الدستور والشرعية الثورية وغيرها من القضايا التي لا تستقيم حجة أمام دعاوى الاستقرار وأهمية عودة الحياة لطبيعتها والبناء وغيرها. الإخوان وحدهم يدركون ذلك لذا فإن حماسهم للتعديلات مصدره الرغبة في الاحتماء خلف هذه الكتلة الصامتة بالتالي فإن حجم قوتهم وتأثيرهم في الشارع لن دالاً على الحقيقية، لذا فكل ما أخشاه هو الخروج بمؤشرات ضالة ومضللة من نتائج الاستفتاء عن حجم وتأثير الإسلاميين في الشارع مقارنة بالتيارات الأخرى الرافضة. لكل ذلك على الرافضين للترقيع الدستوري المطالبين بالتصويت بلا في الاستفتاء ضررة أن يسقطوا الآمال بإمكانية إلغاء الاستفتاء والعمل من الآن على حشد كافة الطاقات للتصويت ب لا كبيرة للترقيع الدستوري فهذا اختبار حقيقي يستحق بذل الجهود من أجله لأن الدلالات السياسية التي ستترتب على نتائج الاستفتاء سيكون لها بالغ الأثر في مجمل مسار المرحلة الانتقالية وما سيعقبها إجراءات.