أحد زملائي توفي وهو يؤدي فقرة الأكروبات.. وابني الكبير كُسرت ذراعه فترك السيرك.. وقرر ألا يعودقد لا تتجاوز فقرة الأكروبات «الترابيز» خمس عشرة دقيقة ولكنها تعتبر من أهم وأخطر الفقرات التي يقدمها أي سيرك بحيث تستطيع أن تعلق أعيننا لأعلي لتشاهد لاعبين غاية في الدقة والإبهار وكأنهم خلقوا ليحلقوا بعيدًا في الهواء وألا تلمس أقدامهم الأرض إلا بعد أن يتأكدوا من إمتاع الجمهور وليجعلونا نتيقن من أنهم «مش بيلعبوا» ولكنهم يخاطرون بحياتهم من أجل طفل يبتسم أو فرد أراد أن ينسي همومه التي تنتظره خارج أسوار السيرك. ويعتبر«الاكروبات» الفن الأول في السيرك الروسي.. وثقافة شعبية بالنسبة للصين.. أما هنا في مصر فبالرغم من أنه من أهم العروض التي يقدمها السيرك القومي فإن الإقبال علي العمل بالسيرك عموماً لا يحظي بالدعم من وزارة الثقافة لإدخال أشبال جدد له حتي لا يندثر هذا الفن الرائع.. ولهذا كان لنا هذا الحوار مع فريق «الترابيز» بالسيرك وهو مكون من أب وابنيه، وهم قائد الفريق الكابتن محمد علي وابناه محمد وكريم، لنعرف منهم كيف انضموا للسيرك ولماذا اختاروا لعبة الترابيز وكيف ينظرون لمستقبل السيرك في مصر. في البداية ممكن تعرفنا بنفسك؟ - أحمد محمد علي عمري 53 ، شهرتي أحمد علي مدرب ورئيس فريق «الترابيز» في قسم الاكروبات ويعمل معي أولادي محمد« 29 سنة» وكريم، وعندي ثلاثة أبناء آخرين وكان ابني الأكبر لاعب ترابيز ولكنه تركها ليكمل دراسته خاصة بعد أن تعرض لحادث أثناء اللعب أدي إلي كسر ذراعه. وكيف كانت بدايتك في لعب الأكروبات؟ - بدأت لعب الجمباز عام 68 وكان مدربي في هذا الوقت يدرب فرقة كبيرة للعقلة في السيرك القومي ثم انتقلت للعمل بالسيرك بناء علي اختياره لي وذلك عام 1970 وكنت وقتها مازلت في فريق الأشبال بلعب عقلة ثابتة. يومك بيكون عامل إزاي؟ - أحيانا بتدرب الصبح ولكن ليس كل يوم فالأيام التي نقدم فيها العرض نمارس مجرد رياضة خفيفة مثل «السويدي» ولو هناك إقبال من الجمهور بيكون التدريب يوم ويوم أما إذا لم يكن هناك إقبال بيكون التدريب كل يوم غير أنني أعمل في محل قماش للتغلب علي ضعف الراتب، خاصة أن الفقرة التي أقدمها «ثقيلة» ولا تقدم إلا في السيرك. وكيف توفق بين السيرك والعمل الآخر؟ السيرك عندي أساسي أما بالنسبة للمكان اللي بشتغل فيه فعارفين ظروفي ومسموح لي إني أسيب المكان وقت العمل بالسيرك. كيف أثرت في أبنائك ليكونوا لاعبي ترابيز مثلك؟ - هما كانوا بيحبوا السيرك وهما صغيرين واختاروا اللعبة فطلبت منهم أنهم يشتغلوا وبالفعل استجابوا لطلبي وعندما كانوا في الدراسة كان من الأفضل أن يتعلموا اللعبة بدلاً من أن يعملوا بأي شيء آخر بجانب الدراسة وكنا بنقوم بالتدريبات والبروفات في أوقات الفراغ حتي أتقنوا المهنة. البعض يرفض أن يزوج ابنته للاعب سيرك بسبب المخاطر التي بيتعرض لها.. فهل تعرضت لموقف كهذا؟ - نعم حدث، وبالفعل البعض يرفض أن يزوج ابنته للاعب بالسيرك، ولذلك عندما قررت الزواج كان يجب أن تكون زوجتي محبة للعبة الأكروبات والسيرك عموماً. هل وقع أمامك أي حادثة أثناء اللعب؟ - شاهدت ابني الأكبر عندما سقط وكسرت ذراعه وكان ذلك من أسباب تركه السيرك خاصة بسبب إمكانيات السيرك الضعيفة في ذلك الوقت، وحدث أن سقط زميلي كابتن داخلي أمين ولكني لم أكن موجودًا وقتها وعندما وصل إلي المستشفي كان قد توفي. ألا يوجد تأمين علي حياتكم؟ - تأمينات النقابة ضعيفة وغير مجزية بالشكل الذي يمكن الاستفادة منه وقد تحدثنا عن موضوع التأمينات منذ عدة أشهر وتقدمنا بشكوي عن طريق مدير السيرك كابتن محمد أبو ليلة علمنا بعدها أن السيد الوزير فاروق حسني أقر بوليصة تأمين بخمسين ألف جنيه علي حياة اللاعبين وأن يتم دفع أقساطها من وزارة الثقافة وليس من رواتب اللاعبين. كيف تُطور من فقرة الترابيز؟ - عن طريق إدخال حركات جديدة في الفقرة، فمثلا كابتن محمد بيلف لفتين في الهوا ممكن مع تحسين الأداء يكونوا ثلاث لفات، أو تطويرها عن طريق تغيير في الأفراد أو أن أدخل بنات في العرض. بالنسبة للبنات ألا يوجد إقبال منهن علي اللعبة؟ - قليل جداً لأن البنت بتيجي عند سن معينة وبتسيب اللعبة خصوصاً بعد ما بتتجوز ويبقي ليها حياتها الخاصة، ولكن كانت هناك فرقة من اللاعبات في الماضي أما الآن فلا. هل قدمت عروضًا خارج مصر؟ - سافرت روسيا سنة تبع وزارة الثقافة عن طريق التبادل الثقافي بين مصر والاتحاد السوفيتي سنة 76 وشاركت في مهرجان الاتحاد السوفيتي، ومحمد وكريم سافرا السعودية ولكن تبع سيرك خاص، أما السيرك الحكومي فسافرا معه إلي السودان، ومعظم لاعبي الأنواع الأخري من الأكروبات الذين يسافرون للخارج يلعبون علي مسرح عكس لعبة الترابيز تحتاج إلي إمكانيات خاصة. ما ترتيب مصر في لعبة الترابيز بالنسبة للدول الأخري؟ - بالنسبة للدول العربية مصر أفضل دولة في لعب الأكروبات أما الدول الأوروبية فتختلف في الإمكانيات المادية، وتكون هناك عروض احتراف أيضاً في هذه الدول مثل رومانيا وإيطاليا وروسيا لأنها عبارة عن شركات، وفي روسيا يعتبر فن الأكروبات هو الأول في السيرك الروسي ولكن في مصر هناك قلة اهتمام بالدعاية للسيرك من جانب وزارة الثقافة فنجد من يتجاوز عمره الخمسين سنة ولم يدخل السيرك القومي. هل يمكن للاعب الترابيز أن يمارس أنواعًا أخري من الأكروبات؟ - لعبة الترابيز أصعب أنواع الأكروبات وبالتالي فيمكن للاعب الترابيز أن يلعب باقي أنواع الأكروبات، لكن لا يمكن لأي لاعب آخر أن يلعب ترابيز، فهي كباقي أنواع الرياضة تحتاج إلي التخصص. هل الحالة النفسية تؤثر في أداء لاعب الترابيز.. خاصة أنها تحتاج تركيزًا عاليًا؟ - الحالة النفسية شيء مهم جدا قبل العرض ولكن يجب علي اللاعب أن يتحكم في حالته النفسية لأن ده شغله والحالة النفسية يجب ألا تؤثر فيه، والرياضي عموماً يجب أن يكون باله طويلاً ويختلف عن الإنسان العادي بحيث يتحكم في أعصابه، وبمجرد أن ارتدي ملابس العرض ينسي أي مشكلة. هل فكرت أنك تترك السيرك وتبتعد عن لعب الأكروبات عموماً؟ - بالنسبة لي أنا لم يحدث هذا لأني منذ الصغر أحب هذا العمل والجمباز عموماً فلا يمكن أن أغير عملي بعد ما كبرت لأن هذا سيحدث خللاً في حياتي. وانتقلنا إلي الحديث مع ابنه محمد وسألناه.. هل فكرت إنك تغير مهنتك خصوصاً أنك مازلت شابا؟ - أنا وأخي كريم لم نعتبر السيرك شغلاً روتينيًا، لكنه هواية بدأت بجانب الدراسة وذلك بعيداً عن العائد المادي لأن بالنسبة لأي شغل آخر فهناك وقت كبير فأنا عندي «سيبر» وعرض عليّ شغل في ناد أو مدرس تربية رياضية وهذا يعود إلي اختيار الشخص نفسه هل ممكن أن يوفق بين كل هذا والعمل في السيرك. في رأيك ما أهم الفقرات التي يقبل عليها جمهور السيرك؟ - جمهور السيرك يركز علي فقرتين أو ثلاثة وهي ترويض الأسود والترابيز والبلياتشو ثم فقرة الساحر والباقي «حشو» وهذا هو الترتيب في أي سيرك في العالم وهو لا يعني أن باقي الفقرات أقل أهمية أو خطورة ولكن يمكن تقييم كل لعبة علي حسب مستوي السيرك وعلي حسب خطورة اللعبة، فالسقوط من العجلة أقل خطورة من السقوط من الترابيز فهي مثل السقوط من الدور العاشر، والسقوط علي الشبكة قد يكون أخطر من السقوط علي الأرض فقد تعرضت مرة للسقوط أثناء العرض وأكملت العرض وأنا مصاب لأن هذا حق الجمهور. هل يستطيع لاعب الترابيز أن يعاود اللعب بعد تعرضه للإصابة؟ - علي حسب قدرته والعامل النفسي له فإذا كانت الإصابة خفيفة يمكن هذا ولكن هناك كسور لا يمكن العمل بعدها لأن أي إصابة جديدة قد تضعف المستوي أو تقضي عليه تماماً. هل يمكن للاعب الأكروبات والسيرك عموماً أن يبتعد عن اللعب ويعود له مرة أخري؟ - نعم ممكن وحتي مدير السيرك ترك العمل فيه فترة وسافر ثم عاد مرة أخري له ولكن السيرك أساسي بالنسبة للعاملين به. ما الذي تفكر فيه قبل تأديتك الفقرة مباشرة؟ - لا أفكر في شيء. فالتركيز علي الحركات جيداً والثقة بالنفس وهذا عموماً ما يجب أن يفكر فيه أي لاعب أكروبات خصوصاً الترابيز. هل تحرصون في المستقبل علي أن يكون أولادكم لاعبي ترابيز مثلكم؟ لن نجعلهم لاعبي ترابيز لأن الواحد شاف مشاكل كثيرة في السيرك من صراع لزيادة الرواتب أو اللبس ولكن بالطبع سيكون القرار لهم وعلي حسب اختيارهم، ولكننا نتمني لهم مجالات أخري. واختتمنا الحديث مع أخيه كريم وسألناه. هل اعترضت والدتك علي أن تمتهنوا لعب الأكروبات مثل والدكم؟ - هي عموماً كأي أم بتخاف علينا خصوصاً مع بدايتنا في اللعبة وعندما تشاهدنا ونحن نقدم الفقرة تشعر بقلق كبير، ولكنها الآن تعودت وإحنا نفسنا لا نحاول أن نتأخر عن ميعادنا في البيت ونتصل بها بعد الفقرة لتطمئن علينا. كيف تشعر بنظرة المحيطين بك من أصدقائك؟ - نشعر بنظرة إعجاب بما نقوم به فعندما نكون مع أحد أصدقائنا فهم يقدموننا علي أننا خارقون. كيف تري مستقبل لعبة الأكروبات؟ - لم يعد هناك إقبال من الأهل علي أن يشجعوا أبناءهم علي لعب الأكروبات، والسيرك الآن قائم علي نظام الأسر، فاللاعب القديم يدرب أولاده ليكونوا مثله كما أنه لا يوجد اعتناء من وزارة الثقافة بالاهتمام بدخول أشبال جيدة السيرك.