لست (فقيها) دستوريا، ولكنني والله أعلم، قادر على أن (أفك) الخط. وقد أصبت بالإعياء والغيظ والضجر من كثرة ما سمعت جهابذة الإعلام الحكومي، والحكومي بشرطة، وهم يستفيضون في ضرورة بقاء الرئيس مبارك في موقعه، لا لأنه لا سمح الله طامح إلى جاه لم ينل منه حظه في ثلاثين عاما، ولا لأنه متشبث بالتاج والصولجان، ولا لأنه يريد أن تذكره كتب التاريخ كرئيس قعد على قلب شعبه حتى تعب من القعدة فقام بمزاجه - بدل أن تذكره كرئيس مسح شوية عيال (التعبير يدور في رأسه هو طبعا) سنواته الطويلة بأستيكة. لا. بل لأنه يشفق على مصر المسكينة من الوقوع في مأزق دستوري، ومزنق تحاصرها فيه تحت بير السلم قوى الفوضى والعنف والشعوذة. وهكذا يستمر الرئيس للعام الثالث والستين على التوالي في التضحية من أجل وطنه في مجال العمل العام، جوا وبرا ثم بحرا. ( بحرا في شرم الشيخ). ويقول نائب الرئيس، ورئيس وزراء الرئيس، وكتائب إعلام وزير إعلام الرئيس إن الرئيس ضروري لأنه لا تعديل للدستور ولا حل لمجلس الشعب إلا في وجوده، ولولا ذلك ورغبته في تحقيق مطالب الشعب لكان اختار الراحة لأنه (زهق) كما نقلت عنه الصحفية الأمريكية أمانبور. وقد تعاطفت مع حالة الرئيس لشديد علمي بأننا شعب (يزهّق) ويدفع الرؤساء لأن يطلعوا من هدومهم. وتذكرت مشهدا تاريخيا للشيخ الشعراوي رحمه الله وعلى يمينه الباقوري شيخ الأزهر رحمه الله، حين وضع يده على كتف الرئيس مبارك الواقف على يساره (أبقاه الله) في نهاية خطبة بليغة، وقال له: إذا كنت قدرنا فليوفقك الله، وإذا كنا قدرك فليعنك الله على أن تتحمل. والحق أن الله استجاب للدعوتين، فقد وفق الرئيس إلى كل ما نحن فيه، وأعانه على احتمالنا عشرة آلاف وسبعمائة وستة أيام، إلى هذه اللحظة. ورغبة مني في تخفيف أعباء الرئيس، وتحقيق أمنيته بالتقاعد، دون أن يتركنا نقع في مأزق، أو ننزلق في مزلق، أو ننزنق في مزنق، دستوري، فقد قررت أن أقرأ الدستور. يقول مؤيدو الرئيس مبارك إن بقاءه إلى نهاية ولايته هو السبيل الوحيد لتلبية مطالب الشعب الرئيسية وأولها تعديل الدستور. ويعتمد هؤلاء على المادة 189 التي تحصر حق طلب تعديل الدستور في الرئيس ومجلس الشعب. كما يحتجون بالمادة 82 التي لا تجيز لأي رئيس مؤقت أن يطلب تعديل الدستور أو يحل مجلس الشعب أو الشورى. والسيناريو الدستوري المطروح من هذا الفريق هو: - بقاء الرئيس مبارك لنهاية ولايته. - تصحيح انتخابات مجلس الشعب قضائيا، أو حله وإجراء انتخابات جديدة. - طلب تعديل الدستور من المجلس بشكله الجديد. - استفتاء الشعب على التعديلات. أما معارضو الرئيس، فيطالبون باستقالته الفورية وحل مجلسي الشعب والشورى، ويقترحون مخرجا استثنائيا يتمثل في أن تدعو مؤسسة الحكم الانتقالي إلى إنشاء جمعية تأسيسية تضع دستورا جديدا للبلاد ومن ثم يطرح للاستفتاء الشعبي، ويتم بعدها إجراء الانتخابات النيابية والرئاسية وفق الدستور الجديد. ويستند هؤلاء إلى أن الدساتير سابقة على المجالس النيابية، وإلى اعتبار المرحلة مرحلة تأسيس لعهد جديد، وأن الثورات لاحقة بالظروف الخارجة عن الإرادة كالكوارث الطبيعية والحروب، أي أنها وضع شديد الاستثنائية يستدعي منطقيا إجراءات شديدة الاستثنائية. وأرى أن كلام هؤلاء على منطقيته لن يكون مقبولا من معسكر الموالاة، وسيستخرجون منه قبيلة من القطط الفطسانة، مما يجعله باطلا دون أن يتذكروا أن المراد به حق، تماما كما أن دعواهم بالضرورة الدستورية لبقاء الرئيس هي حق يراد به باطل. ولكي أريح الجميع، ها هي خطة دستورية يراعى فيها الترتيب الذي ترد به: - يحل الرئيس مبارك مجلس الشعب طبقا للمادة 136. - يستقيل الرئيس مبارك ويتولى الرئاسة رئيس المحكمة الدستورية العليا لعدم وجود مجلس للشعب، وفقا للمادة 84. - يدعو الرئيس المؤقت الشعب لاستفتائه على تعديلات دستورية وفقا للمادة 152 التي تخوله التوجه الى الشعب مباشرة للاستفتاء في الامور التي تتعلق بالمصالح العليا للبلاد. وتوفر هذه المادة مخرجا من التقييد الذي تفرضه الفقرة الثانية من المادة 82، بلجوء الرئيس المؤقت إلى الشعب مباشرة، خصوصا أن المادة الثالثة التأسيسية في الدستور الحالي تنص على أن السيادة للشعب وحده وهو مصدر السلطات، فما يوافق عليه الشعب في استفتاء يتجاوز منطقيا في قوته سلطان ممثلي الشعب. - تجرى انتخابات نيابية ورئاسية وفقا للتعديلات، ويمكن مناقشتها بأثر رجعي في مجلس الشعب المنتخب إذا ارتأى لذلك حاجة وفقا للمادة 147. وبذلك يرتاح الرئيس منا دون أن يؤنبه الضمير على ما تركنا فيه من مأزق. غير أنني كمواطن مصري له حصة في هذه البلد، أشدد على ضرورة أن يكون تعديل الدستور محدودا فقط بالمادتين 76 و77 الخاصتين بانتخاب الرئيس، وبالمادة الخاصة بالإشراف القضائي على الانتخابات، وأن ينص الدستور المعدل على أنه مؤقت لمدة عام أو عامين يجري فيهما الحوار المجتمعي بمنتهى التوسع والعمق والشفافية حول مسائل جذرية في دستور مصر المستقبل لا يمكن حسمها في شهور قليلة، ولا يمكن الاستمرار في تجاهلها. وهذه أمثلة منها: - وضع الدين في الدولة. - ضوابط إنشاء الأحزاب، ومدى ارتباطها بشعار ديني. - نظام الحكم بين البرلماني الدستوري، والرئاسي. - نسبة تمثيل العمال والفلاحين والمرأة. - اشتراط عدد معين من سنوات التقاعد للرتب العسكرية والشرطية قبل السماح بمزاولة العمل السياسي. السؤال هو في توفر الإرادة. وكما يقال دائما: إذا توفرت الإرادة، ستتوفر الطرق.