وزير التعليم العالي يستقبل وفدًا من مجموعة جنوب إفريقيا للتنمية «SADC»    وزير التعليم العالي يستقبل وفدًا من جنوب إفريقيا للتعرف على تجربة بنك المعرفة    كل ما تريد معرفته عن تشكيل وموعد الإعلان عن الحكومة الجديدة 2024    ارتفاع أسعار الذهب اليوم الإثنين.. عيار 21 ب 3100 جنيه    أسعار البيض تتراجع اليوم الاثنين في الأسواق (موقع رسمي)    تراجع معظم مؤشرات البورصة في مستهل تعاملات اليوم    معلومات الوزراء: 15 مليون فرصة عمل تخلقها الشبكات الذكية على مستوى العالم بحلول 2030    الحج قديما.. كيف ظهرت مهمة المطوف ليكون مسئول مباشرة عن الحجاج منذ وصوله إلى مكة؟‬    قوات الاحتلال تعتقل 3 فلسطينيين من مدينة «طوباس»    مشهد يحبس الأنفاس، إقلاع وهبوط طائرتين في مدرج واحد    الليبراليون في سلوفاكيا يفوزون في الانتخابات الأوروبية    «واشنطن بوست»: استقالة جانتس تضغط على نتنياهو لقبول وقف إطلاق النار    يورو 2024| منتخب بولندا يحلم بتجاوز إنجاز نسخة 2016.. إنفوجراف    تصفيات المونديال| نيجيريا يواجه بنين.. وغانا يلتقي جمهورية أفريقيا الوسطى    منظمة المنشطات: عقوبة رمضان صبحي قد تصل للإيقاف 4 سنوات    رؤساء المدن بالغربية يتابعون محيط لجان الثانوية العامة ورفع القمامة    وزيرة التضامن تطمئن على الحالة الصحية للحجاج المصريين    الحكم في طعن «شيري هانم وابنتها زمردة» على سجنهما 5 سنوات| اليوم    ياسمين عبد العزيز تنشر صورة لتوقيع عقد مسلسلها الجديد والعوضي يعلق "هتدغدغي الدنيا يا وحش الكون إن شاء الله"    «مرتبطون بوالدتهم ولا يفعلون شيء بدون رأيها».. احذري من رجال هذه الأبراج قدر الإمكان    مناسك (4).. يوم التروية والاستعداد لأداء ركن الحج الأعظم    هل الغش في الامتحان يبطل الصوم؟.. «الإفتاء» توضح    الخشت: قافلة الجيزة الطبية استكمال لجهود الجامعة ومشاركتها للتحالف الوطني    جامعة القاهرة تطلق قافلة تنموية شاملة لقرية الودي بالجيزة    ممنوعات يجب تجنبها مع طلاب الثانوية العامة طوال فترة الامتحانات    «ابعت الأسئلة وخد الحل».. شاومينج يحرض طلاب الثانوية العامة على تصوير امتحان التربية الدينية    توافد طلاب الثانوية العامة على لجان الدقي لأداء امتحاني التربية الوطنية والتربية الدينية    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى إمبابة دون إصابات    أول إجراء من وزارة الرياضة بشأن أزمة «الدروس الخصوصية» في صالة حسن مصطفى    اتحاد الكرة يكشف تطورات أزمة مستحقات روي فيتوريا    5 معلومات عن زوجة أمير طعيمة الجديدة.. ممثلة صاعدة وخبيرة مظهر    بشير التابعي: الأهلي في حاجة للتعاقد مع أحمد حجازي    سنتكوم: أجرينا عملية إنزال جوي للمساعدات الإنسانية إلى شمال غزة    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الإثنين    سها جندي: نعمل على تدشين المركز المصري الإيطالي للوظائف والهجرة    حالة الطقس المتوقعة غدًا الثلاثاء 11 يونيو 2024| إنفوجراف    البابا تواضروس الثاني يدشن الكنيسة الجديدة باسم القديس الأنبا إبرام بالفيوم    الثانوية العامة 2024| انتظام جميع لجان امتحانات المنيا    مع فتح لجان امتحانات الثانوية العامة 2024.. دعاء التوتر قبل الامتحان    تعرف على ما يُستحب عند زيارة النبي صلى الله عليه وسلم    لميس الحديدي: رحلتي لم تكن سهلة بل مليئة بالتحديات خاصة في مجتمع ذكوري    السعودية تستضيف ألف حاج من ذوي شهداء ومصابي غزة بأمر الملك سلمان    لأول مرة مقاتلات أوكرانية تضرب عمق المناطق الروسية    الفلسطيني أمير العملة يتوج بذهبية بطولة العالم بلعبة "المواي تاي"    نشرة ال«توك شو» من «المصري اليوم»: رئيس «اتصالات النواب» يزف بشرى سارة عن مكالمات التسويق العقاري.. وعمرو أديب عن مدرس الجيولوجيا: «حصل على مليون و200 ألف في ليلة المراجعة»    ضياء رشوان: الرئيس السيسي يضع عينيه على المستقبل    تركي آل الشيخ يعلن مفاجأة عن فيلم ولاد رزق ويوجه رسالة لعمرو أديب    ميدو: الجميع توقع خناقة بيني وبين عدلي القيعي.. ولم يكن هدفي أطلع ترند    ضياء رشوان ل قصواء الخلالي: لولا دور الإعلام في تغطية القضية الفلسطينية لسُحقنا    هؤلاء غير مستحب لهم صوم يوم عرفة.. الإفتاء توضح    عمر جابر يكشف كواليس حديثه مع لاعبي الزمالك قبل نهائي الكونفدرالية    النسبة التقديرية للإقبال في انتخابات الاتحاد الأوروبي تقترب من 51%    بمساحة 3908 فدان.. محافظ جنوب سيناء يعتمد المخطط التفصيلي للمنطقة الصناعية بأبو زنيمة    القطاع الديني بالشركة المتحدة يوضح المميزات الجديدة لتطبيق "مصر قرآن كريم"    عوض تاج الدين: الجينوم المصرى مشروع عملاق يدعمه الرئيس السيسى بشكل كبير    مصر في 24 ساعة| لميس الحديدي: أصيبت بالسرطان منذ 10 سنوات.. وأحمد موسى يكشف ملامح الحكومة الجديدة    لميس الحديدي تكشف تفاصيل تهديدها بالقتل في عهد الإخوان    محافظ المنوفية يفتتح أعمال تطوير النصب التذكاري بالباحور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عدالة كأصنام من «العجوة» «2»
نشر في الدستور الأصلي يوم 03 - 09 - 2010

أشرت في السطور المنشورة هنا يوم الثلاثاء الماضي إلي قضية سيدة إيرانية تدعي سكينة محمدي أشتياني، وألمحت إلي أن هذه القضية التي ربما لم يسمع بها الكثيرون عندنا، تشبه رغم اختلاف الموضوع والوقائع قضية «كاميليا شحاتة» وتكاد تتطابق معها من حيث كونها نموذجًا لإفساد العدالة بالانتقائية والأهواء والتحيزات المسبقة وما يرافق ذلك من استباحة قيم عليا ومفاهيم ذات طابع إنساني راقٍ وابتذالها وتحويلها إلي أداة في الصراعات السياسية أو المذهبية.
ومختصر قضية السيدة سكينة أشتياني (43 سنة وأم لأطفال) أن القضاء الإيراني أدانها منذ عام 2006 بتهمة الزني والاشتراك بالتآمر في قتل زوجها، وصدر بحقها حكم بالرجم حتي الموت أيدته محكمة الاستئناف، لكن تنفيذ هذا الحكم معلق حتي الآن بسبب غموض وشكوك في دقة أدلة الإدانة تقاطعت مع ضغوط إعلامية وسياسية هائلة تعرضت لها السلطات الإيرانية (ومازالت) ليس فقط من منظمات وجماعات حقوق الإنسان وإنما شاركت فيها بنشاط وحماس زائدين حكومات غربية عديدة التقطت هذه القضية الحقوقية واتخذتها ذريعة للتشهير بالنظام الحاكم في طهران وإحراجه وإسكانه في صورة ملونة بالقسوة والوحشية وإضفاء المزيد من الشيطنة علي ملامحه في أذهان الناس بما يدفعهم للتساؤل المرعوب عما عساه يفعل هذا النظام الهمجي الذي يقتل نساء وأمهات شعبه رجما، إذا امتلك سلاحا نوويا؟!
طبعًا لا أحد في أروقة الحكومات الغربية الغارقة في النفاق والمعايير المزدوجة يسأل أو يتحدث عن نازية ووحشية الكيان الصهيوني وجرائمه وارتكاباته الشنيعة بينما هو مسلح حتي الأسنان بأحدث وأشد أسلحة الفتك والدمار بما فيها عشرات القنابل الذرية!!
غير أننا لو استبعدنا مؤقتًا ذلك التوظيف السياسي الفج والمفضوح لقضية "سكينة" وقلَّبنا في أوراقها وتأملناها بعيدًا عن روح العداء والتشهير فسنجد من وجهة نظري ما يستحق المناقشة، وقد تظهر حقوق إنسانية لهذه السيدة وأمثالها تبدو ضائعة أو معرضة للتشويش في حمأة الذرائعية والانتقائية والنفاق .. ومن جانبي أستطيع رصد ثلاث حقائق علي الأقل، استنبطتها من متابعتي (المعقولة) للقضية وما أثارته من جدل حقوقي وقانوني رصين:
أولاً: هناك ما يشبه الاعتراف الضمني من السلطات الإيرانية بوجود ثغرات قانونية وشرعية في الأدلة التي استند إليها الحكم بإدانة وعقاب السيدة المذكورة بهذه العقوبة القاسية الرهيبة، لكني لا أعرف إن كانت هذه الثغرات تتعلق بأدلة الزني أو جريمة التآمر للقتل أو بكليهما معًا.. وأظن أنه لا حاجة للتذكير بأن شروط إثبات ارتكاب الفاحشة في الشريعة الإسلامية تكاد من فرط الصعوبة والصرامة تقترب من حدود المستحيل، هذا فضلا عن الخلاف (ولو عند قلة من الفقهاء) في تفسير مبدأ «القصاص» من حيث وسائل تطبيقه وشكل الحدود والعقوبات الرادعة ونوعها ومدي قابليتها للتغيير والتطوير مع تغير الظروف والأزمان، بل وقف العمل ببعضها أحيانًا علي نحو ما فعل الخليفة الراشد العادل عمر بن الخطاب (وهو من هو قامة ومقامًا) عندما ضرب القحط الناس في عام الرمادة.
ثانيًا: وإذا افترضنا عدم وجود مشكلة في أدلة ثبوت التهم علي السيدة سكينة أشتياني فإن مشكلة عقوبة الإعدام بوسيلة الرجم سرعان ما تقفز إلي واجهة قضيتها لاسيما أن فقه القانون الدولي الإنساني المعاصر أصبح مستقرًا تمامًا علي حظر وتحريم كل «أشكال التعذيب والعقوبات القاسية واللاإنسانية والمهينة»، وقد تم تقنين هذا الحظر في إعلانات واتفاقيات دولية ملزمة عديدة أشهرها اتفاقية مناهضة التعذيب التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1975 ودخلت حيز التنفيذ في عام 1977 بعد أن صادقت عليها غالبية كاسحة من بلدان العالم ومنها إيران ( ومصر بالمناسبة) .. ولا أتصور أن أحدًا في هذه الدنيا بمقدوره الفصال والجدل فيما تنطوي عليه عملية القتل البطيء بالرجم (خصوصًا عندما يكون علنيًا) من قسوة رهيبة .
ثالثًا: تبقي عقوبة القتل والإعدام نفسها (مهما كانت وسيلة تنفيذها) ومدي ملاءمتها لما بلغته البشرية من تقدم علي طريق التحضر والرقي إضافة إلي جدواها المنخفضة في تحقيق هدف الردع مقارنة بعقوبات أخري، وهو أمر تناولته بحوث ودراسات علمية كثيرة جدًا أثبتت أن إعدام الجناة لم يقلل من نوع الجرائم التي ارتكبوها بل حدث العكس أحيانًا لأن «مكافحة العنف بالعنف يساهم في تكريسه وتوسيع نطاقه» وتجعله «ثقافة شعبية» شائعة تتآكل في ظلها مشاعر الرحمة في قلوب الناس وتجعلهم أكثر ابتعادًا عن التحلي بالحلم والعفو وأشد ميلاً لاستسهال العدوان والتعايش مع القسوة.
كما أن إزهاق روح إنسان استنادًا لحكم أصدره قضاة بشر قد يخطئون، أمر يجافي العدالة بمعناها المطلق فهو يفتح الباب أمام احتمالات وقوع مظالم رهيبة لا يمكن تصحيحها ولا يحتملها أي ضمير .
لقد حدث أثناء المناقشات التي جرت في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2007 لقرار غير ملزم (صدر بأغلبية 105 دول صارت 135 في العام التالي) يحض الدول علي الإلغاء التدريجي لعقوبة الإعدام، أن قدمت منظمة العفو الدولية تقريرًا بشأن هذه العقوبة ومشكلاتها جاء فيه أن ثلاثة رجال من اليابان وأمريكا وأوغندا أمضوا ما مجموعه 56 سنة في السجن وهم ينتظرون تنفيذ أحكام بالإعدام صدرت بحقهم ثم تبين أنهم أبرياء، كما أن 134 أمريكيًا حكم عليهم بالقتل منذ عام 1973 لكنهم استطاعوا إثبات براءتهم قبل أن يموتوا، وهؤلاء كانوا أفضل حظًا من آخرين أدركتهم البراءة بعد أن تم إزهاق أرواحهم بالفعل.
والخلاصة .. أن قضية «سكينة» الإيرانية تماثل تمامًا قضية «كاميليا» المصرية من حيث كونهما تنطويان علي حقوق إنسانية مؤكدة تستخدم في أباطيل مشينة وحروب قذرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.