هذه حكاية تفسر حكايات كثيرة. تفسر أولاً الصاروخ الذي يمنحه القرب من السلطة إلي أشخاص يطيرون به إلي القمة، دون إضافات كبيرة في عالم الاقتصاد أو السياسة. وتفسر القلق المفرط الذي يعيشه الأغنياء مثل الفقراء، بسبب شعورهم بأن ثرواتهم التي ينامون عليها.. زائلة، مرهونة بحسابات دقيقة مع السلطة التي صنعتها. وأخيرا الحكاية تفسر القول الشائع في أوساط الحاشية المحيطة بالرئيس، بأن دخول الحاشية قرار أو رغبة من صاحبها، لكن الخروج منها قرار يخص سيد الحاشية أو من ينوب عنه.. هكذا عندما تدخل الدائرة المقربة من صناعة القرار، فهذا قرار بالتورط، قد يكون في خلفياته شهوة الثروة والسلطة والشهرة، وقد يتغطي برغبة مثالية في الإصلاح من الداخل: لكن الجميع ينتهي إلي التورط في الدفاع عن الخطايا، وهو ما يفسر مثلاً اضطراب أسماء كبيرة بين ماضيها وحاضرها. وستسمع ماذا حدث لهم.. مقترنًا بأسماء لامعة في مجالها مثل الدكتور فتحي سرور أو الدكتور علي الدين هلال أو الدكتور مفيد شهاب أو الدكتور عبدالمنعم سعيد.. أو غيرهم من أسماء لامعة في مجالاتها العلمية لكنها وصلت مؤخرًا في الدفاع عن النظام إلي حدود متطرفة، ومتعصبة، ويبدو معها أن السر ليس في تغيير العقلية، ولكن في موقف لا يمكن فيه الخروج عن النص. هكذا فإن الحاشية في الحزب أو في أروقة النظام، ليس أمامها إلا الدفاع وبشكل غير عقلاني، وكلما توغل الشخص منهم في دهاليز السلطة، وعلا موقعه، اختفت حريته إلي حد أن كل اللامعين منهم لم يعد لهم ملامح شخصية، كلهم يدخل في القالب.. وكما تقول الحكمة الشعبية «القالب غالب». صاحب الحكاية ليس من هؤلاء طبعًا. هو هشام طلعت مصطفي بطل عقد «مدينتي»، وهو نفسه المتهم باستخدام قتلة مأجورين لقتل سوزان تميم. هشام هو ابن مقاول عصامي بدأ إمبراطوريته في الكويت. وكان هو الابن الأصغر لكنه الأكثر مهارة في التفكير المالي. اختار له الأب دراسة المحاسبة، ضد رغبته في أن يكون مهندساً مثل شقيقيه، وبالفعل أصبح المنقذ للمجموعة من الإفلاس بعد ديون وصلت إلي 900 مليون جنيه. وصعد إلي رأس إمبراطورية (تضم 21 شركة وله شركاء من أمراء الخليج) بعدما عرف خلطة العصر، وأدرك قانون التزاوج بين السلطة والمال. شق هشام الطرق السرية ليصبح واحداً من أعمدة الحكم المالية والسياسية. المليارات هي بطلة القصص لا هشام. لا طعم ولا أهمية للقصة إذا لم يكن بطلها واحداً من صائدي الثروات. سيدخل هشام التاريخ، ليس كواحد من بناة المدن الجديدة، كما كان يخطط، لكن كبطل قصة الملياردير والمغنية. عاشق ولهان يمتلك ثروات لا حدود لها استأجر قاتلاً لينتقم من مغنية تركته. صائد ثروة وصائدة رجال. الحكاية إلي هنا تقليدية إلي حد ما. لكن حكاية الملياردير والمغنية لها أبعاد أخري كبيرة، أبسطها عضوية هشام في لجنة السياسات ومجلس الشوري (ولا بد من دراسة كيف تحولت هذه الهيئات السياسية إلي مصانع لتخريج أبطال الجريمة السياسية والاقتصادية والآن الجنائية). إنها تحالفات قوية مع السلطة. افتتح الرئيس حسني مبارك بنفسه فندقه في الإسكندرية. كما نشرت الصحف حكاية عن لقاء بين الرئيس والمقاول، سأله خلاله مبارك: «إذا جعلتك وزيراً، هل ستحول مصر إلي الرحاب (اسم المدينة السكنية التي بناها هشام)، ابتسم هشام وقال له: طبعاً يا فندم». وكانت هذه المحاورة علامة علي طموح سياسي مدفون وراء حركة هشام بين عوالم السياسة والمال. العلامة جعلته طبعاً طرفاً في حرب الأجنحة داخل شلة الحكم. وعزز من التفسير بأن القضية هي واحدة من جولات هذه الحرب بين ديناصورات النظام في مصر. وانتشرت أسئلة من نوع: من أقنع هشام بالعودة من سويسرا بعد ظهور اسمه في تحقيقات الجريمة؟ هل كانت عودته فخاً؟ وهل شاركت أجهزة إعلام في رسم الفخ؟ وهل استخدم هشام الصحافة أم استخدمها خصومه؟ هل تورط هشام في العلاقة مع سوزان؟ أم العلاقة بينهما كانت جزءاً من علاقة أكبر وفي مجالات أوسع خاصة بنشاطات غير معلنة؟ أسئلة ترافقها علامات مهمة في تفسير ما حدث، أولاها أن هشام سيحاكم سجيناً، وهي إشارة إلي توجه النائب العام أو ميله إلي إدانة كاملة. وهذا يعني أن النظام ترك النائب العام يؤدي دوره المهني. هذه هي الرسالة التي ربما سيراها البعض حرب تصفية بين ديناصورات السلطة والثروة في مصر. لكنها غالباً حسبة تتعلق بالخفة والثقل، كلما كان الديناصور خفيفاً استطاع النظام حمله وعندما يثقل سيلقيه عن ظهره.