فكرت كثيراً في مستقبل الأقباط في مصر ووجدت لزاماً عليَّ أن أكتب مقالي هذا بعد أن وصلت الأمور إلي ما وصلنا إليه، خصوصاًَ بعد حادثة نجع حمادي الشهيرة التي استنكرتها الدولة المصرية ووسائل الإعلام بل استنكرها العالم كله وأدانها بعد أن راح ضحيتها عدد من الشهداء الأقباط وشهيد مسلم وذلك بخلاف المصابين وكان لها الأثر السيئ في نفوس جميع المصريين الأقباط والمسلمين نظرا لبشاعة الحادث وأهميته في يوم عيد الميلاد المجيد وزعزعته الوحدة الوطنية التي نخاطب بها العالم كله ونتشدق بها علي مدي الأجيال والعصور منذ الفتح الإسلامي حتي يومنا هذا. ودعني أناقش يا سيدي لماذا وصلنا إلي هذه الحالة المزرية بعد أن كتب لنا التاريخ بأحرف من النور صلابتنا ووقوفنا جميعا مسلمين وأقباطاً في وجه العدو الذي لا يعرف الرحمة والشفقة متحدين في كل شيء حتي دماؤنا التي امتزجت ببعضها دفاعا عن هذا الوطن الذي نعيش فيه أو يعيش فينا. لقد تعالي صوت البعض ونادي بالتفرقة بين جناحي الأمة متجاهلين هذا التاريخ العظيم الذي لا نستطيع أن ننكره بل نتذكره دائما ليكون نبراساً نحتذي به في جميع تصرفاتنا وأفعالنا. إن وصولنا إلي تجاهل حقوق عنصري الأمة بل التحريض علي تجاهل هذه الحقوق من بعض المغرضين هو الدافع السياسي لنصل إلي هذا الخطر الذي يعصف بوطننا الغالي مصر. إن في مصر دستوراً عظيماً يجعل من المواطنة أساس التعامل لينص هذا الدستور في مادته الثانية علي حق المواطنة للمصريين جميعا دون تفرقة، كما ينص الدستور أيضا في المادة «40»، «علي إن المواطنين لدي القانون سواء وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة». وانبثقت جميع القوانين من هذا الدستور والتزم الجميع بهذا وعاش الكل في أمان واطمئنان، وطبق القانون علي جميع المصريين وأصبحت مصر دولة سيادة القانون وفرح الناس جميعاً وتهللت نفوسهم وأساريرهم وتوطدت الوحدة الوطنية وكان الكل قلب رجل واحد لا تشغلهم إلا مصر وكيفية الدفاع والزود عنها إلي أن تعالت صرخات المتعصبين للنيل من وحدتنا محاولين تفتيت هذه الوحدة الوطنية.ة وللأسف الشديد سار البعض وراءها بدافع أو بآخر بحجة مقبولة أو غير ذلك وأصبح للأقباط العديد من المشاكل، ومنها علي سبيل المثال لا الحصر: 1- عدم تمثيل الأقباط المنتخبين بالمجالس السياسية والشعبية رغم المحاولة الجادة من بعضهم للخوض في المعارك الانتخابية، ولكن الحكومات السابقة كانت لهم بالمرصاد وحالت دون دخولهم مجلس الشعب، وليس أدل علي ذلك من نتائج الانتخابات في الدورات السابقة وتقارير محكمة النقض في ذلك ونتائج التعويضات التي قامت الحكومة بدفعها للذين زُورت ضدهم الانتخابات وكنت واحداً منهم وأحكام القضاء في ذلك. 2- عدم الاكتراث بأهمية الأقباط وتمثيلهم سياسياً عندما قامت الحكومة بتعديل قانون الانتخابات رقم 38 لسنة 1972 أخيراً رغم مقالنا المنشور بجريدة «الدستور» بتاريخ 8/6/2009. 3- عدم الاستجابة لبناء دور العبادة للأقباط أو ترميمها وتوسيعها وإعادة بنائها تطبيقا للقرار الجمهوري الذي أصدره فخامة الرئيس محمد حسني مبارك. 4- وسائل الإعلام التي تبث التفرقة بين أبناء الوطن الواحد. 5- المناهج الدراسية في التعليم التي تدعو إلي نبذ الوحدة والأخوة بين التلاميذ أبناء مصر الحبيبة. 6- عدم تعيين الأقباط في الوظائف العليا في الدولة. وغير ذلك من الأمور التي يعانيها الأقباط في الشارع المصري من تعصب ونبذ الآخر. إن بعض المتعصبين في مواقعهم علي النت حددوا مدة زمنية لإخلاء مصر من الأقباط رغم أن عددهم يتجاوز اثني عشر مليون نسمة في ربوع الكنانة كلها. فالشريعة الإسلامية تدعو إلي الحب والتسامح وأن القوانين جميعها وضعت دون تفرقة بين هذا وذاك، فلماذا لا نعود إلي الجذور ونطبق الأسس السليمة التي تؤدي بنا إلي السلام الاجتماعي. ولما كان الإسلام دين الدولة فإن القرآن الكريم قد نص «ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصاري ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون» «سورة المائدة 82». وقد أوصي الرسول الكريم بأقباط مصر عندما قال في حديثه الشريف «أوصيكم خيراً بأقباط مصر». فإذا كانت الشريعة الإسلامية والدستور والقوانين الوضعية لا تفرق بين الأقباط والمسلمين فلماذا يفرق بعض المتعصبين بين هؤلاء وأولئك؟! إن أقباط مصر وهم النسيج الواحد لهذا الوطن وجناح من جناحي هذه الأمة المترابطة سيظلون في هذا البلد الآمن. آملين أن يعود السلام والطمأنينة للجميع.