تشكيل باريس سان جيرمان لمواجهة نيس في الدوري الفرنسي    وزارة النقل تنعى الدكتور هشام عرفات وزير النقل السابق    الحكومة تكشف تفاصيل جديدة عن وصول 14 مليار دولار من أموال صفقة رأس الحكمة    وكلاء وزارة الرياضة يطالبون بزيادة مخصصات دعم مراكز الشباب    بعد تشغيل محطات جديدة.. رئيس هيئة الأنفاق يكشف أسعار تذاكر المترو - فيديو    أبومازن: اجتياح قوات الاحتلال رفح الفلسطينية كارثة يدفع ثمنها الأبرياء    وزارة النقل تنعى هشام عرفات: ساهم في تنفيذ العديد من المشروعات المهمة    مخاطر الإنترنت العميق، ندوة تثقيفية لكلية الدعوة الإسلامية بحضور قيادات الأزهر    صحفي يحرج جوارديولا ويسأله عن رد فعله لحظة انفراد سون بمرمى مانشستر سيتي    رئيس المعاهد الأزهرية يتفقد بيت شباب 15 مايو لاستقبال طلاب ثانوية غزة    المشدد 7 سنوات لمتهم بهتك عرض طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة بكفر الشيخ    «جوزي الجديد أهو».. أول تعليق من ياسمين عبدالعزيز على ظهورها بفستان زفاف (تفاصيل)    طاقم عمل A MAD MAX SAGA في العرض العالمي بمهرجان كان (فيديو)    «الشعب الجمهوري» يهنئ «القاهرة الإخبارية» لفوزها بجائزة التميز الإعلامي العربي    أمير عيد يكشف ل«الوطن» تفاصيل بطولته لمسلسل «دواعي السفر» (فيديو)    هل الحج بالتقسيط حلال؟.. «دار الإفتاء» توضح    أمين الفتوى يحسم الجدل حول سفر المرأة للحج بدون محرم    خالد الجندي: ربنا أمرنا بطاعة الوالدين فى كل الأحوال عدا الشرك بالله    رئيس جامعة المنصورة يناقش خطة عمل القافلة المتكاملة لحلايب وشلاتين    يكفلها الدستور ويضمنها القضاء.. الحقوق القانونية والجنائية لذوي الإعاقة    "الزراعة" و"البترول" يتابعان المشروعات التنموية المشتركة في وادي فيران    الكويت تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الاحتلال الإسرائيلي للامتثال إلى قرارات الشرعية الدولية    محافظ مطروح: ندعم جهود نقابة الأطباء لتطوير منظومة الصحة    زياد السيسي يكشف كواليس تتويجه بذهبية الجائزة الكبرى لسلاح السيف    بث مباشر مباراة بيراميدز وسيراميكا بالدوري المصري لحظة بلحظة | التشكيل    رغم تصدر ال"السرب".. "شقو" يقترب من 70 مليون جنية إيرادات    جامعة قناة السويس ضمن أفضل 400 جامعة دولياً في تصنيف تايمز    الطاهري: القضية الفلسطينية حاضرة في القمة العربية بعدما حصدت زخما بالأمم المتحدة    إصابة 4 مواطنين في مشاجرة بين عائلتين بالفيوم    رجال أعمال الإسكندرية تتفق مع وزارة الهجرة على إقامة شراكة لمواجهة الهجرة غير الشرعية    مدعومة من إحدى الدول.. الأردن يعلن إحباط محاولة تهريب أسلحة من ميليشيات للمملكة    الزراعة: زيادة المساحات المخصصة لمحصول القطن ل130 ألف فدان    فرحة وترقب: استعدادات المسلمين لاستقبال عيد الأضحى 2024    إصابة عامل صيانة إثر سقوطه داخل مصعد بالدقهلية    «تضامن النواب» توافق على موازنة مديريات التضامن الاجتماعي وتصدر 7 توصيات    الحكومة توافق على ترميم مسجدي جوهر اللالا ومسجد قانيباي الرماح بالقاهرة    ماذا قال مدير دار نشر السيفير عن مستوى الأبحاث المصرية؟    أبرزها «الأسد» و«الميزان».. 4 أبراج لا تتحمل الوحدة    مفتي الجمهورية من منتدى كايسيد: الإسلام يعظم المشتركات بين الأديان والتعايش السلمي    تحديد نسبة لاستقدام الأطباء الأجانب.. أبرز تعديلات قانون المنشآت الصحية    صور.. كريم قاسم من كواليس تصوير "ولاد رزق 3"    إسرائيل تتحدى العالم بحرب مأساوية في رفح الفلسطينية    أمين الفتوى: الصلاة النورانية لها قوة كبيرة فى زيادة البركة والرزق    الصحة: تقديم الخدمات الطبية ل898 ألف مريض بمستشفيات الحميات    حكم وشروط الأضحية.. الإفتاء توضح: لا بد أن تبلغ سن الذبح    للنهائى الأفريقي فوائد أخرى.. مصطفى شوبير يستهدف المنتخب من بوابة الترجى    قطع الكهرباء عن عدة مناطق بمدينة بنها الجمعة    "النقد الدولي" يوافق على قروض لدعم اقتصاد غينيا بيساو والرأس الأخضر    «الأمن الاقتصادي»: ضبط 13238 قضية سرقة تيار كهربائي ومخالفة لشروط التعاقد    الصحة تشارك في اليوم التثقيفي لأنيميا البحر المتوسط الخامس والعشرين    ضبط 123 قضية مخدرات في حملة بالدقهلية    أحمد مجدي: السيطرة على غرفة خلع ملابس غزل المحلة وراء العودة للممتاز    بعد الصين.. بوتين يزور فيتنام قريبا    تشاهدون اليوم.. نهائي كأس إيطاليا وبيراميدز يستضيف سيراميكا    وزارة العمل: 945 فرصة عمل لمدرسين وممرضات فى 13 محافظة    قيادي ب«حماس»: مصر بذلت جهودا مشكورة في المفاوضات ونخوض حرب تحرير    بشرى سارة للجميع | عدد الاجازات في مصر وموعد عيد الأضحى المبارك 2024 في العالم العربي    ريال مدريد يكتسح ألافيس بخماسية نظيفة في ليلة الاحتفال بالليجا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد طه النقر يكتب: الأمن القومي المصري في خطر كبير.. فماذا نحن فاعلون؟!
نشر في الدستور الأصلي يوم 01 - 08 - 2010

ماذا يعني الأمن القومي لمصر؟.. قبل الإجابة عن هذا السؤال الحيوي يجب تعريف الأمن بشكل عام أولا.. يقول هنري كيسنجر - مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق وأشهر مَن تولي هذا المنصب الاستراتيجي في البيت الأبيض - إن «الأمن القومي هو أي تصرفات يسعي المجتمع عن طريقها إلي حفظ حقه في البقاء».. ويري كثير من الخبراء أن فهم الأمن علي أنه موضوع الدفاع العسكري داخليا وخارجيا هو أمر سطحي وضيق، لأن الأمن العسكري مفهوم ضيق لمسألة الأمن الكبري، فهناك الكثير من الجوانب غير العسكرية المرتبطة ارتباطا وثيقا بمسألة الأمن القومي ومنها مسألة الأمن الغذائي والاقتصادي، ومسألة المياه علي رأس تلك الجوانب..
وهنا نأتي إلي لُب الموضوع أو مربط الفرس كما يقولون وهو أن الأمن القومي هو حفظ الحق في البقاء فضلا عن الارتباط الوثيق بين الأمن القومي والأمن المائي والغذائي.. وبما أنه لا بقاء ولا حياة لمصر والمصريين إلا بضمان التدفق الدائم وغير المنقوص لحصتنا التاريخية في مياه النهر، بل محاولة زيادتها بشتي السبل الممكنة نظرا لتزايد احتياجاتنا من المياه سواء لاستخدامها في الزراعة أو في الأغراض الحياتية والاقتصادية الأخري، تصبح مهمة حماية مياه النيل والدفاع عنها جزءا لا يتجزأ من الأمن القومي، ومعركة حياة أو موت..
وقد أسهبتُ في مقال سابق بالعدد الأسبوعي بتاريخ 30 يونيو الماضي في شرح ضرورة حماية النهر ووقف العدوان عليه في الداخل قبل نقل جهودنا إلي خارج الحدود حتي نقنع الآخرين بجديتنا وإصرارنا علي الذهاب إلي أبعد مما يتصور الكثيرون دفاعا عن حقنا في الحياة والوجود.. والحديث عن النيل يبدأ بالحقائق الأساسية عن النهر (والتي يجهلها معظمنا إلي حد مخجل للأسف الشديد بسبب نظام التعليم المختل وإعلامنا الرسمي المتخلف!!) التي تقول إنه يقع في الشمال الشرقي من قارة أفريقيا ويقطع مجراه الرئيسي رحلة طويلة عبر أراضي السودان ومصر ليصب في البحر المتوسط.. ويبلغ طول النيل 6695 كيلومترا وهو أطول أنهار العالم.. ويغطي حوض النيل مساحة 3.4 مليون كيلومتر مربع، ويمر بعشر دول أفريقية يطلق عليها دول حوض النيل وهي أوغندا، إثيوبيا، إريتريا، الكونغو الديمقراطية، بوروندي ،تنزانيا، رواندا، كينيا، السودان ومصر.. وللنيل رافدان رئيسيان هما النيل الأبيض وينبع من بحيرة فكتوريا في قلب القارة السمراء، والنيل الأزرق وينبع من بحيرة تانا في الهضبة الإثيوبية.. وينقل النيل الازرق 85% من مياه النيل، بينما تأتي بقية إيراد النهر عبر النيل الأبيض.. ومن هنا تتضح الأهمية البالغة لإثيوبيا والعلاقات معها لضمان تدفق حصة مصر من مياه النهر البالغة 5 و55 مليار متر مكعب سنويا وحصة السودان البالغة 5 و18 مليار متر مكعب سنويا.. وتجدر الإشارة إلي أن حصة مصر والسودان من إيراد النهر تم تحديدهما بناء علي اتفاقيتي 1929 و1959.. والاتفاقية الأخيرة تم توقيعها عندما كان عدد سكان مصر 20 مليون نسمهة.. وذلك يعني أننا نحتاج الآن إلي أربعة أمثال هذه الحصة لأن عدد سكان مصر صار 80 مليونا.. أي أربعة أمثال عددنا عام 1959!!.. ولابد أن الأشقاء في السودان يحتاجون بالمثل إلي مضاعفة نصيبهم من مياه النهر.. وتلك نقطة جوهرية في غاية الأهمية يجب أن تنطلق منها كل جهودنا ومقارباتنا المستقبلية لإدارة موارد النهر مع الأشقاء في دول حوض النيل في إطار استراتيجية شاملة متكاملة تُلقي بأخطاء ومرارات الماضي خلف ظهرها وتبدأ صفحة جديدة تقوم فيها العلاقات علي المصالح المشتركة دون أي محاولة للابتزاز أو لي الأذرع أو فرض شروط مسبقة..
ويتعين وضع الاستراتيجية الجديدة بالتنسيق التام بين مصر والسودان أولا ثم بالتفاهم مع دول الحوض الأخري.. وفيما يتعلق بالسودان علينا أن نضع في الاعتبار مسألتين حيويتين.. الأولي أن السودان هو بوابة مصر ومدخلها الطبيعي إلي أفريقيا بحكم الجغرافيا والتاريخ.. وهو امتداد مصر الطبيعي وجزء لا يتجزأ من أمنها القومي.. وعند التواصل مع الأشقاء في جنوب الوادي يجب الحرص علي أن تكون جميع مكونات المشهد السوداني وأطيافه السياسية في الصورة (حكومة الجنوب والمعارضة الشمالية بالذات).. والثانية أن السودان ليس دولة مصب فقط كما يحاول البعض تصويره، ولكنه دولة منبع أيضا لأن كميات كبيرة من إيراد النهر تأتي من الأمطار الغزيرة التي تهطل علي الأراضي السودانية الشاسعة.. وذلك يؤكد محورية ومركزية وصعوبة الرقم السوداني في معادلة إدارة موارد النهر.. وهنا يجب أن نتنبه إلي متغير جوهري سيطرأ علي خريطة حوض النيل إذا قامت دولة مستقلة جديدة في جنوب السودان، وهو احتمال وارد بقوة، بل شبه مؤكد لأن الولايات المتحدة لا تفوت أي فرصة لتأكيد تأييدها الصريح لقيام دولة مستقلة في جنوب السودان دون انتظار نتيجة استفتاء تقرير المصير المقرر إجراؤه في يناير المقبل بما يعنيه ذلك من مصادرة لإرادة الجنوبيين وعدم احترام قواعد الديمقراطية التي تصدع واشنطن رءوسنا بها ليل نهار!!.. وكانت الإدارة الأمريكية قد أصرت بوقاحة وفجاجة علي إبعاد مصر عن ملف المفاوضات السودانية بين الشمال والجنوب والتي انتهت باتفاقية نيفاشا في كينيا عام 2005، وللأسف الشديد رضخت حكومة الحزب الوطني لهذه الضغوط وانسحبت في خزي نزولا علي إرادة وزيرة الخارجية الأمريكية في ذلك الحين مادلين أولبرايت!!.. يعني ذلك أن دولة جديدة ستولد في حوض النيل وستطالب قطعا بإعادة توزيع مياه النهر.. وهنا تأتي أهمية التنسيق والتعاون مع الأشقاء في جنوب السودان..
ولكن تبقي إثيوبيا هي الرقم الأصعب في هذا الملف.. وترجع أهمية الموقف الإثيوبي ليس فقط لأن 85 % من مياه النيل تأتي من الأراضي الإثيوبية، لكن أيضا لأن أديس أبابا تقود مع أوغندا المعسكر المتشدد المطالب بإعادة تقسيم حصص مياه النيل بشكل عادل وإنهاء ما تسميه «احتكار المصريين» للنهر.. وهناك الكثير من التصريحات العصبية والمُستفزَة أحيانا التي تصدر عن كبار المسئولين في أديس أبابا.. لكنها لا تصل إلي حد القطيعة وإغلاق الباب أمام المفاوضات.. بل إن وزير الموارد المائية الإثيوبي أسفاو دينجامو كان يصر في آخر تصريحات صدرت عنه في الاسبوع قبل الماضي علي الإشارة إلي المصريين والسودانيين بوصف «الأشقاء في مصر والسودان».. وكان ذلك قبل إعلان إنسحاب الخرطوم من مبادرة حوض النيل وهو موقف لا أعرف مدي تأثيره علي المبادرة وما إذا كان هذا الانسحاب قد تم بالتنسيق مع الجانب المصري أو أننا فوجئنا به، كما هي العادة، أو هو، كما ذهب بعض المحللين، رد علي ما وصف بأنه تدخل مصري في شئون الجنوب السوداني!!.. المهم هو أن الموقف الإثيوبي الذي أبقي علي شعرة معاوية وترك الباب موارباً للمزيد من الحوار والأخذ والرد يمكن أن يكون نقطة انطلاق جديدة في هذا الملف الشائك.. وهنا ينبغي قراءة الخريطة الإثيوبية جيداً وإستخدام كل عناصر قوة مصر الناعمة بل والخشنة إذا تطلب الأمر.. ومن حسن الحظ أن لدينا الكثير من الأوراق التي يمكن اللجوء إليها في التعامل مع الجانب الإثيوبي.. فمن المعروف أن 40 % من الشعب الإثيوبي، الذي يبلغ تعداده أكثر من 70 مليون نسمة، مسيحيون تابعون للكنيسة الإرثوذكسية المرتبطة روحانيا بالكنيسة القبطية المصرية.. بل كانت الكنيسة الإثيوبية تابعة للكنيسة المصرية حتي استقلت في منتصف السبعينيات.. ولكن لا يزال لكنيستنا نفوذ روحي علي كنيسة إثيوبيا حيث يتعين مباركة بابا الكنيسة القبطية لرأس الكنيسة الإثيوبية كما أن للكنائس والأديرة المصرية وخاصة الدير المحرق في جبل قسقام بالقوصية في أسيوط ،مكانة وقدسية عالية لدي شعب الكنيسة الإثيوبية.. فحتي إذا حج المسيحي الإثيوبي إلي القدس ،فإنه يؤمن بأنه لن يكون «مُقِدساً» كاملا إلا بالحج إلي دير المحرق!!.. ويمكن استثمار هذا الرصيد الديني والروحي في تعزيز العلاقة مع الشعب الأثيوبي لتكتسب أبعادا أخري تتجاوز روابط الجغرافيا وملف مياه النيل.. أيضا هناك 40 % من أبناء إثيوبيا مسلمون من عرقية الأورومو الذين يمكن للأزهر أن يلعب دورا مهما في التقريب بينهم وبين الشعب المصري عن طريق إرسال البعثات والوعاظ واستقبال أبنائهم للدراسة في المعاهد والكليات الأزهرية.. وهو الدور الذي يمكن أن يلعبه الأزهر في بقية دول حوض النيل وخاصة مع مسلمي أوغندا وتنزانيا.. وهذا المدخل الثقافي الذي يعتمد علي قوة مصر الناعمة يجب أن يستفيد من جهود كل الخبراء بالشئون الأفريقية ونشطاء المجتمع المدني.. وتحضرني بعض الأسماء المعروفة مثل الأستاذ محمد فائق مسئول الشئون الأفريقية في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والذي شهد عصره نفوذًا مصرياً واسعاً، ولن أقول هيمنة لا تنازع علي مصائر القارة الأفريقية.. والدكتور بطرس غإلي الأمين العام السابق للأمم المتحدة والدكتور إبراهيم نصر الدين والأستاذ حلمي شعراوي.. أيضا علينا الاستعانة بالأكاديميين المتخصصين في الثقافات واللغات الأفريقية، وخاصة اللغة الأمهرية التي تتحدث بها إثيوبيا، وقد أسعدني كثيرًا أن يفكر رجل الأعمال الدكتور أحمد بهجت صاحب قنوات دريم في إطلاق قناة باللغة الأمهرية.. فذلك قرار وطني صائب جاء في وقته تماماً وكان يتعين أن يفكر فيه القائمون علي التليفزيون المصري الذين أقاموا «دولة إعلامية» فاشلة لم تنجح حتي في تحسين صورة النظام وحكوماته في الداخل أو الخارج رغم المليارات التي تنفق بغير حساب علي أقمار صناعية ومدن إعلامية وقنوات أرضية وفضائية بلا حصر!!.. كذلك يتعين الاستعانة بالخبراء السودانيين في شئون القارة السمراء والتنسيق معهم علي أعلي المستويات..
وللدبلوماسية دور أساسي في نجاح أي استراتيجية لأي دولة.. ومن نافلة القول التأكيد علي ضرورة حسن اختيار موفدينا إلي الدول الأفريقية عموماً، ودول حوض النيل علي وجه الخصوص.. وأرجو أن نتوقف عن إرسال المغضوب عليهم وغير المؤهلين إلي سفاراتنا في العواصم الأفريقية، مع التركيز علي الملحقين الإعلاميين والثقافيين والشروع في افتتاح مراكز ثقافية مؤهلة جيدا في هذه الدول تتحرر من الروتين الحكومي حتي تنجح في إرساء علاقات عميقة ودائمة بيننا وبين شعوب القارة.. فضلا عن تقديم المساعدات في مجالات الزراعة والري والاقتصاد والتعليم والصحة والتدريب..
وأتصور أن من أهم النقاط التي ينبغي أن تركز عليها استراتيجيتنا الجديدة في العلاقات مع دول المنبع، التعاون المشترك في إدارة وتعظيم موارد النهر ووضع الخطط والمشروعات التي من شأنها تقليل الفاقد من إيراده علي أن تتحمل مصر والدول والهيئات المانحة معظم أو كل تكاليف هذه الخطط والمشروعات.. والمعروف أن إجمإلي إيراد حوض النيل يبلغ نحو 1660 مليار متر مكعب سنوياً ولا يستغل منه سوي ما يتراوح بين 3 و5 % فقط هي إجمإلي كمية المياه التي يحملها النهر.. وهذه الكمية الضئيلة تستخدم معظمها مصر والسودان، لأن مصر تعتمد اعتماداً كاملا ًعلي مياه النيل تقريبا، بينما يعتمد السودان عليها إلي حد كبير حيث لديه كميات كبيرة من الأمطار.. ويجمع كل خبراء المياه علي أنه لو تم إنقاذ ولو حتي نصف هذا الفاقد وتوزيعه علي الدول المتشاطئة فإن نصيب كل دولة سيكفي احتياجاتها الحاضرة والمستقبلية ويزيد.. ومن المشروعات التي يمكن أن نبدأ بها مرحلة جديدة من التعاون المشترك مع دول المنابع، تلك التي تتعلق بالزراعة والري ومشروعات توليد الكهرباء من الطاقة المائية.. وهناك الكثير من الأفكار التي يمكن مناقشتها ومنها علي سبيل المثال توجيه رءوس الأموال المصرية والعربية للاستثمار في مشروعات الزراعة والإنتاج الحيواني وتوليد الكهرباء من خلال إقامة سدود لا تعوق تدفق مياه النهر إلي مصر والسودان، وهو ما سيؤمن حاجات دول حوض النيل جميعها من المواد الغذائية واللحوم والطاقة النظيفة والرخيصة.. ويمكن لمصر أن تبادر بإنشاء أكاديمية حوض النيل لتكنولوجيا الري والهيدروليكا ويكون مقرها في رشيد أو رأس البر عند نهاية رحلة النيل والتقائه بالبحر الأبيض.. وسيكون طلاب هذه الأكاديمية بطبيعة الحال من دول الحوض الذين يتلقون منحاً دراسية تقدمها مصر.. أيضا يمكننا التفكير في إقامة معسكر صيفي سنوي لشباب دول الحوض يتم تنظيمه في رشيد أو رأس البر أيضا.. فعندما يجيء الشباب الذين سيتولون المسئولية في بلادهم يوما ما إلي نقطة نهاية رحلة النهر ويختلطون ويتواصلون مع أقرانهم من المصريين، سيشعرون بأن نهرهم صنع حضارة عظيمة يجب أن يحافظوا عليها.. ولن يخرج علينا أحدهم فيما بعد ليكرر ما ردده رئيس الوزراء الأثيوبي مليس زيناوي عندما قال: «إن المشكلة أن الاخوة المصريين يعتقدون أن نهر النيل ملكهم وحدهم، ولا حق لأحد غيرهم فيه».. والواقع المؤسف أنه محق فيما يقول إلي حد كبير لأننا لم نتعلم في المدارس والجامعات والحياة شيئا يُذكر عن دول حوض النيل وشعوبها أو حتي عن النهر نفسه!!.. وغني عن القول إنه مما يؤكد الحاجة المُلِحة إلي هذه الخطط والمشروعات والأفكار والمبادرات عنصر مهم آخر هو التغيرات المناخية التي تهدد بالجفاف والتصحر القارة الافريقية وعلي رأسها دول حوض النيل..
بقي أن نشير إلي القوي الأجنبية التي بدأت اللعب في المجال الحيوي للأمن القومي المصري والعربي بالعبث في منابع النيل ومحاولة تخريب علاقاتنا مع شعوب دول الحوض.. وبعيدا عن نظرية المؤامرة يجب الاعتراف بأن القوي المعادية لم تذهب إلي هناك إلا لملء فراغ تركناه طائعين وبالتحديد منذ أوائل الثمانينيات بعد توقيع معاهدة السلام مع الكيان الصهيوني، وهي التحول الاستراتيجي الكبير الذي عرض أمن مصر القومي للخطر وأدي إلي تآكل دور مصر ونفوذها الإقليمي والدولي.. فقد أعلنا بسذاجة لا تخلو من العته والعبط أن أكتوبر هي آخر الحروب، وسلمنا بأيدينا كل أوراق صراع وجود لم ينته بعد اإي عدونا الرئيسي وحليفه الاستراتيجي.. وليتهما احترما قرارنا بإلقاء السلاح والانسحاب من التاريخ والجغرافيا، بل شرعا في شن حرب سرية للوقيعة بيننا وبين الاشقاء في حوض النيل بلغت أوجها بل وخرجت إلي العلن مع تولي حكومة يمينية متطرفة الحكم في إسرائيل برئاسة الإرهابي «نتنياهو» وعضوية البلطجي «ليبرمان» الذي كشف عن محورية نهر النيل ومشروعاته في المخططات الصهيونية للسيطرة علي المنطقة.. فقد هدد بوقاحة بقصف السد العإلي وزار أهم وأكبر دول حوض النيل مؤخرا ووقع اتفاقيات معها لمساعدتها في مجالات إدارة المياه» ؟!!.. وواقع الأمر أن إسرائيل تسعي منذ عهد بعيد للهيمنة علي القرن الأفريقي ومنطقة البحيرات الكبري، ونجحت مع أمريكا في اختراق دوائر صنع القرار في إثيوبيا وأوغندا والكونغو ورواندا وبوروندي.. .وفي ظل هذا الاختراق الأمريكي الإسرائيلي ظهرت العديد من المخططات المعادية لمصر ومنها مخطط قديم يقضي بالعمل علي تحويل مجري النيل داخل الأراضي الإثيوبية.. وأجري المكتب الأمريكي لاستصلاح الأراضي بالفعل دراسات خاصة بهذا المشروع، ورغم أنه لم يُنفذ فإنه لا يزال فكرة قائمة.. وهناك كذلك عدد من الدراسات الجاهزة لإقامة سدود علي النيل بإثيوبيا بتمويل من البنك الدولي من شأنها أن تؤثر في حصة مصر من المياه بنسبة 20% سنويا، بل وصل الأمر إلي التفكير في خطة تقضي بتحويل كل مصادر المياه في تلك المنطقة لتصب في البحيرات العظمي وسط القارة كخزان عملاق للمياه، ثم بيع هذه المياه لمن يريد كالبترول تماما، ويمكن كذلك تعبئتها في براميل تحملها السفن أو عن طريق أنابيب لبيعها لدول خارج القارة!!.. ونجح اللاعبون الأجانب في إقناع الأشقاء في دول حوض النيل بأن المياه ثروة طبيعية كالبترول ويجب بيعها للعرب كما يبيعون لهم البترول بأسعار باهظة!!
وليس سرا أن المطامع الإسرائيلية في مياه النيل قديمة قدم المشروع الصهيوني نفسه.. فقد تقدم الصهاينة في بداية القرن الماضي بمشروع إلي اللورد كرومر المندوب السامي البريطاني في مصر لنقل مياه النيل إلي إسرائيل إلا أن ذلك المشروع تم رفضه في حينه.. وفي عام 1974، وضع المهندس الإسرائيلي «إليشع كيلي» مشروعا لجلب المياه لإسرائيل من الدول المجاورة علي أساس أن إسرائيل ستعاني من مشكلة مياه في المستقبل..
ولكن يتعين التأكيد أن إسرائيل وغيرها لهم مصالح يحققونها بالطريقة التي تلائمهم، وعلينا أن نعرف مصالحنا ونسعي لتحقيقها بكل وسائل القوة الناعمة والخشنة.. وعلينا أيضا أن نعرف العدو من الصديق ونحذر جميع اللاعبين الأجانب في حوض النيل من أن الأمن المائي جزء لا يتجزأ من أمننا القومي بل هو جوهر هذا الأمن، وعليه فهو خط أحمر محظور الاقتراب منه.. هذه الرسالة التي يجب ألا تخلو من تهديد ووعيد يتعين أن تصل واضحة وقوية لكل من يحاول الإضرار بمصالحنا بحسن نية أو بسوء نية.. ونعني بهؤلاء إسرائيل وأمريكا والصين والهند ودول الاتحاد الأوروبي.. وبما أن الصين هي المستثمر الأول والأهم في إثيوبيا ودول المنابع حاليا ( وبالذات في مشروعات السدود التي رفضت الهيئات الدولية تمويلها إلا بموافقة جميع دول الحوض) فينبغي تحذيرها بقوة والتلويح بأن دفاعنا عن حقنا في البقاء يمكن أن يصل إلي حد إمكانية الاعتراف بتايوان (الصين الوطنية سابقا) ،بل ودفع الدول العربية والإسلامية إلي اتخاذ هذه الخطوة باعتبار أن أمن مصر والسودان المائي جزء من الأمن القومي العربي..
وإضافة إلي المبادرة لمد يد المساعدة والتعاون للأشقاء في حوض النهر، فإنه يجب التحرك علي المستوي الإقليمي والقاري والدولي في إطار حملة علاقات عامة تؤكد حقوق مصر والسودان التاريخية في مياه النهر بل وتطالب بزيادة حصتهما السنوية طالما أننا نتحدث عن القسمة العادلة لمياه النهر.. فالقسمة العادلة لا يمكن أن تعني أن يموت المصريون والسودانيون عطشا من أجل مشروعات تمنع المياه عنهم وتحتمل النجاح والفشل!!.. وهنا يجب رفع الأمر إلي المنظمات الإقليمية والدولية، إذا فشلت المحاولات الودية ومبادرات التقارب والتعاون ،وأصرت دول المنبع علي اتخاذ خطوات أحادية الجانب وعدائية يمكن أن تلحق الضرر بحصة مصر والسودان من مياه النيل.. فالجامعة العربية لها دور كبير وأصيل في هذا الملف الذي تتوقف عليه حياة مصر والسودان.. والاتحاد الأفريقي معنٍ بهذا الأمر لأن جميع أطراف القضية أعضاء فيه، وهناك اتفاقيات موقعة يعترف فيها الأعضاء بالحدود التي وضعها المستعمرون الأوروبيون وكذلك اتفاقيات المياه المرتبطة بهذه الحدود والتي يعني التنكر لها عدم الاعتراف بالحدود القائمة..
وفيما يتعلق بالاتحاد الافريقي يجب أن نعترف بأننا أهملنا حضور اجتماعات القمة الخاصة به منذ فترة طويلة وسمحنا للعلاقات بيننا وبين أعضاء بارزين فيه ( مثل الجزائر وجنوب أفريقيا) بأن تتدهور أو تفتر في أحسن الأحوال، لأسباب تافهة وغير مفهومة.. .. وهناك دور كذلك للأمم المتحدة لأن المسألة تتعلق بالقانون الدولي الذي يؤيد تماما حقوق مصر والسودان.. وهناك أيضا منظمة اليونسكو المعنية بالدفاع عن التراث الإنساني وبالتإلي عن حماية أعظم حضارة عرفتها الإنسانية والتي يرجع الفضل الأول فيها إلي مياه النيل إلي جانب إبداعات المصريين.. وعليه فإن أي عدوان علي حق مصر والسودان في مياه النهر يجب أن ينظر إليه علي أنه حرب إبادة وجريمة ضد الإنسانية جمعاء..
غير أن الأهم من كل ما سبق هو أن الحقوق الدولية، وحتي الراسخة منها والمعترف بشرعيتها، لا قيمة لها إذا لم تكن وراءها قوة تحميها ( ولنا في حقوق الفلسطينيين والعرب الضائعة مثل وعبرة).. وعليه فإنه ليس من المعقول أو المقبول أن تظل مصر غائبة أو غير فاعلة في محيطها.. بل يجب أن تستيقظ علي الفور وتنفض عن نفسها غبار نحو ثلاثة عقود من الضعف والهوان والاستسلام لأعداء الداخل والخارج.. وتستعيد نفوذها ودورها بقوة علي الصعيدين الإقليمي والدولي.. ففي الداخل، سكتنا طويلا عن زواج محرم بين السلطة والمال مما فتح الباب واسعا أمام نهب البلد وتبديد أصوله وثروته القومية من جانب عصبة من بارونات الفساد الجدد الذين لا يقيمون أي وزن لأرض أو عرض أو أمن قومي.. وأدي إلي ضعضعة الدولة وهو ما انعكس سلبا علي دور مصر وحجمها في الإقليم.. صارت مصر الحاضرة بحجمها الكبير غائبة أو مغيبة عن رسم سياسات المنطقة والتأثير فيها، بل إنها باتت رجل المنطقة المريض المتداعي في زمن نهوض وحضور قوي إقليمية أخري.. ومن الطبيعي، والحال كذلك، أن تتكأكأ علينا الأمم لأننا لم نحافظ علي مجد ومكانة كانت لنا في وقت ليس ببعيد.. وعندما تنهض مصر وتعود إلي حجمها الطبيعي ومكانتها المستحقة سيفكر الأخرون ألف مرة قبل أن يدوسوا لها علي طرف، فما بالك بتهديد أمنها القومي وحقها في البقاء؟!!.
صحيح أن السياسة الخارجية لأي بلد هي انعكاس لأوضاعه الداخلية مما يعني أن أمامنا طريقا طويلا للعودة إلي الساحة الإقليمية والدولية.. وصحيح أيضا أن ما أُطالب به يبدو ضربا من المستحيل في وجود قيادات سياسية في الحزب والحكومة تجاوزت السبعين والثمانين وفقدت القدرة علي الحكم الرشيد والتفكير السليم في المستقبل، ناهيك عن اتخاذ مبادرات جسورة بل ثورية مطلوبة بإلحاح في الداخل والخارج.. إنها «أزمة سلطة شاخت في مقاعدها» كما قال الصحفي الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل عام 1993 وصحيح كذلك أن الكارثة الحقيقية هي أن من يحكمون مصر لا يعرفون قدرها، كما قال المفكر الراحل الدكتور سعيد النجار.. ولكن الأصح من كل ذلك أن مصر الوطن والدولة والأمة والأمن القومي والحاضر والمستقبل في خطر عظيم ،وأخشي أن أقول إنهم عرضة للفناء والزوال، ولن يغفر الله أو التاريخ لكل من يتقاعس بعد الآن ولا يبادر من فوره لإنقاذ وطنه أياً ومهما كان الثمن.. » قُم يامصري.. مصر دايما بتناديك.. قُم لنصري.. نصري دين واجب عليك»..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.