عندي معضلة أساسية في زمن الحرية هي إيجاد مساحة سلام ما بين حقي كفرد وحقي كشعب. النظام الذي يجهض حق أي أفراده هو نظام غير دستوري، والفرد الذي يجهض حقوق الآخرين هو فرد هدام. ومابين الإثنين أبحث عن مساحة وسطى. من أنا؟ أنا الفرد الذي تعرض للظلم والقهر والقتل، لي أسماء كثيرة ربما واحد منها هو خالد سعيد. أنا القبطي الذي تعب من سنوات الخوف ومن خزعبلات الجهل، والجهل يسكن في كل الأماكن ومن بينها أطفيح. أنا امرأة في مجتمع رجال يتحرشون بجسدي وعملي وعقلي وحريتي، أعيش في حكاياتي السرية ومنها حكاية اسمها 678. أنا معاق، أنا طفل شارع، أنا مسجون سابق، أنا موظف حكومة، أنا طالب جامعى، أنا مسجون سياسي... أنا الشعب، ومن حقي أن أثور فهل أثور إذا؟ هل أنا فقط هؤلاء؟ أنا أيضاً المهندس الذي لم يذهب لعمله منذ شهرين، أنا الأم التي أصابتها طوبة من بلطجي وهي تأخذ إبنها للمدرسة، أنا الشيخ الذي مات في عربة الإسعاف الواقفة في زحام الطريق الدائري، أنا صاحب العمل الجالس في شرفة منزله يشعر بالقلق على الألف عائلة التي توقف دخلها منذ أغلق مصنعه بسبب الخوف. أنا العروس التي لم تحتفل بيوم زفافها. أنا فقير، أنا مريض، أنا مرشد سياحي، أنا الفلاح الذي لم يعد واثقاً في قطرة الماء وعزة النيل، أنا الأثري الذي يكاد يبكي دماً مع كل سرقة جديدة لكنوز الوطن ... أنا الشعب وأريد أن يعود الأمن والأمان معقدة هي حكايتي، لكنها تزداد تعقيداً لأن وراء الحكايات حكايات أنا الفتاة التي قُتِلَت لأنها أحبت، وضاعت حكاياتها في حديث الفتنة، أنا الفنان الذي اعتقله الجيش وحاكمه يتهمة البلطجة، وضاعت حكايته في توازنات "الإيد الواحدة" بين الجيش والشعب. أنا المتهم ظلماً بالفساد ولا أجد من يدافع عني، وربما تضيع حكايته في فورة الغضب على الفاسدين الحقيقيين. أنا الثائر الذي لم ينزل التحرير، لأنه كان خارج البلاد يتابع علاجاً لم يكن من الممكن تفاديه، وضاعت حكايته في قلب تقسيم الوطن بين ميدان وكنبة. أنا الملتزم دينياً الذي تعرض للازدراء من جماعته لأنه دافع عن مظاهرات المرأة، وتعرض للريبة من الآخرين لأنه ملتحي، وضاعت حكايته وراء التعميمات والتصنيفات التي تتجاوز خصوصية كل فرد. أنا الشعب وأطالب بحقي في الوجود الحر خارج أحكامكم المسبقة. قلت في مقال سابق أن الحياة ستسألنا أسئلة صعبة لم نعتدها من قبل، لأننا كنا نُعامل معاملة الأطفال وكل قراراتنا يتخذها آخرون نيابة عنا. الآن كبرنا، وعلينا أن نفهم أن هذه الحرية الجديدة لا يمكنها أن تستوعب كل مطالب الشعب وكل فرد فيه من اليوم الأول. الثورة التي تُسقط نظام لا يمكنها أن تمنع كل الفوضى، والغضب الذي يُطالب بمحاكمات عاجلة لا يمكنه أن يضمن العدل. هذه معضلتي إذن. ومع ذلك، أظن بأن هناك مساحة وسطى تسمح لكل مطالب الشعب بالتحقق: 1. البداية في اعتقادي هي في توقف وإدانة كل أشكال الاحتجاج الجماعي والفئوي لفترة من الوقت يتفق عليها، مع عدم حل أي من ائتلافات الثورة واستعدادها للنزول إلى الشارع من جديد إذا اقتضت الحاجة 2. يلتزم ائتلاف الثورة بالتنسيق مع الداخلية والجيش لإتخاذ كل الاجراءات المطلوبة لعودة الأمن في الشارع، ولو تضمن ذلك تكوين لجان شعبية منظمة وتحديد إقامة واتصالات وجوه النظام وأمن الدولة السابقين 3. يلتزم الجيش بالإيقاف الفوري للمحاكمات العسكرية للمدنيين، وتعليق الأحكام التي سبق إتخاذها، مع الإبقاء على المعتقلين لعدد من الأسابيع إن اقتضت الحاجة حتى يتم تدبير الشكل القانوني لإعادة محاكمتهم بشكل عادل 4. يتم بأقصى سرعة تشكيل لجنة شعبية حقوقية، يرأس أمانتها شخصية متفق عليها، وتضم في أمانتها ممثلين من شباب الثورة ومراقبين من النيابة الإدارية والعامة والقضاء، وتكون مسئولية اللجنة ضمان تجميع المعلومات المتعلقة بالمعتقلين، وكذا تسجيل ومساعدة الفئات الغاضبة في تنظيم قضاياهم ومطالبهم ورفعها إلى الجهات المختصة 5. يتم التركيز الشديد على توعية الشعب ومطالبة المجلس العسكري بتغيير خطة المرحلة الانتقالية، وذلك إما بمشاركة السلطة مع مجلس رئاسي مدني وتعيين لجنة تأسيسية لكتابة دستور جديد، وإما – على أسوأ الأحوال – الالتزام بانتخابات رئاسية قبل الانتخابات البرلمانية، على ألا يكون أي من أعضاء المجلس العسكري مرشحاً رئاسياً. هذه الخطوات من شأنها أن تضمن حاضراً يمكن التعايش معه، ومستقبلاً يحفظ مكاسب الحرية لكل فرد. من حقك بالطبع أن تختلف في التفاصيل والترتيب، فأنا في النهاية أمثل رأيي ... وأنا الشعب