المناسبة عادية.. مجرد افتتاح أحد الكباري لتيسير حركة المرور في شوارع العاصمة، أما التصريح الذي جاء عقب الافتتاح فهو الأهم.. فأمس الأول وعقب افتتاح الرئيس مبارك لمحور صفط اللبن والدنيا رمضان وصيام والمسئولون يتمنون انتهاء الافتتاح سريعا بسبب حرارة الجو..وبينما توقع الحضور خلو التصريحات الرئاسية من أي جديد..لأن المناسبة سبق تكرارها عشرات المرات ويكاد يكون افتتاح الكباري هو أحد أكبر إنجازات الحكم في السنوات الثلاثين الأخيرة..لكن الرئيس مبارك لم يدع تلك الأجواء الرمضانية أن تمر دون أن يطلق تصريحا قويا نقلته عنه جميع الصحف القومية والمستقلة..عندما أعلن أن مياه النيل لن تتخطي الحدود المصرية أو بعبارة أخري لن تذهب إلي إسرائيل. توقيت ومكان التصريح يحتاج بعض التوضيح..أما المكان فكان في حفل افتتاح كوبري في «صحراء» الجيزة وليس فوق مياه «النيل».. أما توقيت التصريح فقد جاء بينما العلاقات الرسمية بين مصر وإسرائيل علي خير ما يرام.. فمنذ أيام حضر إلي القاهرة رئيس الوزراء الإسرائيلي وأعقبه زيارة الرئيس الإسرائيلي..كما أن الصحافة الإسرائيلية تمتدح الرئيس مبارك علي فترات متقطعة.. وعندما قالت كلاما أغضب القاهرة عن صحة الرئيس مبارك.. فإنها امتثلت لطلب مسئولين مصريين بالكف عن ذلك. كنا سنتفهم مغزي تصريحات الرئيس لو كانت العلاقات الرسمية سيئة مع الجانب الإسرائيلي..كما أن تصريحات سابقة للرئيس مبارك أكدت أن مشكلة مياه النيل مع دول الحوض في طريقها للحل.. أي أن الأمور علي ما يرام بين مصر ودول الحوض..وبين مصر وإسرائيل. إذن لابد أن يكون هناك مبررا معقولا يدعو الرئيس مبارك إلي التصريح بما قاله عن أن مياه النيل لن تذهب إلي إسرائيل..مما دفع جميع الصحف المصرية لأن تخرج في اليوم التالي ويكون هذا التصريح هو عنوانها الرئيسي. اعتدنا في مصر ألا نعرف شيئا عما يجري في الكواليس العليا للدولة..وإذا عرفنا فإن مصدرنا هو وسائل الإعلام الأجنبية..لكن الثابت في التصريح الرئاسي الأخير أنه جاء في صيغة موجزة ومباشرة وقاطعة باستحالة انتقال مياه النيل إلي إسرائيل..وحتي يقول الرئيس بذلك فإنه يجب أن يكون هناك موضوع مثار بهذا الشأن بين مصر وإسرائيل..وأن تكون الأخيرة قد طلبت وضغطت علي القاهرة كثيرا لتوصيل مياه النيل إليها..وربما كانت هناك ضغوط دولية من عواصم كبري تدفع في هذا الاتجاه..خاصة أن مصر أوصلت مياه النيل إلي العريش..أي أن مياه النيل عبرت أفريقيا إلي قارة آسيا. ربما زادت الضغوط فكان هذا التصريح الرئاسي الأخير والذي كان مفاجئا لنا كمواطنين من حيث التوقيت والمكان..المؤكد أن هناك قضية مطروحة بين مصر وإسرائيل وأن الأخيرة لن تسكت وستفتح هذا الموضوع باستمرار خاصة أنها تثيره منذ أيام السادات. لكن لماذا لا يعلن لنا الرئيس كل تلك التفاصيل..ولماذا قال هذه التصريحات المقتضبة دون شرح..بينما كنا نأمل منه أن يشرح للشعب ما يجري في تلك القضية الحساسة خاصة أن هناك أزمة قائمة مع دول حوض النيل..وكنا نأمل أن يجيب الرئيس عن أسئلة كثيرة مثارة مثل.. هل تأكدت مصر من عبث إسرائيل بمياه النيل في منابعه..وهل هناك مخطط إسرائيلي هو الذي دفع دول الحوض بالضغط علي مصر خلال الشهور الماضية. شيء ما غامض يجري بين مصر وإسرائيل ودول الحوض دفع الرئيس كي يقول هذا التصريح السريع والموجز والواضح.