رغم أنني لست أحد المنتمين ولا المتعاطفين مع جماعة الإخوان المسلمين، فإنني لي أصدقاء من المتعاطفين معها.. صحيح أنهم ليسوا أعضاءً في الجماعة، لكنهم متعاطفون ومؤمنون بأغلب أفكارها، مثلهم في ذلك مثل عدد ضخم من المصريين.. بعض من أمهاتنا وآبائنا وأخواتنا يتعاطفون فعلا مع أفكار الجماعة ويطبقونها بحذافيرها في تعاملاتهم اليومية، لكني فعلا تعاطفت مع الجماعة بعد عرض مسلسل «الجماعة»! المسلسل الذي هاجمه الإخوان، ودافع عنه كاتبه باستماتة لها ما يبررها، فالرجل محارب شرس لطيور الظلام عموماً وله منطقه المحترم في العداء معهم وحقه علينا أن نقدره كل التقدير علي نضاله من أجل التنوير ووقوفه بمنتهي الشجاعة أمام محاولات تسييس الدين. المهم أن التليفزيون الرسمي وغير الرسمي أفرد له أهم أوقات البث، يعد واحدًا من أهم أسلحة الإخوان المسلمين لاجتذاب مزيد من المتعاطفين، بل الراغبين في الانتماء إليها فعليًا، فهذه المساحة التي أتيحت لهم لعرض أفكارهم، وللهجوم عليها في المسلسل، لم تكن لتتوفر لهم في أحد برامج التوك شو اليومية التي يسيطر الأمن علي أغلبها سيطرة شبه تامة، ويمنع في الغالب من استضافة أعضائها فيها، بل إننا لا يمكن أن نشاهد أحد أعضاء الجماعة ضيفًا مثلا علي برنامج «مصر النهاردة» الذي ينتجه التليفزيون الرسمي. والأسباب التي تجعل مسلسل الجماعة أهم أسلحة الإخوان لاجتذاب المتعاطفين والأعضاء الجدد كثيرة وأهمها: أولا: لأول مرة يتمكن الناس من مشاهدة أعضاء الجماعة والمنتمين لها أمام أعينهم.. يعرضون رؤاهم ويطرحون أفكارهم، حتي لو تم عرضها في إطار من الانتقاد الأقرب للهجوم عليهم، لكن في النهاية هناك مساحة ذهبية لطرح رؤاهم وأساليبهم، بل إنهم جماعة شفافة جدا وتدرك حجمها وحجم أهميتها دون ضجيج، حتي إن عبد العزيز مخيون يقول في إحدي الحلقات لضابط أمن الدولة: والله انتوا بتكبرونا علي الفاضي! ما هذا التواضع والصدق الذي يميز أعضاء الجماعة.. فهكذا فهمت الجملة وهذا هو انطباعي عنها. ثانيا: إظهار ضباط أمن الدولة بكل هذا الود والحنان والذكاء والألمعية والشياكة والعلم والثقافة، يكشف زيف المسلسل في نقل الواقع الذي يشاهده الناس بأم أعينهم، وبأم «قفاهم»، ولو حدث - وهذا نادر جدا- أن توافر في أحد ضباط المباحث واحدة من هذه الصفات، فبالتأكيد ستكون باقي الصفات معدومة لديه. ثالثا: الأب «صلاح عبدالله» الذي خاف علي ابنه المنتمي للجماعة، والذي شارك في عرض طلاب الإخوان في جامعة الأزهر، حتي إنه ذهب إلي مرشد الإخوان «سامي مغاوري» ليعاتبه علي اشتراك ابنه في هذا العرض، ويشكو له من ابنه الذي خيب أمله.. كان أبا جبانا مستفزا، وكان رد المرشد العام للإخوان المسلمين عليه في المسلسل في غاية الحكمة والرصانة والاحترام، عندما قال له إن ابنك لم يرتكب جريمة، وإنه مسجون في قضية رأي، وإن من يستحق السجن هم من ينشرون الفساد، وليس طالبا مؤمنا بفكرة معينة ويرغب في نشرها.. كل هذا يجعلنا نصفق للمرشد العام للإخوان، ونعاتب ونلوم الرجل الذي يخاف علي ابنه من توجهه السياسي.. ألسنا ننادي ليل نهار بأن نثقف أبناءنا سياسيا ونترك لهم حرية اختيار التيار السياسي الذي ينتمون له، ونربيهم أيضا علي أن يتحملوا نتيجة اختيارهم، وهل يا تري فرح هذا الأب بابنه في المسلسل عندما سأله الأب: لماذا انضممت إلي الإخوان؟، فقال له الابن: لأني انتهازي!!!! رابعاً: ظهرت شخصية حسن البنا في منتهي الجاذبية بممثل مهم «إياد نصار» أضفي عليها كثيراً من الهيبة والوقار. عموما.. ألا تعتبر الأفكار الأربع السابقة مبررًا مهمًا وقويًا لجعل جماعة الإخوان المسلمين ترسل خطاب شكر لأسرة المسلسل، وعلي رأسهم السيناريست وحيد حامد والمخرج محمد ياسين والمنتج كامل أبو علي والتليفزيون المصري ووزير الإعلام، والرقابة التي تسامحت وسمحت بعرض المسلسل علي اعتبار أنه مسلسل ضد «المحظورة»، أقصد ضد جماعة الإخوان المسلمين، فإذًا هو أهم أسلحة الترويج لهم ولفكرهم.. كل هؤلاء قدموا للجماعة أكبر خدمة ممكن أن تقدمها لهم كل الأجهزة الرسمية في الدولة.. خدمة ترويج وتلميع، والدعاية المعتبرة قبل ثلاثة أشهر من موعد انتخابات مجلس الشعب لأعضاء الجماعة. وإياك أشوف جورنال قومي بيقول عليهم «المحظورة» تاني.. إذا كان تليفزيون الدولة ماعملهاش، هتزودوا عليه ليه بقي، فلا توجد جماعة محظورة يتم الاهتمام بها بهذا الشكل، وإلا فإننا نود نتساءل: لماذا هي محظورة طالما أنها مهمة ومؤثرة بهذا الشكل، ولماذا لا يتم السماح لأعضائها بممارسة حقهم السياسي بشكل رسمي، وتحت عين الدولة، طالما أنها بكل ما تراعيه من سرية في عملها السياسي، قد أصبحت بهذا الحجم وهذا التوغل وهذا التأثير في العامة وكثير من الخاصة؟! هذه الأسئلة ستدور بالتأكيد في خلد أغلب من يشاهد المسلسل من غير المتعاطفين مع الجماعة ومن غير المنتمين لها. في فترة قادمة لن أستبعد أن يصبح التليفزيون الرسمي مثل الدبة التي قتلت صاحبها، رغم أن هدفها كان مساعدته ومساندته ودفع الآخرين لكراهية خصمه، فقد يتحمس أحدهم لعمل مسلسل شباب 6أبريل أو عن البرادعي، أو عن أيمن نور بهدف إقناع الناس بأنهم أشرار ويهدفون إلي زعزعة الأمن والاستقرار اللذين ينعم بهما الوطن، فيقرر التليفزيون السماح بعرض العمل الذي سيظهر فيه شباب 6 أبريل كما لو كانوا محترفي مظاهرات وشغب، فيتم سحلهم في الشوارع، وسيظهر أيمن نور في مسلسله ببدلة السجن، وهو يكتب ويهرب مقالاته لينشرها في الصحف، بينما يظهر البرادعي في صورة العالم - كما يرغب الجهلاء في وصفه- الذي يهاجمه كتبة الحكومة لكونه كان خارج مصر ولا يعرف أهلها، وفي هذه الأثناء يطرح الجميع وجهة نظره خلال أحداث كل مسلسل علي حدة، وإن شاء الله التليفزيون يقرر يعمل كده عشان اللي ماعرفش أفكار مجموعة 6 أبريل، وأيمن نور والبرادعي يعرفهم.. كل شيء جايز.. هو فيه حد كان يتصور إنهم يعملوا مسلسل عن «المحظورة» عشان يهاجموها، فينقلب السحر علي الساحر ويتعاطف معها الناس أكثر.. نتمني في الخطة القادمة للتليفزيون أن يقرر إنتاج مسلسلات عن شباب 6 أبريل ونور والبرادعي، فمثل هذه المسلسلات ستفيدهم جدا.