كما هي العادة في مصرنا يخرج المسئول بفكرة أو نظام جديد يطبق علي العباد ويتفضل ببعض العبارات الإنشائية عن أهمية ما سيفعل وكيف سننتقل إلي مصاف الدول المتقدمة بفضل مقترحاته، وبالطبع لا يقبل المناقشة فيما يطرح بل علي الجميع التقبل والتنفيذ، لأننا لا نملك من أمرنا شيئا، من ذلك ما فعله وزير التعليم العالي حينما قرر إلغاء نظام الانتساب الموجه واستبداله بالتعليم المفتوح، وعندما تقرأ تصريحات الوزير المبررة لذلك أعتقد أن أي متخصص سيصاب باليأس من إمكانية تطوير التعليم وسيتأكد من استمرار تدهور التعليم وإليك الدليل علي ذلك. أولا: لتبرير استبدال الانتساب الموجه بالتعليم المفتوح يقرر الوزير ( في حواره مع رفعت فياض بأخبار اليوم 3 / 7 ) أنه لا يوجد أي سند قانوني لنظام الانتساب الموجه وأنهم لا يستطيعون الاستمرار في هذا النوع من التعليم غير المقنن لا من الناحية القانونية أو من ناحية الجودة. عندما تقرأ هذا التبرير الذي من المفترض أنه تبرير سليم ومن مسئول عن التعليم العالي، ألا يجعلك تتشكك في قواك العقلية؟ أيمكن أن نصدق هذا التبرير لأنه من الطبيعي أن نسأل أهكذا فجأة بعد عشرات السنين يتم اكتشاف أن الانتساب الموجه غير قانوني وأين كان الخبراء والقانونيون طوال هذه السنوات، ثم إذا كان هذا النظام غير قانوني فماذا عن شهادته، هل تعتبر شهادة غير مقننة أيضا وعلي ماذا تستند قانونا حيث هناك قاعدة «أن ما بني علي باطل فهو باطل». وإذا كان الانتساب الموجه لا يوجد سند قانوني له فماذا عن البرامج الخاصة التي ابتدعها وزير التعليم العالي وتوسع فيها في العديد من الكليات العملية قبل النظرية والتي ُتقدم مقابل عدة آلاف من الجنيهات للطلاب، ما السند القانوني لها لأنها هي أيضا لا يوجد في القانون ما يبيح تقديمها، أم أنه يكفيها سندا أنها تدر الملايين من الجنيهات. المشكلة أن المسئولين يعتقدون أن الشعب يتمتع بالغباء إلي الدرجة التي تجعلهم يتوهمون أننا نصدق ما يقولون رغم عدم إمكانية تصديقه. ثانيا: مع التوسع في التعليم المفتوح ليشمل كل الجامعات والعديد من الكليات حتي العملية منها، ستصبح الكليات مثل السوبر ماركت، فهناك البرامج الخاصة بعشرة آلاف جنيه وهناك شعب الدراسة باللغة الإنجليزية والفرنسية بثلاثة آلاف جنيه وإذا كنت لا تقدر علي ذلك ومجموعك ضعيف فأمامك التعليم المفتوح بحوالي 1500 جنيه وأخيرا هناك طلاب الانتظام بأقل الأعداد، لأن كل ما سيدفعوه لن يتعدي مائة جنيه وبالتالي سيقل عددهم والحجة جاهزة أن الوزارة تريد الجودة وبالتالي لابد من تقليل أعداد هؤلاء الطلاب الذين لا تستفيد منهم الجامعات، واستمرارا في مسلسل تدمير التعليم العالي ابتدعت الوزارة ما يسمي ببرامج الشراكة لتطبق علي الجامعات التي لا يوجد بها نظام التعليم المفتوح وهي ست جامعات وبمقتضي هذه التخريجة يسجل الطالب من سوهاج مثلا في برامج التعليم المفتوح في جامعة القاهرة أو جامعة عين شمس ويدفع المعلوم ثم يمتحن ويحصل علي شهادته دون أن يذهب للجامعة التي سجل بها، ونتيجة لكل هذه الأشكال من التعليم يكون السؤال: أهذا تعليم أم فوضي؟ ثالثا: ولأن هناك قناعة لدي البعض أن تغيير الاسم سيجعل الآخرين يعتقدون بتغيير الواقع، فلقد قامت الوزارة بإطلاق مسمي (التعليم المفتوح مقنن الجودة) علي ما ستفرضه علي الطلاب من العام الدراسي المقبل، وكأن هذا التغيير في المسمي سيجعل التعليم المفتوح والذي تزايدت الآراء في سلبياته تعليما مختلفا وذا جودة مقننة مادام الوزير قد وصفه بذلك، وعندما سأل رفعت فياض الوزير عن مظاهر هذا التطوير أسهب الوزير هلال في تحديد مظاهر التطوير ومن ذلك أن يكون هناك بنك للأسئلة في المجلس الأعلي للجامعات يتم اختيار الأسئلة منه، والعمل علي تطوير المقررات علي هيئة أجزاء موجودة ومحكمة عالميا ومقننة الجودة ويتم تنفيذها من خلال مسابقة يجريها المجلس الأعلي وستختار كل جامعة ما تريده من هذه الأجزاء وستحضر الوزارة أفضل خبراء عالميين، وسيتم الإذاعة عن طريق التليفزيون والمتابعة علي ( الويب سايت). ولأننا سريعو النسيان فأود التذكير بأن حكاية الإذاعة عن طريق التليفزيون والمتابعة عن طريق الانترنت قد حاولتها الوزارة وجامعاتها عند هوجة إنفلونزا الخنازير وتقليل الأعداد وفشلت، فكيف تتم الآن وعلي نطاق أوسع أم أن الأمر مجرد تطمينات وتصريحات للنشر الإعلامي وتجميل الصورة. ومن أكثر ما قاله الوزير مدعاة للاستغراب ما قاله عن تطوير المقررات بحيث تكون علي هيئة أجزاء محكمة عالميا وتدرس الجامعات من هذه الأجزاء، هناك صعوبة كبيرة في تحقيق ذلك وإذا افترضنا أن هذا ما سيتم فمتي يعلن عن المسابقة ومتي يتم التحكيم عالميا، بينما باقي أقل من شهرين علي بدء الدراسة، هذا من ناحية الشكل والتوقيت، أما من ناحية إمكانية التنفيذ فيثار السؤال: هل ستتحول الدراسة في الجامعات المختلفة إلي تدريس مقررات موحدة كالثانوية العامة، إنني ممن يقولون بأن مستوي الكتب الجامعية قد انهار مما يحتاج إلي مراجعة ولكن ليس بهذه الطريقة الغريبة، ثم ماذا سيفعل الخبراء الأجانب الذين سيحضرون هل سيضعون المناهج والمقررات أم نظم العمل أم أن الأمر مجرد تمرير للنظام الجديد علي أساس أننا نعتقد أن الأجانب يعرفون كل شئ ونحن لا نعرف مثلهم أو ما يسمي بعقدة الخواجة، فالتطوير لا يحتاج لأجانب بل يحتاج إلي إرادة وجدية في تحديد وتنفيذ السياسات. رابعا: ومن المغالطات التي يحاول الوزير هلال تمريرها قوله إن التعليم المفتوح أرخص من الانتساب الموجه، بينما الحقيقة أن الوزارة ألغت الانتساب الموجه واستبدلته بالتعليم المفتوح ليتسني للجامعات الحصول علي موارد ذاتية أكبر في ظل عدم قدرة الدولة علي تخصيص الموارد اللازمة للجامعات وبدلا من مهاجمة الحكومة بأنها قد تخلت عن مجانية التعليم كان الحل في هذه الازدواجية حيث المجانية موجودة ولكن لأعداد قليلة من الطلاب ومن يرد أن يتعلم فليدفع في التعليم المفتوح أو ليذهب إلي الجامعات الخاصة إن كانت لديه الإمكانيات المالية. ولتمرير هذه المغالطة يقول الوزير هلال إن طالب التعليم المفتوح سيدفع مصروفات سنوية 1200 جنيه، بينما في الانتساب الموجه كان يدفع 550 جنيهاً ثم يشتري كتبا تكلفتها 1000 جنيه، وبالطبع فلا توجد في الواقع هذه المبالغة في تكلفة الكتب، حيث معني ذلك أن متوسط سعر الكتاب 100 جنيه وهو ما لم يحدث، حيث تقوم الجامعات بتسعير الكتاب بحوالي 30 جنيهاً، ولكنها مبالغة لزوم تمرير زيادة المصروفات علي الطلاب. وأكرر ما كنت قد كتبته سابقا ( الأهرام 22 مايو ) أن هذه الزيادة في المصاريف توضح عدم مراعاة تدهور الدخل الذي يعاني منه غالبية الشعب فلماذا المزيد من الضغط علي ميزانية أولياء الأمور، ومن أين يأتي الفلاح البسيط أو العامل الذي خرج علي المعاش المبكر بهذه الزيادات في مصاريف تعليم أبنائه أم يكون البديل هو عدم الاستمرار في التعليم. خامسا: الطالب في التعليم المفتوح لن ينتظم في الدراسة إلا بنسبة 25 % فماذا يفعل الشاب خريج الثانوية العامة الذي لا يعمل وهم الغالبية العظمي للطلاب في باقي الوقت، هل سيبقون في منازلهم أو علي القهاوي وهل هذه تنشئة سليمة للطلاب. مما سبق نجد أن سلبيات التعليم المفتوح كثيرة وأن ما يحدث ليس تطويرا للتعليم بل مجرد محاولات لزيادة دخل الجامعات دون الاهتمام بمحتوي التعليم، وأنه في ظل هذه القرارات غير المتسقة ووضع تصورات يصعب تنفيذها لا يمكن أن يكون التعليم المفتوح مجالا حقيقيا للتعليم، بل مجرد وسيلة للحصول علي شهادة دون تعليم حقيقي، ويبقي السؤال: من يسمع ومن يفهم؟