تمثل جماعة الإخوان المسلمين حركة مركزية داخل التيار الإسلامي، وهي بحكم انتشارها في العديد من دول العالم، تمثل تيارا منتظما ومتماسكا، له رؤيته ومنهجه، مما يضيف من أهميتها داخل الظاهرة الإسلامية. وفي العديد من الدول، ومنها مصر، تعد جماعة الإخوان المسلمين، ممثلة لقوي اجتماعية وسياسية لها تأثيرها الواسع في المجتمع والحالة السياسية. لذا يمكن القول: إن دور جماعة الإخوان المسلمين يمثل جانبا مهما من تأثير تيار الصحوة الإسلامية، وبالتالي يكشف عن جانب مهم من مستقبل الحركة الإسلامية في البلاد العربية والإسلامية. وربما بسبب أهمية جماعة الإخوان المسلمين خاصة في مصر، ولأهمية مصر في محيطها العربي والإسلامي، تعددت الرؤي والتحليلات حول جماعة الإخوان المسلمين، وكثرت التصورات والتفسيرات، التي تعبر عن المواقف المختلفة من الجماعة، وتعبر أيضا عن التفسيرات المختلفة لها كظاهرة مهمة في المجتمع المصري. وهناك بالطبع العديد من زوايا النظر إلي الجماعة، وكل زاوية منها تنبع من خلفية لها خصوصيتها. وبتعدد زوايا النظر يمكن الوصول إلي تصورات مختلفة، لدرجة أن ما يكتب عن جماعة الإخوان المسلمين، يمكن أن يجعلها جماعات وليست جماعة واحدة، لأن زاوية النظر تحدد الموقع الذي تنبع منه الرؤية. وليست كل الرؤي الخاصة بجماعة الإخوان المسلمين تعبر عنها بنفس القدر، فهناك رؤي تعبر عن تحيز قائلها بأكثر مما تعبر عن الجماعة، وهناك رؤي أخري تحاول فهم الجماعة وتعريف رسالتها ومنهجها. والمشكلة الأكبر في النظر إلي جماعة الإخوان المسلمين تنبع من الاشتباك السياسي الحادث، فكثير من الرؤي تنبع من موقف سياسي مختلف عن موقف الجماعة، وتنظر للجماعة علي معيار سياسي يخالف موقفها، وربما يتعارض معه، فتقيس مواقف الجماعة علي معايير ليست من منهجها أو فكرتها. والكثير من الرؤي تنبع من حالة مواجهة سياسية مباشرة مع الجماعة، وهي رؤي تعبر عن مواقف سياسية، وليس هدفها معرفة الجماعة، بقدر ما يكون هدفها مرتبطا بموقف سياسي منها. وهناك رؤي تنبع من خيارات إسلامية أخري، وهي تمثل بدائل إسلامية تنتمي لتيار الصحوة الإسلامية، ولكنها تختلف في مواقفها العملية والمنهجية عن جماعة الإخوان المسلمين، ولهذا تحاول أن تثبت وجهة نظرها في مواجهة وجهة نظر الجماعة، كما تفعل الجماعة أيضا. وتلك الرؤي الإسلامية المتنوعة يخرج بعضها من داخل الجماعة نفسها، وتعبر عن اختلاف التوجهات والاتجاهات داخلها، فهناك العديد من الاجتهادات التي تظهر داخل الجماعة، وبعضها يغلب ويسود، وبعضها لا ينتشر بنفس القدر. ولكن تلك الرؤي تحاول رسم صورة الجماعة من خلال رؤية نقدية لواقعها الحالي، تقوم علي تقييم الجماعة طبقا لمعايير مستمدة من رؤي تختلف مع الرؤية السائدة داخل الجماعة. وهي وجهات نظر نقدية، ولكنها تأتي من داخل الجماعة، وتهدف إلي تطوير وتغيير فكر الجماعة أو أسلوبها أو منهجها أو خطتها. وتلك الرؤي تركز علي الجوانب التي تنتقدها، وتري أنها تحتاج إلي تغيير، بأكثر من تركيزها علي الجوانب التي تتفق معها. فهي رؤي نقدية من الداخل، تضاف للرؤي النقدية التي لا تأتي من داخل الجماعة، بل تأتي من خارجها، ومن داخل التيار الإسلامي العريض. هناك أيضا رؤي تنبع من محاولة سياسية وإعلامية لتشويه الجماعة، ورسم صورة لها تخالف الحقيقة، وهي جزء من معركة ضد الجماعة من خصوم سياسيين لها، خاصة النظام الحاكم. لذا سنجد العديد من الصور والوقائع المنسوبة للجماعة، وبعضها يصعب أن يصدق، بل ويصعب أن يتحقق أصلا. ولكن تلك الصور هي جزء من معركة لا تهدف إلي معرفة حقيقة الجماعة، بل تهدف إلي تشويه صورتها، وهناك فرق كبير بين محاولة فهم الجماعة، ومحاولة تشويه صورتها. لأن عملية التشويه لا تكون فقط منحازة، بل تكون غالبا متجاوزة للواقع نفسه. ويظهر هنا رغبة بعض الخصوم في تشويه صورة الجماعة، ثم نقد تلك الصورة المشوهة عنها، أكثر من البحث عن صورتها الحقيقية ونقدها. وفي بعض الأحيان يحدث توافق ما، بين بعض التوجهات التي تنتقد الجماعة، داخل إطار فعل سياسي تجاه الجماعة، يهدف للضغط عليها لفرض قدراً من التطوير أو التغيير في موقفها أو خطابها أو فكرتها. وتلك العملية تركز أساسا علي فرض ضغط إعلامي علي الجماعة لدفعها في اتجاه معين. ولهذا يتم وضع تصور للجماعة يركز علي جانب ضعف مفترض، بهدف الضغط عليها في اتجاه محدد. وأحيانا ما يكون الضغط في صورة توقعات سلبية عن مستقبل الجماعة، تكون في حقيقتها محاولة للضغط علي الجماعة أيضا، أكثر من كونها توقعات بحثية بعيدة عن معارك السياسة. وبعض تلك التوقعات لم يتحقق، ولكن فكرة توقع مرور الجماعة بمشكلة أو أزمة، يعد محاولة لتنبيه الجماعة لفكرة معينة، من خلال تلك التوقعات السلبية. وأكثر ما يكتب عن جماعة الإخوان المسلمين يكون مرتبطا بمواقف عملية أو سياسية، لذا يصبح جزءا من معارك السياسة والاختلافات بين التيارات سواء داخل التيار الإسلامي، أو بين التيارات السياسية المختلفة. وتلك الكتابات لها دورها في معركة التدافع بين القوي السياسية، وهي تشكل الحالة السياسية، التي تحدد جماعة الإخوان المسلمين مواقفها تبعا لها. لذا نظن أن معظم تلك الكتابات والمواقف تدخل ضمن إطار الظواهر السياسية، فهي جزء من الظاهرة السياسية، وأحد المتغيرات المؤثرة عليها، وهي أيضا جزء من واقع جماعة الإخوان المسلمين، وجزء من العوامل المؤثرة عليها والمتفاعلة معها، سواء سلبا أو إيجابا. لذا تعد النظرة الموضوعية للجماعة، والتي تضع تصورا للجماعة من داخلها، وطبقا لفكرتها ومعاييرها، هي نوع من الرصد الموضوعي لحالة الجماعة وطبيعتها، بغض النظر عن معارك السياسية، وبغض النظر أيضا عن التقييم الحركي أو السياسي. وتضيف النظرة الراصدة للجماعة أبعادا مهمة لصورتها، بعيدا عن معاركها ومعارك المشروع الإسلامي. والنظر إلي الجماعة من داخلها، يفيد في معرفة ما يمكن أن تتخذه الجماعة من قرارات في المستقبل، ومعرفة خياراتها السياسية في المواقف المختلفة. والنظرة من الداخل، تقوم علي توصيف حال الجماعة طبقا لفكرتها، وبالتالي طبقا للمعايير النابعة من فكرتها، وليس معايير الرؤي السياسية الأخري. وأي نظرة موضوعية للجماعة سوف تبحث عن حقيقة مواقفها وتكوينها، ووضع تصور أقرب للواقع. والتصور الذي يكشف طبيعة الجماعة، ويحدد تصوراتها ومنهجها، لا يحدد الجانب الإيجابي أو السلبي، بل يحدد واقع الجماعة، بما فيه الإيجابي أو السلبي. والذي يحدد جوانب التقييم المختلفة، هي الرؤي النقدية السياسية أو الحركية، وهي التي تقيس الجماعة علي معيار ما أو محك ما، وتحدد ما تراه إيجابيا أو سلبيا. وككل التنظيمات والحركات، هناك جوانب إيجابية وهناك جوانب سلبية في أداء جماعة الإخوان المسلمين، ولكن مساحة الرغبة في معرفة الحقيقة قبل نقدها تتضاءل بفعل صراعات السياسة، كما أن الرغبة في النقد الإيجابي أو السلبي، تتغلب علي محاولة الرصد والوصف والتحليل. وفي تصوري أن رؤية الظاهرة علي حقيقتها له الأولوية الأولي، ثم تأتي بعد ذلك الرؤي الهادفة للنقد، الإيجابي منه والسلبي. خاصة أن قضايا السياسة تحتمل الكثير من البدائل، وكل تلك البدائل تعتمد علي قياس التوقعات المستقبلية، وهو أمر احتمالي لا يمكن الجزم به بسهولة. وإلي المقال القادم.