أوقاف الفيوم تواصل فعاليات برنامج "صحح قراءتك" بالمساجد الكبرى    بعد صعوده أمس.. ماذا حدث لسعر الدولار في 9 بنوك ببداية تعاملات اليوم الأربعاء؟    فتح فروع بنك ناصر استثنائيًا يوم السبت المقبل لصرف معاشات شهر يونيو    توضيح حكومي بشأن تحويل الدعم السلعي إلى نقدي    وزير النقل يشهد توقيع مذكرة لإنشاء أول مشروع لتخريد السفن بميناء دمياط    ارتفاع أسعار النفط مع التوقعات بإبقاء "أوبك +" على تخفيضات الإنتاج    وفد مصر يشارك بالاجتماعات السنوية لمجموعة بنك التنمية الإفريقي لعام 2024 في كينيا    جنوب إفريقيا تعلن التوجه إلى مجلس الأمن للمطالبة بتطبيق قرارات محكمة العدل الدولية بشأن رفح    إخلاء مستشفى القدس الميداني في خان يونس    بعد مجزرة المخيم.. بايدن: عملية إسرائيل في رفح الفلسطينية لم تتخط الخطوط الحمراء    عاجل| إعلام فلسطيني: مروحيات إسرائيلية تنقل جنودا مصابين جراء معارك غزة لمستشفى ببئر السبع    عيد عبد الملك: منافسة الشناوي وشوبير ستكون في صالح الأهلي    «15قذيفة مثيرة».. ملخص تصريحات شيكابالا    كأس مصر، موعد مباراة المقاولون والترسانة والقناة الناقلة    المقاولون والترسانة.. مواجهة الجريحين في دور ال32 بكأس مصر    الحالة المرورية اليوم، زحام بالقاهرة والجيزة وسيولة بالطرق الصحراوية والساحلية (فيديو)    محاكمة مضيفة طيران بتهمة قتل ابنتها.. اليوم    صفحات الغش تنشر أسئلة امتحانات الدبلومات الفنية والتعليم «كالعادة» تحقق    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى العمرانية دون إصابات    حظك اليوم وتوقعات الأبراج 29 مايو 2024: تحذير ل«الأسد» ومكاسب ل«الجدي»    بعد ترميمه.. "الأعلى للآثار" يفتتح مسجد الطنبغا الماريداني بالدرب الأحمر    قبل عرضه.. تفاصيل مسلسل «مفترق طرق»    وزارة الصحة تكشف المضاعفات الخطرة للولادات القيصرية غير المبررة.. انفوجراف    وزارة الصحة تكشف نصائح لمساعدة مريض الصرع على أداء مناسك الحج بأمان    "اختر صحتك قل لا للتبغ".. ندوة بطب عين شمس    «السبكي» يستقبل رئيس «صحة النواب» في زيارة تفقدية لمستشفى شرم الشيخ الدولي.. صور    متظاهرون مؤيدون لفلسطين يحاولون اقتحام سفارة إسرائيل في المكسيك (فيديو)    لهذا السبب.. مي نور الشريف تتصدر تريند "جوجل" في السعودية    دولة الإمارات وكوريا الجنوبية توقعان اتفاقية تجارية    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الأربعاء 29 مايو 2024    تنسيق الشهادة الإعدادية 2024.. شروط المدارس الثانوية العسكرية والأوراق المطلوبة    3 دول أوروبية تعترف رسميا بدولة فلسطين.. ماذا قال الاحتلال الإسرائيلي؟    محمد فاضل: «تجربة الضاحك الباكي لن تتكرر»    أفضل دعاء الرزق وقضاء الديون.. اللهم ارزقني حلالًا طيبًا    الخارجية الروسية تعلق على تصريح رئيس الدبلوماسية الأوروبية حول شرعية ضرب أراضيها    هجوم مركّز وإصابات مؤكدة.. حزب الله ينشر ملخص عملياته ضد إسرائيل يوم الثلاثاء    90 عاماً من الريادة.. ندوة ل«إعلام القاهرة وخريجى الإعلام» احتفالاً ب«عيد الإعلاميين»    الصالة الموسمية بمطار القاهرة الدولي تستقبل طلائع حجاج بيت الله الحرام    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29-5-2024    وظائف السعودية 2024.. أمانة مكة تعلن حاجتها لعمالة في 3 تخصصات (التفاصيل والشروط)    صلاة الفجر من مسجد الكبير المتعال فى بورسعيد.. فيديو وصور    رابط نتيجة الصف الثالث الإعدادي برقم الجلوس 2024.. موعد إعلانها وطريقة الاستعلام    حج 2024| هل يجوز حلق المحرِم لنفسه أو لغيره بعد انتهاء المناسك؟    حج 2024| ما الفرق بين نيابة الرجل ونيابة المرأة في الحج؟    مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29 مايو في محافظات مصر    نصف شهر.. تعرف على الأجازات الرسمية خلال يونيو المقبل    جوزيف بلاتر: أشكر القائمين على منظومة كرة القدم الإفريقية.. وسعيد لما وصلت إليه إفريقيا    يرسمان التاتوه على جسديهما، فيديو مثير لسفاح التجمع مع طليقته (فيديو)    وزير الصحة التونسي يؤكد حرص بلاده على التوصل لإنشاء معاهدة دولية للتأهب للجوائح الصحية    إبراهيم عيسى يكشف موقف تغيير الحكومة والمحافظين    هل طلب إمام عاشور العودة إلى الزمالك؟.. شيكابالا يكشف تفاصيل الحديث المثير    رئيس رابطة الأنديةل قصواء: استكمال دوري كورونا تسبب في عدم انتظام مواعيد الدوري المصري حتى الآن    كريم فؤاد: موسيمانى عاملنى بطريقة سيئة ولم يقتنع بى كلاعب.. وموقف السولية لا ينسى    أسماء جلال تكشف عن شخصيتها في «اللعب مع العيال» بطولة محمد إمام (تفاصيل)    رسائل تهنئة بمناسبة عيد الأضحى 2024    أحمد دياب: فوز الأهلى والزمالك بالبطولات الأفريقية سيعود بالخير على المنتخب    إصابة 17شخصًا في تصادم ميكروباص بفنطاس غاز بالمنيا    ننشر أسماء المتقدمين للجنة القيد تحت التمرين في نقابة الصحفيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل قرأ الرئيس مبارك أو رئيس الحكومة أو وزير الداخلية تقرير لجنة العطيفي؟
نشر في الدستور الأصلي يوم 15 - 01 - 2010

مقال «القرآن والمسيحية» كتبه «الأنبا» شنودة قبل أن يصبح «البابا» شنودة فأثار بعض أئمة المساجد ضده
لاحظت لجنة العطيفي أن مبالغة جرت في تصوير الحوادث الطائفية.. وتم اختراع متواطئين وادعاء أن المطافئ تأخرت عمداً
د. جمال الدين العطيفي يكرم حسني مبارك عام 1974
لأن الحكومة لا تستفيد من أخطائها فقد وقعت تلك الأحداث المؤسفة مؤخرًا في نجع حمادي، ولأن أحدًا لا يقرأ واقع الأزمة أو يسعي جادًا وجاهدًا لتحليلها وصولاً إلي الدروس المستخلصة بهدف احتوائها ومنع تكرارها لاحقا، فإن ما وقع في نجع حمادي قابل للتكرار في أي مدينة أو قرية مصرية أخري.
من المدهش والمؤسف في آن واحد، أن تكون الحكومة تمتلك نسخة من التقرير العبقري الذي قدمه الدكتور جمال العطيفي عن أحداث الخانكة 1972 بوصفه رئيس لجنة تقصي الحقائق حول هذه الأحداث الطائفية، ثم يحدث ما جري من وقائع دامية في نجع حمادي جهارًا نهارًا.
توصيات لجنة العطيفي كما سنري لاحقًا لا تقدم جديدًا لواقع حالة الاحتقان الطائفي المزمن في مصر، وربما لو قمنا بتغيير التواريخ وأسماء الأماكن فقط لاتضح أن ما قالته اللجنة قبل 38 عامًا بالتمام والكمال في تقريرها الشهير هو نفسه ما جري وسيجري من حوادث للفتنة الطائفية.
شخصيًا أشك كثيرًا في أن يكون تقرير العطيفي قد حظي بوقت من الرئيس حسني مبارك أو رئيس الحكومة الدكتور أحمد نظيف أو وزير الداخلية اللواء حبيب العادلي لقراءته والتمعن فيه، ذلك أن الدولة التي تفشل في إدارة أزماتها الداخلية باستمرار تعاني حتما مشكلة رئيسية في كيفية فهم الأزمة نفسها.
وتلاحظ دراسة مشتركة من المركز المصري للتنمية والدراسات الديمقراطية والجمعية المصرية لدعم التطور الديمقراطي أن هناك حالة احتقان طائفي، الأمر الذي يؤكد فشل الدولة في إدارة الأزمة بين الجانبين، وهو ما يمكن تبريره بالآتي: إصرار الدولة علي معالجة ملف الوحدة الوطنية بطريقة أمنية بحتة، وتجاهل المداخل الاجتماعية والثقافية لمعالجة الأزمة. ولاحظت أن هناك مسئولية كبري يتحملها المثقفون وقيادات المجتمع المدني ومؤسسات الدولة في التعامل مع تلك الأزمة الخطيرة التي يواجهها وطننا العزيز، بعد انسحاب الدولة وعزوفها عن التعاطي بإيجابية مع الأزمة، فضلاً عن وجود تيارات ومؤسسات تشجع بالتجاهل وبغض النظر أحياناً وبالتشجيع أحياناً أخري، علي ترسيخ حالة الاحتقان والتعصب ورفض الآخر بين المسلمين والأقباط في مصر.
والحاصل أنه في يوم 6 نوفمبر من عام 1972 أشعل مجهولون النار في دار جمعية الكتاب المقدس التي كان يتخذها أهالي مركز الخانكة من الأقباط كنيسة بغير ترخيص لإقامة الشعائر الدينية.
بعدها في 12 نوفمبر وفد إلي الخانكة عدد كبير من القساوسة قدموا إليها بالسيارات ومعهم بعض المواطنين من الأقباط وساروا إلي مقر جمعية أصدقاء الكتاب المقدس المحترق وأقاموا شعائر الصلاة فيها وتجمع في المساء عدد كبير من المواطنين في مسجد السلطان الأشرف وخرجوا في مسيرة احتجاج علي ذلك، وقام أحدهم بإطلاق أعيرة نارية في الهواء علي رءوس المتظاهرين من مسدس مرخص له بحمله فتوجه بعض المتظاهرين إلي مسكن هذا الشخص وإلي أماكن آخرين وقاموا بإشعال النار فيها وإتلافها.
أزمة الخانكة وقعت بعد نحو عامين من تولي الرئيس الراحل أنور السادات منصبه خلفًا للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، لكن السادات كان ذكيًا في التعامل مع تلك الأزمة وهو يجهز لتأمين الجبهة الداخلية بينما عينه وتفكيره علي الحرب التي كان يعتزم شنها لاحقاً علي إسرائيل في شهر أكتوبر عام 1973.
وهكذا أصدر مجلس الشعب قراراً بناء علي طلب الرئيس السادات بتشكيل لجنة خاصة لتقصي الحقائق برئاسة الدكتور جمال العطيفي وكيل المجلس وعضوية أعضاء المجلس محمد فؤاد أبو هميلة وألبرت برسوم سلامة وكمال الشاذلي والدكتور رشدي سعيد وعبد المنصف حسن زين والمهندس محب إستينو.
وجاء تشكيل اللجنة علي هذا النحو ملائمًا لوقتها، حيث إن رئيسها هو( المرحوم) الدكتور جمال العطيفي كان عضو مجلس الشعب عن دائرة قصر النيل ووكيل مجلس الشعب في تاريخ أحداث الخانكة ووزير الإعلام الأسبق، كما أنها جمعت في عضويتها بين عنصري الأمة المسلمين والأقباط كي تخرج قراراتها وتوصياتها بشكل موضوعي ودون تحيز لطرف ضد الطرف الآخر.
واعتبر هذا القرار أول ممارسة في ظل الدستور الجديد لما أجازته اللائحة الداخلية للمجلس من جواز تشكيل لجنة خاصة لاستظهار الحقائق في موضوع معين وذلك طبقاً للمادتين 47 و16 من اللائحة .
ورأت اللجنة أن حادثة الخانكة وهي إحدي الحوادث التي تكررت آنذاك، تطرح بصفة عامة وأساسية موضوع العوامل المؤثرة في العلاقات بين طوائف الشعب وما إذا كانت هذه العوامل مصطنعة أو مغرضة ومدي تهديدها للوحدة الوطنية.
كما يوضح التقرير فقد بدأت اللجنة عملها، باجتماع عقده رئيسها مع نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية والسيد النائب العام في صباح اليوم التالي لصدور قرار تشكيلها وذلك للوقوف علي ظروف هذا الحادث لتبدأ عملها في ضوء تصور واضح.
وفي يوم الأربعاء 15 نوفمبر 1972 انتقلت اللجنة بكامل هيئتها إلي مركز الخانكة يصحبها اللواء مصطفي الشيخ وكيل وزارة الداخلية لشئون الأمن والذي ندبته اللجنة بناء علي طلب اللجنة لتسهيل مهمتها، حيث بادرت بزيارة الأماكن التي جرت فيها هذه الأحداث وناقشت المسئولين في مركز الشرطة وفي مجلس المدينة وفي الاتحاد الاشتراكي كما استمعت إلي ملاحظات الذين وقع اعتداء علي مساكنهم وحوانيتهم فعاينت دار جمعية الكتاب المقدس الذي كان الأقباط من سكان المركز قد جرأوا أخيراً علي إقامة الصلاة فيه والذي تعرض لوضع النار فيه صبيحة يوم الاثنين 6 نوفمبر 1972، كما شاهدت آثار النار والكسر في مساكن جرجس عريان سليمان، وغبريال جرجس عريان وحليم حنا نعم الله وغالي أنيس سعيد بشاي.
و في يوم الخميس 16 نوفمبر 1972 اجتمعت اللجنة مع البابا شنودة الثالث- بطريرك الأقباط في دار البطريركية- حيث استمعت إلي ملاحظاته، قبل أن تجتمع مع محمد الفحام- شيخ الجامع الأزهر- بحضور أمين عام مجمع البحوث الإسلامية فضيلة الدكتور عبد الرحمن بيصار ومدير البحوث بالأزهر الدكتور عبد المنعم النمر ومدير مكتب شيخ الأزهر فضيلة الشيخ صلاح أبو إسماعيل.
استعانت اللجنة أساساً في تحديد هذه الوقائع بتقارير النيابة العامة وهي السلطة القضائية المختصة بالتحقيق، وفي الوقت نفسه فإنها قد راجعت ما قدمته إليها الجهات الأخري المختصة، كما اطلعت علي تقرير أعد عن هذه الحوادث وقدم إلي البابا شنودة، ومن خلال قيامها بالانتقال والمعاينة والمناقشة التي أجرتها مع هذه الأطراف المعنية، أمكنها أن تستخلص الوقائع الصحيحة.
ولاحظت اللجنة أنه قد بولغ في تصوير هذا الحادث للبابا، وزاد من حدة التوتر أنه سبقه منذ عدة أشهر قليلة حادث مماثل في «سنهور» بجهة دمنهور، حيث أشارت إلي أن التقرير الذي قدم إلي البابا ما يفهم منه أن المكان قد حرق بالكامل وصور الحادث علي أن المطافئ تباطأت في إطفاء الحريق، وأن المتآمرين قد منعوا رجال الإطفاء من أداء واجبهم، كما تضمن هذا التقرير تشكيكاً في سلامة إجراءات التحقيق وعدم حيدتها.
وبعدما عرضت اللجنة علي البابا الوقائع الصحيحة التي استخلصتها، وافق علي عدم اعتماد المعلومات التي قدمت إليه انتظارًا لما يسفر عنه التحقيق.
ودون التعرض لوقائع الاتهام الجنائية، فإن هناك حقائق أمكن للجنة استظهارها وفقاً للتقرير أهمها أن الحادث وقع يوم الاثنين 6 نوفمبر كان يجب أن يبقي في حدوده الصحيحة وكان من حسن السياسة أن يحصر في هذا النطاق وحسبما ذكر البابا شنودة لأعضاء اللجنة، فإنه قد زار بعدها الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر مهنئاً بالعيد دون أن يترك الحادث أثراً في نفسه لولا ما بدا له من أن يد العدالة لم تستطع أن تتوصل إلي المسئولين عن هذا الحادث.
ومن الدراسة التي قامت بها اللجنة، استخلصت المقدمات التي أدت إلي تزايد هذه الحالة من التوتر، حيث رصدت أنه وقع بمدينة الإسكندرية حادث فردي خاص باعتناق شابين من المسلمين للمسيحية تحت تأثير ظروف مختلفة، وقد سرت أخبار ذلك بين الناس وكانت موضع التعليق ونقد بعض أئمة المساجد استنكارًا للنشاط التبشيري، وقد أعدت مديرية الأوقاف بالإسكندرية وقتئذ تقريراً قدمه الشيخ إبراهيم عبد الحميد اللبان وكيل المديرية لشئون الدعوة بنتيجة بحثه لموضوع الانحراف العقائدي لبعض الطلاب بمنطقة جليم والرمل، وقد ذكر فيه الأخطار التي تهدد بعض الشباب نتيجة حملات التبشير نسبت إلي بعض القساوسة، كما تضمن جملة افتراضات تعكس مخاوف مقدم التقرير من هذه المخاطر.. وفي عام 1972 أي بعد قرابة سنتين من تقديم هذا التقرير الذي يعد تقريراً داخلياً ليس معداً للنشر، امتدت يد خبيثة إليه فحصلت علي صورة منه وقامت بطباعته بالاستنسل وتوزيعه علي نطاق واسع.
و تضمن التقرير بعض الأمور التصويرية المنسوبة إلي رجال الدين الأقباط والتي من شأنها أن تثير استفزاز من يطلع عليها من المسلمين، تحمله علي تصديق أمور لم يقم أي دليل علي نسبتها إليهم وبعضها بعيد التصديق مما حمل بعض أئمة المساجد بالتنديد الشديد، وكانت نتيجة ذلك زيادة استياء كثير من المسلمين وبذر بذور الشك بينهم وبين إخوانهم الأقباط ورغم شيوع أمر هذا التقرير لم تقم الجهات المسئولة والإعلامية بالتصدي له بالمواجهة والنفي، ربما ظناً منها أن أثره سيكون محدوداً وأنه سرعان ما يتلاشي، وكما أن يد العدالة لم تستطع أن تمتد إلي مروجيه.
وحينما بدأت مرحلة تصحيح مسار الثورة في 15 مايو 1971 دعت الجماهير إلي المشاركة في إعداد الدستور الدائم، كان من الواضح إلي اللجنة المختصة بإعداد الدستور الجديد التي طافت أنحاء البلاد حينئذ، بروز تيار متدفق يدعو إلي اعتبار الشريعة الإسلامية مصدر للتشريع تقابله دعوة أخري من الأقباط إلي التمسك بحرية العقيدة والأديان، خاصة إلغاء التراخيص المقررة لإقامة الكنائس.
ولم يكن التوضيح كافياً بأن الدعوة إلي تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية لا يتنافي مع حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية التي كفلها الدستور لجميع المواطنين، وإن الإسلام والمسيحية رسالتا تسامح ومحبة يدينان بالله.
في هذا المناخ الذي سادته مفاهيم الحرية وسيادة القانون وارتفع فيه شعار «دولة العلم والإيمان»، انتخب الأنبا شنودة بابا لكنيسة الإسكندرية والكرازة المرقسية في آخر أكتوبر ونصب في 14 نوفمبر في احتفال شهده رئيس الوزراء وقتئذ وكبار المسئولين في الدولة وأذيع بالتليفزيون والراديو وكان موضع اهتمام واسعاً من جميع وسائل الإعلام.
وكان من الواضح أن البابا الجديد قد بدأ نشاطاً واسعاً في خدمة الكنيسة والوطن بمجرد انتخابه ألقي محاضرة عن إسرائيل في نقابة الصحفيين تقرر طبعها بخمس لغات وينشر في بعض الصحف حديثاً أسبوعياً يوم الأحد وأعلن تنظيمات للكنيسة تدعيماً لرسالتها الروحية ومعالجة لقضايا المجتمع داخل النطاق بأسلوب علمي روحي وهو أول بابا في العصر الحديث من رؤساء الكلية الإكليريكية.
يقول التقرير ما نصه:« ويبدو أن بعض الحساسيات كانت تنشأ أحياناً عن هذا النشاط الواسع، حتي قبل انتخاب الأنبا شنودة للبابوية، فقد أصدرت مجلة الهلال عدداً خاصاً عن القرآن في ديسمبر1970. ونشر فيه مقال عنوانه «القرآن والمسيحية» بقلم الأنبا شنودة مبيناً فيه الالتقاء بين الإسلام والمسيحية، وقد تناوله بالرد بعض الخطباء علي منابر المساجد علي حد ما نشرته مجلة الهلال عددها الصادر بعد ذلك في فبراير 1971 والذي تضمن تعليقات أخري علي هذا المقال».
كما أن إعلان البابا شنودة بعد انتخابه عن تمسكه برفض أي دعوة إلي إباحة الطلاق للمسيحيين إلا لعلة الزنا وأن كل طلاق يحدث بغير هذه العلة الواحدة لا تعترف به الكنيسة، كان يقابله علي الجانب الآخر رفض لأي دعوة إلي تعديل قانون الأسرة بالنسبة للمسلمين ووضع أي تنظيم لحق الطلاق، ومثله أي حدث تطوير في الكلية الإكليريكية، أو استعادة الإسكندرية لمنزلتها العالمية وقيادتها الإفريقية، رغم أنه معني سبق أن ردده بعض كبار الأقباط ممن تعاونوا دائماً مع نظام الدولة بإخلاص (ومثل هذه الحساسيات لمستها اللجنة أيضاً لدي بعض رجال الدين المسيحي بشأن ما نشره بعض الكتاب المسلمين عن المزامير والتوراة والتثليث.
وتبني تقرير العطيفي الدعوة لتنظيم إدارة وبناء الكنائس علي اعتبار أنه لا يمثل في حد ذاته اعتداءً علي حرية ممارسة الشعائر الدينية، وطالبت بإعادة النظر في أحكام الخط الهمايوني وقرارات وزارة الداخلية في هذا الشأن تجنباً لحالة شاعت وهي تحويل بعض الأبنية أو الدور إلي كنائس دون ترخيص وما يؤدي إليه ذلك أحياناً من تعرض بعض الأهالي له دون أن يدعو هذا الأمر لسلطة الدولة وحدها وقد راجعت اللجنة الحوادث التي وقعت في العامين الأخيرين، فتبين لها أن معظمها يرجع إلي إقامة هذه الكنائس بغير ترخيص وتصدي الإدارة أو بعض الأهالي للقائمين عليها.
واقترحت اللجنة إعادة النظر في نظام الترخيص بغيه تبسيط إجراءاته علي أن تتقدم البطركخانة بخطتها السنوية لإقامة الكنائس لتدرسها الجهات المختصة دفعة واحدة بدلاً من أن تترك للمبادرة الفردية للجمعيات أو الأشخاص ودون تخطيط علمي سليم.
ولاحظت أن إخضاع هذه المساجد للإشراف الكامل لوزارة الأوقاف من شأنه أنه يبعد مظنة التجاوز فيما قد يلقي فيها من خطب أو وعظ، مشيرة إلي أنه يتعين علي وزارة الأوقاف أن تمارس رقابتها في الإشراف علي إدارة هذه المساجد والزوايا وتوجيه القائمين عليها لتؤدي رسالتها الدينية علي الوجه الصحيح، كما اقترحت أن يكون تعيين أئمة هذه المساجد بموافقة وزارة الأوقاف بعد التحقق من توافر الشروط الشرعية لتعيين إمام المسجد وفهمه الصحيح لأحكام الدين وتنظيم الإشراف علي ما تلقي من خطب فيها حتي لا تجاوز شرح أحكام الدين الحنيف إلي توجيه انتقادات أو مطاعن في الأديان الأخري.
ورأت اللجنة أيضا أن ما يلقي من مواعظ في الكنائس يمكن أن يقع فيه تجاوز أيضاً إذا لم يلتزم الواعظ الحدود التي يتطلبها شرح أحكام الدين والدعوة إلي الحق والخير والفضيلة علي أنه لما كان تعيين راعي الكنيسة يتم دائماً علي قرار المطران المختص أو البطريركية فإنها تكون مسئولة عن أداء واجباته الدينية، ويمكن مراجعتها في ذلك عند أي تجاوز لهذه الواجبات.
ولفت التقرير إلي مكامن الخطر من تزايد عدد الجمعيات الإسلامية والقبطية الأهلية والتي يجب أن بتوافر في القائمين عليها إدراك سليم لأحكام الدين ونظرة متسامحة إلي العقائد الأخري وبعد التعصب الذميم وانصراف أساسي إلي التربية الخلقية الوطنية، داعية إلي إحكام الإشراف المقرر لوزارة الشئون الاجتماعية علي مثل هذه الجمعيات.
وبعدما لاحظت اللجنة أنه بعد أن أصبحت التربية الدينية مادة أساسية في مناهج التعليم العام طبقاً للمادة 19 من الدستور بحيث أصبحت المدارس من مؤسسات الدعوة، طلبت اللجنة بإتاحة الفرصة لدروس دينية منظمة للتلاميذ الأقباط في المدارس يتعلمون فيها أحكام دينهم، وكما يجب أن تتسم دروس الدين جميعها بعرض لحقائق الأديان بحسن إدراك وسعة وبعد عن التعصب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.