كنت أعتقد أنه يحب عمله . وفي زماننا أصبح حب العمل نادرًا . بل كنت أعتقد أنه سيكون قادرًا علي تطويره . ولم لا .. أي موهوب محب قادر علي أن يضيف جزءًا من موهبته وحبه علي عمله مهما كان . اتكلم عن جامع المخلفات . هكذا يسمي نفسه .. يطرق الباب فأسألٍ من الداخل «من »؟ .. فيجيب: المخلفات. في المرة الأولي لم أفهم . فتحت الباب فوجدت أمامي شابا صغيرًا مهندمًا نظيفًا مبتسمًا ابتسامة عريضة، قلت له: «أيوه»، فكرر: «المخلفات»... لاحظ انني مازلت لا أفهم فأعادها:«أنا اللي باجمع المخلفات». وقعت عيني علي القفة الراقدة علي الأرض ممتلئة بالزبالة ففهمت أنه الزبّال، بعدما اعتدت علي تسميته لمهنته، وعلي مظهره النظيف، وإن كنت أسال نفسي رغم مرور السنوات كيف يتمكن من المحافظة علي نظافته وسط هذا الكم من المخلفات . أراقبه أحيانًا وهو يرصها في القفة أو في السيارة.. فأجده لا يختلف عن زملائه. تجرأت مرة وسألته «إنت بتحب مهنتك يا وائل؟! قال: «طبعا لأ» اندهشت: «غريبة كنت فاكرة أنك بتحبها». قال: «إزاي الواحد يحب مهنة بتخلي صاحبها دايما ع الهامش، في الأول أو الآخر أنا إيه؟ زبال !! صح ؟ في حد في البلد كلها بيحترم الزبّال ؟! فيه زبّال له قيمة؟حتي المعلم اللي عنده 3 عربيات ومِشَغَل عُمال وبيكسب كويس برضه في الآخر هو زبّال» قلت: «طيب ليه اشتغلتها ؟» قال: هي مهنة أبويا في الأصل وأنا كنت باساعده، أخدت الدبلوم ودورت علي شغل مالقتش، قلت أحسن من القاعدة.. لكن طبعًا نفسي اشتغل شغلانة عليها القيمة» سألته: «موظف مثلاً؟» قال: «لأ..طبعا» قلت: «سواق ؟» قال: «هو برضه السواق شغلته عليها القيمة» دخل وائل في الشهر حوالي 700 جنيه وهو يعمل من الثانية ظهرًا حتي الثانية عشرة ليلاً، عمره 22سنة، يحترف هذا العمل منذ اربع سنوات وحاصل علي دبلوم تجارة. يعتقد وائل أنه لو كان ابن أسرة إمكانيتها المادية أكبر وحظها من التعليم اكثر، لكان حصل علي تعليم أرقي وأصبح له مكانًا أفضل في المجتمع . الآن هو يرفض الاستمرار في هذا العمل لكن لايعرف بديلاً. سألته: «يمكن ما بتحبش شغلك لأنك بتتعرض بسببه لروائح وقاذورات؟». قال: «لأ مش هي دي القصة.. المهم القيمة» ربما يكون وائل علي حق لا أحد يحب أن يعمل زبالاً. لكنه دمر صورة مثالية رسمتها في خيالي علي مدار الأيام لزبّال سعيد يحب مهنته ويفكر في تطويرها، وينوي تغيير رؤية الناس النمطية لصورته، وبنيت هذا كله علي كلمة المخلفات . والحوار البسيط جعلني اكتشف أن سبب استخدامه الكلمة العكس تمامًا.