كان محزنًا جدًا أن يغادرنا الشيخ يوسف مبكرًا.. كان محزنًا أيضًا أن نودعه ببساطة شديدة بعد أن كان في المشهد السابق فقط يواصل إطلاق كلماته المضحكة.. كان محزنًا أيضًا أن يكون ذلك الوداع مباشرة، وقبل دقائق قليلة من تحقيق حلمه بأن يكون لديه حفيد من ابنه همام.. عمر الحريري تسبب في أسي بالغ لكل متابعي مسلسل «شيخ العرب همام» الذين سوف يفتقدونه كثيرًا بعدما قرر الرحيل بعد ستة أيام فقط من وجوده بيننا.. مشهد الموت مر هادئًا وبلا ميلودراما مفتعلة، رغم الحزن الطاغي الذي سيطر علي أجوائه، وكان سيده عمر الحريري يتوسط السرير، مرتديا الأبيض، وموصيا ولده الشيخ همام بتغسيله، وهو مازال علي قيد الحياة، دون أن ينسي أن يتحدث عن الناس «إللي عايزة الضرب بالمراكيب»، ثم يختتم المشهد ببراعة، وهو يقول في ضعف، وسكينة: «سامحني يارب»، وينطق بالشهادتين. عمر الحريري مختلف جدا في دور الشيخ يوسف والد شيخ العرب همام مختلف في الحقيقة إلي حد إدهاشنا.. يدخل إلي المشهد دوما فجأة محمولا بين يدي رجلين لعدم قدرته علي السير منفردا، ثم يطلق كلمة من نوعية: «ياولاد المركوب»، ويترك الجميع يضحك، وهو يواصل جديته التي تتشابه كثيرا مع الهزل.. هو عجوز ظريف ومحبوب.. شعره أشعث، وناصع البياض، ضعيف البصر، ذاكرته حاضرة جدا عن نسله، ونسل أجداده، ولسانه سليط لا يكف عن الجميع في كل مجلس يتوسطه مهما كانت أهمية الحديث، ودوما ما يعطي همام نصائح مضحكة لينجب ولدا يحمل اسمهما معا.. لم نكن نعلم أن اللهجة الصعيدية والعباءة سوف تكون ملائمة لعمر الحريري الذي وصل إلي قمة العطاء وهو ينظر بلامبالاة تقريبًا، وعيون شبه مغلقة، ويتكلم عن تاريخ عائلته، وينتقد كل ما تقع عليه عيناه بحكمة لا يمتلكها إلا العجائز، وبأداء لا يمكن أن يخرج إلا من فنان مخضرم مثل الحريري الذي يقترب رصيده الفني من المئة وخمسين عملا في السينما، والمسرح، والتليفزيون، وهو يأتي في «شيخ العرب همام»، ويتوجها بشخصية تستعصي علي النسيان، وتحتاج لأكثر من حديث، الشيخ يوسف.. أمتعتنا كثيرا..نشكرك بامتنان، ونعدك أننا سوف نبقي علي قيد محبتك.