يقول الله تبارك وتعالى فى كتابه الكريم: ( إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ) صدق الله العظيم – الزلزلة 1 – 5 . يتحدث القرآن الكريم فى هذه الآيات الكريمة عن الحدث النهائى الرهيب على الأرض، الزلزلة التى تعنى قيام الساعة، وتعلن نهاية الحياة على هذه الأرض، والفعل ( زُلزلت) مبنى للمجهول؛ مع إنه معلوم من الذى سيزلزل الأرض؛ الله تبارك وتعالى خالقها وخالق ما عليها وما عداها، وإذا زلزلت الأرض فإنها ستزلزل زلزالها، وكلمة زلزالها فى الآية الكريمة توحى بأنه الزلزال الوحيد للأرض، مع إن كثيرا منا عاين فى حياته زلزالا أو أكثر، ولكن الزلازل التى نعاينها فى حياتنا، وتهتز بها الأرض حين تقع هى مجرد هزات أو رجفات أرضية خفيفة، تتراوح بين أربع درجات وتسع درجات على مقياس ريختر، وقد تشتد فتؤشر أعلى درجات المقياس، والزلزال الذى ضرب طوكيو فى اليابان صباح اليوم دمرها، وتسبب فى فيضانات الأنهار وتشقق التربة وانهيار المبانى والجسور والمنشآت، وتحترق المصانع والمفاعلات، وقد يموت من جرائها آلاف الناس من قاطنى المناطق المنكوبة، وتتابع موجات المد البحرى ليطال تأثيرها السواحل البعيدة للقارات الأخرى! ولكن .. مهما اشتدت هزات الأرض، وبالرغم مما يصيب الإنسان فيها من فزع ورعب؛ فهى تعتبر مجرد (عينات)، تريها لنا القدرة الإلهية لنتعظ، ونأخذ من آثارها العبرة فيما نستقدم من أيام وأحداث. والله تبارك وتعالى جعل هزات الأرض مفاجئة على الدوام، ولا يستطيع الإنسان مهما بلغت قوته وقدرته ومستوى علمه؛ أن يخمن وقوع هزة أرضية فى أى مكان، وتحت أى ظروف، ويبقى الإنسان دوما تحت رحمة القدرة الإلهية المهيمنة على مقادير الكون كله. ولنتخيل مثلا زلزالا بقوة مائة أو مائتى ريختر!! لا شك أنه يوم يقع سيكون يوم الفزع الأكبر، ( يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ ) – القارعة 4 و 5، يوم يخرج الناس من أديم الأرض كالفراش المتفرق المنتشر؛ ليعاد خلقهم من جديد، الموتى يبعثون من ظلمات قبورهم، يعيد الله تبارك وتعالى خلق أجسادهم كما كانت أول مرة، فإذا خرج كل بنى آدم من تراب الأرض؛ فإن الأرض حينئذ تكون قد أخرجت أثقالها، وتفقد الجبال مادة تكوينها ؛ التراب ؛ فتصبح كالعهن المنفوش؛ أى كالصوف الذى ينفش باليد ، وربما نستوحى شيئا من هذا التصوير فى قول أبى العلاء المعرى: سر إن اسطعت فى الهواء رويدا لا اختيالا على رفات العباد خفف الوطء فما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد يومئذ .. يتساءل الإنسان: ماذا جرى؟ ما الذى حدث للأرض؟ ما هذا الزلزال الهائل ؟ ويدرك الحقيقة بسرعة؛ إن الله تبارك وتعالى قد أوحى لها أن تتزلزل وتخرج أثقالها من كل ما خلق الله تبارك وتعالى من ترابها، (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) – الزمر 67. يومئذ .. يفر المرء من كل ما كان ومِن كل مَن كان يربطه بهذه الدنيا ، يفر من إخوته وأبيه وأمه، من زوجته وأبنائه، ( لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ) – عبس 37، ويقف وحده عاريا فردا ليواجه مصيره النهائى؛ إما إلى النعيم فى جنات الخلد أبدا، أو إلى جهنم يصب فوق رأسه الحميم أبدا. ويومئذ.. لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ، ولا ينفع حسب ولا جاه ولا قرابة ، ولا ينفع اعتذار ولا ندم: ( يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) – غافر 52 . ويومئذ.. يتذكر الإنسان كل ما عمله وقام به حين يرى جهنم، فيتذكر الظالم ظلمه، ويتذكر الحاكم المستبد استبداده، ويتذكر السارق ما سرقه، (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى ) - الفجر 23 . ويومئذ.. يعض الظالمون أصابع الندم يتمنون أن تعود بهم الأيام فلا يظلمون: ( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ) - الفرقان 27 . ويومئذ.. لا تملك أىُ نفس لأىِ نفس أىَ شئ، ( يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ) – الانفطار 19 . ويومئذ .. تبدل الأرض غير الأرض، وتبدل السماوات غير السماوات، وتذهل كل مرضعة عما أرضعت، ويقول الكافر: ( يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا ) – النبأ 40 . وغير هذه الأوصاف كثيرٌ حفلت به آيات القرآن الكريم؛ تصف أحداث اليوم الآخر الهائلة؛ والتى تبدأ كلها من حيث تنتهى الحياة بالزلزال الرهيب، ليبدأ الوجود الأبدى فى الآخرة، ( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) صدق الله العظيم – الزلزلة 7 و 8 .