استجابة ل«هويدا الجبالي».. إدراج صحة الطفل والإعاقات في نقابة الأطباء    بنك مصر يشارك في 26 عملية تمويلية ب246.7 مليار جنيه خلال 2023    الاتحاد من أجل المتوسط: مؤتمر الاستجابة لغزة عكس مواقف مصر نحو القضية الفلسطينية    وزير الخارجية الأمريكي: لن نسمح لحماس بتقرير مصير غزة بعد انتهاء الحرب    بعد غياب 34 يوما| الأهلي جاهز لعودة الدوري بمواجهة فاركو غداً    رغم أزمته مع لجنة الحكام، قمر الدولة يحكم مباراة الحدود ومنتخب السويس    اتحاد الكرة يرد على تصريحات رئيس إنبي    "يورو 2024".. بطولة تحطيم الأرقام القياسية    أخبار مصر.. تأجيل محاكمة سفاح التجمع الخامس ل16 يوليو فى جلسة سرية    تسلل ليلًا إلى شقتها.. ضبط المتهم بقتل عجوز شبرا لسرقة ذهبها وأموالها    سفير مصر بالكويت: حالة المصاب المصرى جراء حريق عقار مستقرة    محمد الشرنوبي يطرح أغنيته الجديدة "استغنينا" (فيديو)    وزارة الصحة تتابع مشروع تطوير مستشفى معهد ناصر وتوجه بتسريع وتيرة العمل    جامعة بنها ضمن أفضل 10 جامعات على مستوى العالم    البنك الأهلي يحصل على شهادة ISO 9001 في الامداد اللوجيستي من المواصفات البريطانية    يورو 2024| ألمانيا يبدأ المغامرة وصراع ثلاثي لخطف وصافة المجموعة الأولى.. فيديوجراف    إجازة المشاهير| «وفاء» هتحضر أكلة شهية و«نبيلة» هتفرق العيدية    السبت أم الأحد..الإفتاء تحدد موعد وقفة عرفة رسميًا    بلغت السن المحدد وخالية من العيوب.. الإفتاء توضح شروط أضحية العيد    ندوة مركز بحوث الشرطة لمواجهة الأفكار الهدامة توصى بنشر الوعي والتصدي بقوة للشائعات    مجدي البدوي: «التنسيقية» نجحت في وضع قواعد جديدة للعمل السياسي    بلينكن: نعمل مع شركائنا فى مصر وقطر للتوصل لاتفاق بشأن الصفقة الجديدة    المدارس المصرية اليابانية: تحديد موعد المقابلات الشخصية خلال أيام    أبو الغيط: استمرار الصراع فى السودان سيؤدى إلى انهيار الدولة    حملات مكثفة بالإسكندرية لمنع إقامة شوادر لذبح الأضاحي في الشوارع    7 نصائح للوقاية من مشاكل الهضم في الطقس الحار    محافظ المنيا يشدد على تكثيف المرور ومتابعة الوحدات الصحية    القوات المسلحة توزع كميات كبيرة من الحصص الغذائية بنصف الثمن بمختلف محافظات    بالأسعار.. طرح سيارات XPENG الكهربائية لأول مرة رسميًا في مصر    مبابي: أحلم بالكرة الذهبية مع ريال مدريد    "سيبوني أشوف حالي".. شوبير يكشف قرارا صادما ضد محترف الأهلي    10 آلاف طن يوميًا.. ملياردير أسترالي يقترح خطة لإدخال المساعدات إلى غزة (فيديو)    مراسل القاهرة الإخبارية من معبر رفح: إسرائيل تواصل تعنتها وتمنع دخول المساعدات لغزة    جامعة سوهاج: مكافأة 1000 جنيه بمناسبة عيد الأضحى لجميع العاملين بالجامعة    أسماء جلال تتألق بفستان «سماوي قصير» في العرض الخاص ل«ولاد رزق 3»    وفاة الطفل يحي: قصة ونصائح للوقاية    القوات المسلحة تنظم مراسم تسليم الأطراف التعويضية لعدد من ضحايا الألغام ومخلفات الحروب السابقة    إصابة 3 طلاب في الثانوية العامة بكفرالشيخ بارتفاع في درجة الحرارة والإغماء    مواعيد تشغيل القطار الكهربائي الخفيف ART خلال إجازة عيد الأضحى 2024    الجلسة الثالثة من منتدى البنك الأول للتنمية تناقش جهود مصر لتصبح مركزا لوجيستيا عالميا    أيمن عاشور: مصر تسعى لتعزيز التعاون مع دول البريكس في مجال التعليم العالي والبحث العلمي    مساعد وزير الصحة لشئون الطب الوقائي يعقد اجتماعا موسعا بقيادات مطروح    «أوقاف شمال سيناء» تقيم نموذج محاكاه لتعليم الأطفال مناسك الحج    وزير الإسكان يوجه بدفع العمل في مشروعات تنمية المدن الجديدة    عفو رئاسي عن بعض المحكوم عليهم بمناسبة عيد الأضحى 2024    إي اف چي هيرميس تنجح في إتمام خدماتها الاستشارية لصفقة الطرح المسوّق بالكامل لشركة «أرامكو» بقيمة 11 مليار دولار في سوق الأسهم السعودية    «الأوقاف» تحدد ضوابط صلاة عيد الأضحى وتشكل غرفة عمليات ولجنة بكل مديرية    الأرصاد تكشف عن طقس أول أيام عيد الأضحي المبارك    رئيس الحكومة يدعو كاتبات «صباح الخير» لزيارته الحلقة السابعة    "مقام إبراهيم"... آية بينة ومصلى للطائفين والعاكفين والركع السجود    اليونيسف: مقتل 6 أطفال فى الفاشر السودانية.. والآلاف محاصرون وسط القتال    نصائح لمرضى الكوليسترول المرتفع عند تناول اللحوم خلال عيد الأضحى    وزير الدفاع الألماني يعتزم الكشف عن مقترح للخدمة العسكرية الإلزامية    حبس شقيق كهربا في واقعة التعدي علي رضا البحراوي    النمسا تجري الانتخابات البرلمانية في 29 سبتمبر المقبل    زواج شيرين من رجل أعمال خارج الوسط الفني    «اتحاد الكرة»: «محدش باع» حازم إمام وهو حزين لهذا السبب    حظك اليوم برج القوس الأربعاء 12-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نوارة نجم تكتب: مباراة الأهلي والزمالك الأخيرة
نشر في الدستور الأصلي يوم 01 - 01 - 2011

أقبل علينا هذا العام بكارثة نوعية، ألا وهي انفجار سيارة مفخخة أمام كنيسة القديسين بسيدي بشر، الإسكندرية.
كارثة كبرى، على كل المستويات. كارثة مزلزلة بكل المعايير. كارثة تصاعدية، تتفاقهم، وتزداد حدة وتيرتها في كل لحظة منذ وقوعها وحتى كتابة هذه السطور.
على المستوى الأمني، دفع الشعب المصري المنكوب الكثير من حريته، وكرامته، وصحته النفسية، والعقلية، في سبيل تأمين بلاده من "خطر الإرهاب". قلب علي الحادث كل المواجع، بداية من فرض الطوارئ علينا، و"تصادف" وقوع حادث عنف دائما يكون مع اقتراب موعد تجديد قانون الطوارئ، وحملة نزع الإنسانية من المواطن المصري التي قام بها نخبة من الكتاب والفنانين والإعلاميين، مؤهلين المواطن المصري لأن يتقبل تعذيب أعضاء الجماعات الإسلامية، وإطلاق الرصاص عليهم في الشارع، وأذكر أنني كنت في الصف الأول الإعدادي حين قرأت عنوان خبر في صحيفة الجمهورية حفر في ذاكرتي ولن أنساه ما حييت: "مقتل مجموعة من الإرهابيين وبدء التحقيق"، أما متن الخبر فكان يقول بأن قوات الشرطة قتلت مجموعة من "الإرهابيين" ثم "تم رفع بصمات الجثث والبدء في التحقيقات". وكان الإعلام والمسلسلات التلفزيونية والأفلام - خاصة التي كتبها وحيد حامد ولينين الرملي - تلح على عقولنا لنقبل بهذه الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان، لأن البديل سيكون التضحية بأمن مصر. فقبلنا. وصبرنا. وتجرعنا القهر. وتحولنا... نعم تحولنا، وأصبحنا كما نحن الآن، وكما يشكو منا كبار المفكرين الذين ساهموا في تشويه نفسيتنا حفاظا على الأمن، أصبحنا نقبل الضيم، كرامة لأمن مصر، أصبحنا نتواطأ على الظلم، لعيون أمن مصر، أصبحنا جبناء وغرس في عقلنا الباطن صورة المدرعات، ونقاط التفتيش في أكثر الشوارع ازدحاما، والكوردونات، وصفوف الأمن المتراصة دائما وأبدا، وتحملنا... المهم أمن مصر. فمصر غالية. مصر وطن نسج بالشقاء، والصبر، والعناء، على مدى سبعة آلاف سنة. مصر صناعة المصريين، والمصريون يعشقونها كما يعشق قيس ليلى، لأنهم "شقيانين عليها"، وبالرغم من أن خير مصر للغريب دوما، إلا أن خير المصريين كان دائما لمصر، دون أن ينتظروا منها مقابل، وهي الشهادة لله ما عزمتش علينا برضه.
قووووووم، بعد أن تجرعنا كل ذلك، نفاجأ، بحلول العام الجديد، بأن مصر التي دهكنا أنوفنا على أسفلت شوارعها تذللا لأمنها، تنفجر فيها سيارة مفخخة تماما كما يحدث في العراق... كما يقول المثل المصري: طب أكلنا إيه وشربنا عليه ميه؟ لا نحن استمتعنا بحريتنا الإنسانية، ولا احتفظنا بكرامتنا وصحتنا النفسية، ولا نحن أمنا مصر.
سيارة مفخخة؟
سيارة مفخخة؟
يالهو بالي يا مصر ياما.. وكيف مرت السيارة المفخخة من اللجان؟ وبجوار المدرعات؟ ومن أمام قوات الشرطة التي تعج بها طرقات مصر حتى تحولت بلادنا إلى زنزانة كبيرة؟ طيب.. لماذا خربتمونا حرام عليكم؟ وكلما تململنا، كما يتململ كل إنسان من الأحوال التي وضعتمونا فيها، أجبتم: احمدوا ربنا.. ما تشوفوا البلاد اللي حوالينا بيحصل فيها إيه؟ عايزين تبقوا زي العراق؟ فنضع الحذاء في أفواهنا ونصمت، ولسان حالنا: إنسانيتنا فداء لسلامتك يا مصر. فين؟ أين هذه السلامة؟
لا معلش.. مع السلامة أنتم بقى.
ارتبك المصريون أشد الارتباك، وقعت مشاجرات فيما بين جزء منهم، بينما أصيب البعض بالذهول، أما البعض الآخر فظل يردد جملا تنم عن انهيار عصبي كامل: "احنا مصريين وعلى طول مصريين ومافيش حاجة حتفرقنا"... أو "الإسلام بريء من ذلك".
برغم تقديري للصدمة، لكنني أود أن أنبه على ضرورة التماسك، والثبات، ورباطة الجأش.. البلد اللي حيلتنا حتروح، شقا سبعتلاف سنة، اجمدوا.
هذه العملية الإجرامية الحقيرة لها أهداف لا تخفى على أحد، ولا إيه؟ ولا تخفى؟ طب نقول لبعدين تطلع تخفى ولا حاجة: 1- إشغال المصريين بأنفسهم. 2- ليس ألذ ولا أطعم من الفتنة الطائفية في أفواه الطغاة والأعداء. 3- هناك مخطط إمبريالي حقيقي لإفراغ المنطقة من المسيحيين بالتحديد، لأنهم الدليل الوحيد على "أصلية" السكان الأصليين. أي انجرار للفتنة، أو المشاحنة، أو البغضاء، أو الاشتباك بأي شكل، هو تحقيق لأهداف هذه الجريمة. الجريمة قتلت الأبرياء، لكننا يمكننا أن نهزم من نفذها إذا لم نحقق الهدف منها، وهذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن أن نقتص بها لأرواح الشهداء، وساعتها يمكن أن نقبل فيهم العزاء.
أقول لمن أصيب بالذهول: لا أبوس إيدك، فوق مش وقته خالص.
أما من يتكلم عن "كلنا مصريين" و"الإسلام بريء"، أقول له: بلاش كلام فارغ.. ماذا لو أن المقتولين كانوا هنودا؟ ألا يستحقون التضامن والحماية؟ إيه كلنا مصريين دي؟ أنت غير متهم في مصريتك، ولا تتهم غيرك في مصريته، ولا تحتاج لتوضيح الواضحات.
وماذا تعني هذه الجملة السخيفة "الإسلام بريء من هذا؟" لماذا لا تقول: "المسيحية بريئة من احتلال العراق وأفغانستان وقتل الأبرياء بالقنابل العنقودية وإصابة من بقي حيا منهم بالسرطانات والتشوهات بسبب استخدام اليورانيوم المنضب"؟ لماذا لا تقول: "اليهودية بريئة من حرق الأطفال بالفسفور"؟ هناك احتمالان: إما أنك متعصب تظن فعلا أن المسيحية واليهودية تقران القتل بأبشع الصور، بينما الإسلام بريء ياخويا احنا مالنا. في هذه الحالة أحب أن أبلغك بأن المسيحية واليهودية لا تقران ذلك، ولا داعي للتكبر على خلق الله، كل أديان ربنا كويسة وخيرة. أو أنك تعتقد بأنك متهم كونك مسلم، وفي هذه الحالة أحب أن أبشرك بأنك طالما لم تشارك في الجريمة فأنت لست متهم، ولا يتصيد لاتهام الإسلام إلا القوى الإمبريالية وخدامها، ولن تستطيع، مهما فعلت، أن تستقطبهم لأن لديهم خطة يريدون تنفيذها، وواجبك أن تحبطها... اتبط بقى.
نحن نحتاج لدراسة الموقف دراسة متأنية، وولاءنا الأول لوطننا، وخطواتنا في اتجاه تحديد المذنب والتعامل معه، حتى لا يفلت بفعلته.
على المستوى الوطني، نحن مجروحون. هذا مصاب كبير، نشعر بالمرارة، لكن ما يؤلمنا أكثر من المرارة هو شعورنا ب"الاستغفال". هناك جهة ما تستغفلنا، و"تستهبلنا". وإلا، فليفسر لي أي مسئول.. لا، بل أي شخص له عقل: ما معنى أن يجتمع مجموعة من المسلمين، فور حدوث التفجير، ليهتفوا: الله أكبر، وهم يقفون خلف قوات الأمن؟ ياخي أعطني عقلك لمدة خمس ثوان: الطبيعي في أي تفجير يحدث في أي بقعة من بقاع الأرض، أن ينفض الناس، ويهرعون مختبئين، خائفين، مرتعدين، فما هذه الجرأة والشجاعة التي انتابت تلك المجموعة لتقترب من مكان الحادث بهذا الشكل؟ ومن هذه المجموعة؟ وما هذه الوجوه؟ لقد رأيتهم على شاشة الجزيرة، وكان عددهم يقارب الثلاثين فردا، وجميعهم ينظر نحو الكاميرا. المسيحيون الذين رأوا لتوهم أشلاء ذويهم، اشتبكوا مع قوات الأمن وقذفوهم بالحجارة. أظنه تصرف طبيعي... ولا إيه؟ فهذه قوات الأمن التي كان من واجبها حمايتهم ولم تفعل، لكن ماذا يعني أن تحاول مجموعة منهم اقتحام المسجد؟ ثم إن الأخبار توالت عن اشتباكات بين المسلمين والمسيحيين، والحقيقة أن هذه الاشتباكات ليست التطور الطبيعي للحاجة الساقعة بالمرة، الناس لا تشتبك على إثر التفجيرات، الناس إما تبكي على جثث ذويها، أو تهرب من موقع الحادث رعبا، لكن، هذا ما حدث، العجيب، أن الاشتباكات بين المسلمين والمسيحيين اندلعت في حضور قوات الأمن! والأعجب أن الأخبار جاءت: "الأمن لا يستطيع السيطرة"!
أفندم؟ لا يستطيع إيه؟ سمعني تاني؟ لقد سيطر الأمن المصري على مدينة المحلة بأكملها، بل سيطر على صعيد مصر على طوله وعرضه، فكيف لا يستطيع السيطرة على ثلة تتشاجر في شارع جانبي؟
هل كان لا يستطيع السيطرة؟ أم لا يريد السيطرة؟
قالت البي بي سي أن النظام المصري "استخف بتهديدات تنظيم القاعدة".
ها أنا أفتح منتدى "شبكة المجاهدين الإلكترونية"، حيث نشر تنظيم القاعدة بالعراق تهديدا للكنائس المصرية، وأرفق تهديده ب"وصفة" لصناعة القنابل مبينة بالصور التوضيحية، وأذكر فيما أذكر أن الدولة المصرية استهزأت بالتهديد، وقالت أن تنظيم القاعدة ليس له وجود في مصر، وأنها لعبة سياسية من إيران! (إيران تاني.. عقدة حياة النظام المصري، والتي ينافس النظام في كراهيتها سوى تنظيم القاعدة الذي أطلق التهديد، وكان قبل ذلك نفذ عمليات تفجير في داخل إيران).
طاااااب يابو الكباتن، خليتك أنا في إيران، حتى انفجرت سيارة مفخخة في شارع مصري مزدحم. النظام المصري الذي لا يستخف بصفحة على الفيس بوك، ولا برئيس تحرير مسحوب من لسانه، ولا بمجموعة شباب يرتدون الأسود وينظرون للنيل غضبا وحزنا، بل إنه يضع عقله بعقل المدونين ويسجن بعضهم، ويقدم بعضهم للمحاكم العسكرية، وبعد كللللل ذلك، يستخف بتهديدات تنظيم القاعدة الذي نشر عناوين الكنائس المصرية، وكيفية صناعة القنابل! أي إنه حتى لو لم ينفذ تنظيم القاعدة تهديده، فإن أي شخص مصاب بلوثة عقلية، أو لديه ارتباك ما في كيمياء المخ، يمكن أن يدخل على الموقع ويصنع القنبلة وينفذ العملية دون أن يكون له صلة بالقاعدة.
اشرح لي باستفاضية كيف يمكن لنظام ينفق ثلثي ميزانيته على الأجهزة الأمنية أن يتجاهل تهديدات تنظيم القاعدة التي لا يتجاهلها مخلوق على وجه البسيطة؟ السؤال إجباري.
توضيح: لا أتهم تنظيم القاعدة بتنفيذ عملية التفجير بالإسكندرية، بالرغم من التهديدات السابقة، وبالرغم من مماثلة هذه العملية لعمليات أخرى تبنتها القاعدة في العراق، ببساطة، لأنني أعطي الخبز لخبازه، ومن المفترض أن تحقيقات جارية، ولا يمكن أن نتهم شخصا أو جهة بالتخمين، حتى وإن كان هناك مؤشرات قوية تدعم هذا التخمين، إلا أن المؤشرات خداعة بطبعها، وحمالة أوجه. كل ما أقوله أن القاعدة نشرت تهديدا، وأنه كان من الطبيعي أن يكثف النظام المصري الحراسة على الأهداف التي وردت في نص التهديد، تماما كما تفعل كل دول العالم. مش احنا بتوع: ده مش عندنا بس ده في كل حتة في العالم؟ لكنني أصر على أن المشكوك فيه بريء حتى يتم اتهامه بشكل رسمي، ثم المتهم برئ حتى تثبت إدانته.
يبدو أنني الوحيدة التي تلتزم بهذا المبدأ القانوني. إذ انبرى كل المعلقين في قناتي النيل للأخبار وأون تي في، ليطلقوا الاتهامات، بل وليتخيلوا كيفية تنفيذ العملية:
قال كل من نبيل لوقا بباوي وكمال أسعد، وغيرهما، أن الموساد هو الذي يقف خلف هذه العملية، بأياد مصرية خائنة، وعلينا إلقاء القبض عليهم، وعرضهم على محكمة عسكرية عاجلة وإعدامهم فورا، وتوتة توتة فرغت الحدوتة، حلوة ولا ملتوتة؟
ملتوتة.. لكنها مفهومة في إطار أن التحليل السابق يندرج تحت عنوان: الإجابات المصرية التقليدية.
المصريون لديهم إجابات تقليدية، يسارعون إليها قبل أن يسمعوا بقية السؤال، مثلا، بمجرد أن تسأل المصري: من أول من اخترع/ استخدم/ اكتشف... سيجيب على الفور: الفراعنة. حيث أن الفراعنة أول ناس في كل حاجة، من الذي خطط/ نفذ/ ارتكب جريمة.... قبل أن يسمع بقية السؤال سيرد: الموساد. حيث أن نشاط الموساد الروتيني هو ارتكاب الجرائم. ما رسخ العقيدة الإيمانية بهذه الإجابات التقليدية، أنها عادة يتضح صحتها بنسبة ثمانين بالمائة، لكن هنا أسئلة لا يمكن الإجابة عليها بالأجوبة التقليدية، مثل: من أول من اكتشف التيار الكهربائي.. لا يمكن أن يكونوا الفراعنة، من ارتكب جريمة قمع المصريين وكسر نفوسهم وبث الطائفية والكراهية بينهم؟
هممم.. الموساد؟ طيب.. لقد أسهب الدكتور نبيل لوقا بباوي في شرح شر الموساد، واستهداف إسرائيل لمصر، ولأمن مصر، ولوحدتها الوطنية، حتى كدت أعتقد أن الرئيس مبارك - الذي يحبه نبيل لوقا بباوي حبا خالصا - لطالما حذر الشعب الأهوج من الانجرار في علاقة آثمة مع إسرائيل، بينما ظل الشعب يصر: باحبه يا بابا. د. بباوي.. لماذا تحدثنا عن إسرائيل وعدائها لنا وكرهها لنا واستهدافها لأمننا؟ نحن لا نحالفها، ولا نواليها، ولا نحبها، ولا نتحدى القضاء المصري الذي حكم بإلغاء مولد سيدي أبو حصيرة، ونصر على استمراره كرامة لعيونها، ولا نعطيها غازنا بلا مقابل، ولا نحاصر لها الأطفال والرضع حتى تتمكن من قتلهم، ولا نبني لها جدارا فولاذيا لحمايتها، بتزعق لنا ليه؟ إذا صح ما قلت، واتضح أن الموساد هو الذي يقف خلف العملية الإجرامية بكنيسة القديسين، وأنه هو من "ينفق أموالا طائلة لبث الفرقة بين المسلمين والمسيحيين"، فسيكون المسئول الحقيقي عن تمكين الموساد من رقابنا وأرواحنا هو نظام الرئيس مبارك، فحاسبه ولا تحذرنا.
(ملحوظة: تم تكثيف الحراسة على مولد أبي حصيرة، وحبس الأهالي في بيوتهم حتى يرتع الإسرائيليون وينعمون بمولدهم، وألقي القبض على المتظاهرين السلميين المعترضين على وجود الإسرائيليين، وتوجيه تهمة معاداة الصهيونية لهم، بينما ترك المصريين في كنائسهم عراة حتى تناثرت أشلاء أجسادهم. فهل كانت هذه مؤامرة من الموساد؟ أم هو دأب النظام المصري في التقليل من قيمة المواطن المصري، وإعلاء قيمة أي عرسة معدية في الشارع؟).
أما كمال غبريال فقد أبدع فأنشد وقال: "اللي نفذ العملية هي حماس وحزب الله والقاعدة.. وكلنا عارفين الصلة الوثيقة بين حزب الله والقاعدة". كلكم من؟ أنت وظلك في المرآة؟ سيد غبريال، حاول أن تقرأ الصحف، أو تتابع موجز الأنباء، أو بسبس للواد لالو صبي المكوجي من الشباك ليؤكد لك أن العداء بين حزب الله والقاعدة يوازي العداء بين حزب الله وإسرائيل، وأن القاعدة حاولت إسقاط حكم حماس في غزة.
أكد الجميع أن الجهة التي تقف خلف هذه الجريمة، جهة غير مصرية، وهناك أدلة دامغة على ذلك:
أولا: المسلمون والمسيحيون "ماشيين في الشارع". هكذا قال بالحرف أحد الشهود الذي أصر على أن يبدي رأيه، ويفيدنا بتحليلاته.
ثانيا: السيارة التي انفجرت كانت تحمل لافتة مكتوب عليها: "البقية تأتي". مما يؤكد أنها جهة خارجية! هكذا قال أحد المحللين ولم يشرح وجه التأكد، اللهم إلا إذا كان يقصد أن اللافتة لابد وأن تكون مستوردة من ألمانيا، لأنها لم تحترق مع احتراق السيارة المنفجرة، التي مزقت أجساد البشر، لكنها لم تتمكن من تمزيق اللافتة، ورآها "أحد شهود العيان". لكننا لم نرها أبدا، ولم يتمكن أحد، بما فيهم الشاهد العيان - ربنا يشفيه - من تصويرها.
احنا حنشوف أيام سودا في موضوع "شاهد عيان" ده.
جهة خارجية.. هيييييه، يا سادة التفتيش في مطار القاهرة ذهابا وإيابا يجعلك تندم أنك خلقت بالأساس، وما إن تنتهي رحلتك وتعود لبيتك، تقسم بأغلظ الأيمان أنك لن تسافر مرة أخرى، فكيف دخلت الجهة الخارجية من مطار يتم فيه مصادرة الحواسيب والهواتف "علاولة" ومن باب الاحتياط؟
ممثلو النظام يصرون على التأكيد بأن "لا عناصر للقاعدة داخل مصر". وكلنا يفهم لم؟ مش فاهم؟ مش فاهم... احتياطي أفهمك: هذه هي سبوبة النظام المصري في علاقته بالولايات المتحدة، هو يتباهى أمامها بأنه قضى على الإرهاب تماما، وأنهم لو استمعوا لنصيحته لتمكنوا من تحقيق إنجازه، وعلى هذا الأساس تدعم الولايات المتحدة نظامنا المصري، الذي تثق به لأنه "تمكن من القضاء على شأفة الإرهاب". أما الإعلان أو وضع احتمال لوجود عناصر للقاعدة داخل مصر، فيهز صورة النظام أمام الولايات المتحدة، ويقلل المرتب، وأيضا يعرض مصر للتدخل الأمريكي الذي لا نريده ولا يريده النظام، والفزع من التدخل الأمريكي المباشر داخل مصر من المشتركات القليلة بيننا وبين النظام المصري.
لكن الواقع أن احتمالية مسئولية القاعدة عن هذه الجريمة واردة واحتمالية مسئولية الموساد واردة أيضا، وكل شيء في الكون وارد.
كما أن الواقع يقول بأنه في كل الأحوال، وتحت أي بند، المسئول الحقيقي هو النظام المصري، الذي يقدم نفسه بصفته شرطي المنطقة، عارضا خدماته في تدريب القوات الأمنية التي يراد لها أن تكون قمعية، المتخصص في تعذيب ضحايا الولايات المتحدة قبل إرسالهم لجوانتانامو، ومع ذلك، لم يتمكن من منع دخول سيارة مفخخة إلى قلب مدينة الإسكندرية لتنفجر وتفجر الموقف الملتهب بين المسلمين والمسيحيين. لو كانت القاعدة هي التي نفذت الجريمة، فالمسئول هو نظام مبارك، لأنه هو الذي لعب بنار الفتنة الطائفية، وهو الذي تعمد إثارة قضية كاميليا شحاتة، وهو الذي صعد الموقف، وتعامل مع الطائفية بوصفها عصا موسى التي تحل له كل المشاكل، فكلما أراد رفع الأسعار، أثار فتنة طائفية، وكلما أراد تزوير الانتخابات أثار فتنة طائفية، وكلما أراد التنكيل بخصومه السياسيين دون أن يلفت الانتباه أثار فتنة طائفية، حتى أصبحنا "فرجة العالم"، وقرر تنظيم القاعدة التطوع "لإنقاذ المسلمين من هيمنة الكنيسة واستقوائها بالخارج". على الله تكونوا مبسوطين.
لو أن الموساد هو الذي يقف خلف هذه العملية فهي مسئولية نظام مبارك الذي فتح لهم البلاد على البحري. لو أنها جريمة طائفية داخلية فهي مسئولية نظام مبارك الذي دأب على بث الكراهية لإشغالنا بأنفسنا عنه. حتى لو أطلقنا العنان لخيال مريض واعتمدنا تفسير كمال غبريال الذي اتهم حماس وحزب الله، فهي أيضا مسئولية نظام مبارك الذي لا شغل له سوى حصار حماس، ولا هم له سوى إشاعة الفتنة الطائفية في الداخل اللبناني لتكتيل قوى يضرب بها حزب الله، حتى "وج" اللبنانيون وصرخوا طالبين النجدة من الدور الذي تقوم به السفارة المصرية، فكيف بالله عليكم، بعد كل المال الذي ينفقه على حصار حماس الاقتصادي، وحصار حزب الله الطائفي، لا يتمكن من رصد عناصرهم داخل البلاد إن وجدت؟ وأكرر.. كلام كمال غبريال خيال علمي، لكننا حتى وإن فرضنا صحته، فالمخطئ هو نظام مبارك. والمسئول هو نظام مبارك. والمذنب هو نظام مبارك.
نحن كمصريين تحملنا ونتحمل الكثير، لكن لدينا خطوطا حمراء تبلغ من العمر سبعة آلاف سنة: الأمن خط أحمر، وحدة الوطن خط أحمر، الاستقرار الداخلي خط أحمر، الحدود المصرية المتعارف عليها منذ سبعين قرنا خط أحمر.. وبخلاف ذلك، نحن جمال لا تنوء بالأحمال التي تنوء بحملها الجبال.
لا مزاح هنا، ولا مجال للمخاطرة... النظام المصري لم يعد يصلح. انتهى.
آه.. طبعا أنت تتساءل في نفسك الآن: أمال فين الأهلي والزمالك؟ مافيش، لقد قمت بالتغرير بالقراء لأنني لاحظت أن مقالي المعنون "شيكابالا" سجل أعلى قراءة في تاريخي، فاستخدمت الأهلي والزمالك كمصيدة حتى تصلك كلمتي بما إن كرة القدم أصبحت دين وديدن، ولو استطعت لذهبت إلى الاستاد، بالرغم من كراهيتي لكرة القدم، فقط لأنقذ بلادي. وبالمناسبة بقى، خفوا كورة شوية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.