فرحة عارمة انتابت كل حالم بدخول مصر العصر النووي المصري عقب حسم مؤسسة الرئاسة الجدل المثار منذ 30 عاما حول تنفيذ المشروع النووي المصري علي أرض الضبعة التي تبعد عن مدينة مرسي مطروح نحو 150 كيلو مترا شرقا إلي الإسكندرية. وبعيدا عن أسباب تأخير الإعلان عن اختيار موقع الضبعة مكانا لأول محطة نووية علي الرغم من صدور القرار الجمهوري رقم 305 لسنة 1981 باختيار الضبعة موقع لإنشاء أول محطة نووية بالإضافة إلي إنفاق أكثر من 500 مليون جنيه علي إعداد الدراسات الفنية فإن هناك شبه إجماع بين خبراء الطاقة النووية أن أول إنتاج للطاقة الكهربائية من الضبعة لن يكون قبل 2018. فهل سيخرج إنشاء مجموعة من المحطات النووية في موقع الضبعة بعد 8 سنوات من الآن من أزماتها الحالية في الطاقة وسينقذ الشبكة الكهربائية التي باتت علي وشك الانهيار؟ أم ستعيش مصر علي أضواء الشموع إلي ما بعد 2018؟ بداية توضح بيانات وزارة الكهرباء أن سبب الأزمة الأخيرة التي تعرضت لها الوزارة هو ارتفاع درجات الحرارة يوم 21 يونيو الماضي لتصل إلي 45 درجة مئوية حيث سجل مركز التحكم أحمالا كهربائية تقدر بنحو 22 ألف و700 ميجاوات وهي أعلي نسب تم تسجيلها في تاريخ استخدام الطاقة الكهربائية في مصر. ويلقي مسئولو وزارة الكهرباء اللوم علي ارتفاع درجات الحرارة التي تزيد من استخدام 3 ملايين جهاز تكييف وفقا لإحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء وهو ما يؤدي إلي خروج بعض الكابلات والوحدات من الخدمة وقطع التيار الكهربي لإنقاذ الشبكة من الانهيار. في الوقت نفسه يؤكد خبراء الطاقة أن دول الخليج ترتفع بها درجات الحرارة إلي معدلات لم تشهدها مصر من قبل وعلي الرغم من ذلك تواجه محطاتها زيادة الأحمال بكفاءة ولا يضطر المسئولون هناك إلي قطع الكهرباء لتخفيفها، وهو ما يؤكده عماد حسن رئيس لجنة ترشيد الكهرباء بمجلس الوزراء مضيفا أن بعض المسئولين يخفون فشلهم خلف حجة درجات الحرارة رغم أن السبب الحقيقي هو إهمال المحطات وعدم إجراء عمليات الصيانة الدورية لها. بينما يقول المهندس محمد صلاح خبير كابلات الضغط العالي والمنخفض أن هناك سبباً آخر يؤثر علي الشبكة الكهربائية هو ضعف كابلات التوزيع المنخفض واستخدام مادة عازلة تسمي «BVC» لا تتحمل درجات الحرارة المرتفعة مما يؤدي إلي تلف الكابلات وتأثر الشبكة الكهربائية بالتبعية. وبالنظر لمساهمة المحطات النووية في زيادة إنتاج الشبكة الكهربائية يخرج من حساباتنا مفاعلات الأبحاث الموجودة في أنشاص منذ أكثر من 30 سنة، حيث يقتصر مساهمتها علي إنتاج المواد الطبية حيث ينتج المفاعل البحثي الأول الذي بدأ العمل عام 1961 النظائر المشعة وتبلغ قوته 2 ميجاوات ويعمل باليورانيوم، أما المفاعل البحثي الثاني أرجنتيني التصميم ويعمل بقدرة 22 ميجاوات وينتج حاليا العديد من النظائر المشعة، ومصادر إشعاع جاما اللازمة لتشغيل معدات علاج الأورام، بالإضافة إلي تعقيم المعدات الطبية والأغذية، وينتج المفاعل رقائق السيليكون المستخدمة في الصناعات الإلكترونية الأساسية، ويقوم باختبار سلوك الوقود والمواد الإنشائية للمفاعلات، ويساهم في توفير النظائر المشعة المطلوبة للتطبيقات الطبية والزراعية والصناعية. أما المحطات النووية التي ستساهم بأول إنتاج لها في الشبكة الكهربائية ستبدأ عملها عام 2019 ولن يزيد إجمالي إنتاج المحطة الواحدة عن ألف ميجاوات باستثمارات تصل إلي 7 مليارات جنيه . الدكتور حامد رشدي الرئيس الأسبق لهيئة الطاقة الذرية يؤكد أن أزمة الكهرباء الحالية أزمة إدارة وليست أزمة موارد وتحتاج لإنشاء محطات حرارية وقد وعدت الحكومة بذلك منذ سنوات إلا أن ذلك لم ينفذ. بينما يؤكد الدكتور محمود بركات رئيس الهيئة العربية للطاقة الذرية الأسبق أن المحطات النووية لن تقام بين يوم وليلة حتي يمكن أن تنهي الأزمة الحالية للكهرباء في مصر، وبالتالي علينا أن نلجأ إلي زيادة المحطات الكهربائية التي ستضيف إلي الشبكة إنتاج زائد يمكنه مواجهة الأحمال. ويطالب الدكتور هشام فؤاد رئيس هيئة الطاقة الذرية الأسبق بضرورة استغلال المصادر الطبيعية في إنتاج الطاقة بالتوازي مع إنشاء المحطات النووية التي ستأخذ عدة سنوات لمواجهة أزمة الكهرباء الحالية وذلك من خلال الإسراع في إنتاج حوالي 300 ميجاوات من الرياح في الزعفرانة والاهتمام بالطاقة الشمسية. بينما يؤكد الدكتور محمد أشرف البيومي أستاذ الكيمياء الطبيعية بجامعة الإسكندرية في ورقة بحثية له عن البرنامج النووي المصري أنه لا يوجد تمييز بين نسبة مساهمة الطاقة الكهربائية المنتجة نوويا ونسبتها في الطاقة بأنواعها كما كثر الحديث عن حاجتنا الملحة للطاقة الكهربائية دون التنويه عن برنامج التنمية والتصنيع الذي يحتاج هذه الطاقة ودون التساؤل عن نوعية استخدامنا للطاقة المتاحة حاليا . ويتساءل كذلك البيومي عن سبب تصدير البترول والغاز الطبيعي اللذين يعدان ثروة قومية في الوقت الذي نحتاجة فيه لإدارة محطاتنا الكهربائية، وهناك دراسات مستقبلية تخطط لاستخدام الطاقة المستديمة بما فيها الطاقة الشمسية في غرب إنجلترا والتي تأخذ في الحسبان مشاكل التغيرات البيئية والمشاركة الاجتماعية. أليس الجدير بنا أن نسترشد بهذه التقارير ونصدر تقريراً مصريا يعبر عن واقعنا ويعتمد علي مناقشات متأنية واسعة؟ وهو ما يجعل التفاؤل بقدوم المحطات النووية علي أرض الضبعة مبكراً لبقاء أزمة الكهرباء الحالية و استمرار تعايش المصريين علي الشموع في ظل شبكة كهربائية مهددة بالانهيار والتزايد المتوقع للطلب علي الكهرباء يصل كما توضح تقديرات البنك الدولي إلي 15%.