نقيب الأطباء يطالب بتشديد عقوبات الاعتداء على الأطقم الطبية    انطلاق ماراثون امتحانات الفصل الدراسي الثاني بجامعة عين شمس 12 مايو    عقب تدشينه كنيسة العذراء.. البابا تواضروس: مصر في قلب الله    التنمية المحلية: تنفيذ 5 دورات تدريبية بمركز سقارة لرفع كفاءة 159 من العاملين بالمحليات    انطلاق فعاليات الملتقى التوظيفي الأول بجامعة طيبة التكنولوجية بالأقصر غدًا    وزيرة التضامن تشهد عرض المدرسة العربية للسينما والتليفزيون فيلم «نور عيني»    «الصناعات الهندسية»: توافر 35٪؜ من مستلزمات صناعات الكراكات بمصر    غدًا | وزيرة التعاون الدولي تُشارك في فعاليات «يوم مؤسسة التمويل الدولية في مصر»    «الصناعات الغذائية» تبحث تحديات شركات الأسماك المؤهلة للتصدير إلى الاتحاد الأوروبي    التشغيل التجريبي الأربعاء.. وزير النقل يتفقد المرحلة الأولى من السيارات الكهربائية بالعاصمة الإدارية    على مدار 3 سنوات.. الدولة تسترد 2.3 مليون متر مربع أراضي زراعية    منها المهددة بالانقراض.. تفاصيل اليوم العالمي للطيور المهاجرة للبيئة    الاتحاد الأوروبي يبدي استعداده لدراسة الاستفادة من مياه الصرف الصناعي المعالجة في مصر    جيهان مديح ل«إكسترا نيوز»: لا يوجد دولة قدمت ما قدمته مصر لدعم غزة    مرحلة أولى.. مطار العريش يستقبل أول طائرة مساعدات مصرية لأهالي غزة - صور    حارس نهصة بركان: سنواجه فريقا متمرسا في إفريقيا.. والنهائيات تعتمد على تفاصيل صغيرة    تشكيل مانشستر سيتي – تغيير وحيد في مواجهة فولام    نتائج منافسات الرجال في اليوم الثاني من بطولة «CIB» العالم للإسكواش 2024 المقامة بنادي بالم هيلز الرياضي    محافظ الشرقية يهنئ فريق هوكي الرجال بالفوز بالدوري الممتاز للمرة ال33    الداخلية تستعرض جهود تحقيق الأمن ومواجهة أشكال الخروج عن القانون    «الأرصاد» تكشف تفاصيل طقس اليوم: أجواء ربيعية حارة في النهار    محامي شقيقين بقضية مقتل 3 مصريين بقطر يطلب 10 مليون تعويض    وزيرة التضامن: 171 مشرفًا لحج الجمعيات.. «استخدام التكنولوجيا والرقمنة»    بسبب أحمد السقا.. هشام ماجد ثالثًا في شباك تذاكر أفلام السينما ما القصة؟    المفتي يحسم الجدل بشأن حكم إيداع الأموال في البنوك    «صفاقة لا حدود لها».. يوسف زيدان عن أنباء غلق مؤسسة تكوين: لا تنوي الدخول في مهاترات    مركز السموم الإكلينيكية يحذر من تناول أدوية دون إشراف طبي    حسام موافي يعود للنصائح الغذائية بعد أزمة صورة تقبيل يد محمد أبو العينين    معسكر مغلق لمنتخب الشاطئية استعدادًا لكأس الأمم الأفريقية    تداول أسئلة امتحان الكيمياء للصف الأول الثانوي الخاصة ب3 إدارات في محافظة الدقهلية    جدول ترتيب الدوري الإنجليزي قبل مباريات اليوم.. فرصة مانشستر سيتي الذهبية للصدارة    اللجنة العليا لمهرجان المسرح المصري تجتمع لمناقشة تفاصيل الدورة ال 17 (صور)    بعد وصفه ل«الموظفين» ب«لعنة مصر».. كيف رد مستخدمي «السوشيال ميديا» على عمرو أديب؟    ما حقيقة فيديو باسم سمرة مع إنجي علي في برنامج «أسرار النجوم»؟    ضرب الشحات «قلمين».. اعلامية تكشف شروط الشيبي للتنازل عن قضيته (فيديو)    السفير المصري يلتقي وزير الخارجية بجنوب السودان    فيديو.. متحدث الأونروا يروي تفاصيل اعتداء مستوطنين متطرفين على مقر الوكالة بالقدس    وزيرة الهجرة توضح آخر مستجدات مبادرة السيارات    رئيس هيئة الرعاية الصحية يتفقد المستشفيات والوحدات الصحية بالأقصر    جهاز المنصورة الجديدة: بيع 7 محال تجارية بجلسة مزاد علني    توريد 164 ألفا و870 طن قمح بكفر الشيخ حتى الآن    شروط وأحكام حج الغير وفقًا لدار الإفتاء المصرية    مصرع مهندس في حادث تصادم مروع على كورنيش النيل ببني سويف    توقعات موعد عيد الأضحى 2024 في الجزائر: شغف وترقب    لهذا السبب.. بسمة بوسيل تتصدر تريند "جوجل"    صحة أسيوط: إحالة 7 أطباء ورئيسة تمريض للتحقيقات العاجلة    "لا يتمتع بأي صفة شرعية".. الإمارات تهاجم نتنياهو بسبب تصريحاته الأخيرة    «الصحة»: نتعاون مع معهد جوستاف روسي الفرنسي لإحداث ثورة في علاج السرطان    حادثة عصام صاصا على الدائري: تفاصيل الحادث والتطورات القانونية وظهوره الأخير في حفل بدبي    الشيبي يهدد لجنة الانضباط: هضرب الشحات قلمين الماتش الجاي    كرم جبر: أمريكا دولة متخبطة ولم تذرف دمعة واحدة للمذابح التي يقوم بها نتنياهو    مجلس الأمن يدعو إلى إجراء تحقيق مستقل وفوري في المقابر الجماعية المكتشفة بغزة    عمرو دياب يحيى حفلا غنائيا فى بيروت 15 يونيو    طائرات الاحتلال الإسرائيلي تقصف منزلًا في شارع القصاصيب بجباليا شمال قطاع غزة    حظك اليوم وتوقعات الأبراج السبت 11 مايو على الصعيد المهنى والعاطفى والصحى    هل يجوز للمرأة وضع المكياج عند خروجها من المنزل؟ أمين الفتوى بجيب    رسائل تهنئة عيد الأضحى مكتوبة 2024 للحبيب والصديق والمدير    هل يشترط وقوع لفظ الطلاق في الزواج العرفي؟.. محام يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبوزيد:من يقل إن الإسلام انتشر بالسيف يرتكب مغالطة فالنبي لم يرفع سيفاً بل دعا للإيمان
نشر في الدستور الأصلي يوم 18 - 07 - 2010

مثل أي مثقف يحترم نفسه قرر الروائي رءوف مسعد أن يقدم نموذجاً للحوار العقلاني المحترم الذي لا أثر فيه لمحاكم التفتيش، ولا تاريخ صلاحية لأفكاره التي لا تنفي ولا تستحدث من عدم، ولا مكان للتعصب بين سطوره، ليعرف ابنه المقيم في هولندا علي الإسلام، الذي طالما سمع عنه الابن من أصدقائه قصصاً وحكايات تخيفه أكثر مما تحببه في هذا الدين، وهكذا أجري حواراً زاد علي العشرين ساعة مع د.نصر حامد أبوزيد واضعاً فيه كل الفخاخ والاتهامات التي يكيلها الغرب للإسلام من جهة، والتي يسيء بها الأصوليون والمتشددون للإسلام من جهة أخري ليقدم للقارئ العربي شهادة منصفة ومختلفة عن الإسلام من المفكر الذي ظلموه حيا وميتاً، وهي الشهادة التي لم تجد مكاناً لها في دور النشر المصرية التي تتهافت الآن علي أعمال د.نصر حامد أبوزيد لسنوات لدرجة أنها نشرت في إحدي دور النشر المغربية ولم تلق الشهرة أو الاحتفاء الذي يليق بها وبأصحابها.
«الدستور» تنشر هذه الشهادات للباحثين عن الحقيقة
السيف أصدق أنباء
يقول الكاتب: هناك بيت شعر عربي قديم يقول:
«السيف أصدق أنباء من الكتب.. في حده الحد بين الجد واللعب»
أي أن أخبار الحرب وما حدث فيها تحمل صدقا أكثر مما في الكتب!
من أكثر القضايا الداعية إلي النقاش هو موضوع «انتشار الإسلام» خارج منطقته في شبه الجزيرة العربية.. فالعديد من المؤرخين في الدول الإسلامية يطلقون علي حركة الجيوش العربية «الفتح الإسلامي- العربي» وليس الغزو، مستندين إلي الآية الأولي من سورة الفتح وأيضا سورة النصر في القرآن.
ففي بداية القرن السابع كانت منطقة الشرق الأدني ومنطقة الشرق الأوسط مقسمتين بين الإمبراطوريتين المتنافستين: البيزنطية والفارسية( الإيرانية ).
إن تاريخ القرون الثلاثة السابقة علي ظهور الإسلام، كانت قرون صراعات وحروب بينهما، فالإمبراطورية البيزنطية وعاصمتها «القسطنطينية» كانت يونانية مسيحية، تمتد ذراعها الطويلة عبر سهل أناطوليا ليصل حتي سوريا ومصر.
وكانت الإمبراطورية الفارسية قلبها يتركز في إيران وثقافتها آسيوية، الدين الرسمي هو الزرادشتية، لكن تكوينها الأساسي كان أكثر ضعفاً من البيزنطية.
ما بين أعوام 602 و628 حاربت الإمبراطوريتان آخر حروبهما التنافسية فيما بينهما.
وبعد وفاة الرسول في الثامن من يونيو عام 632 نجد أن الخليفة الأول «أبو بكر» يرسل بعد سنة واحدة من حكمه حملة عسكرية إلي سوريا التي تم الاستيلاء، نهائياً، عليها عام 636.
ثم تحرك الجيش العربي الإسلامي باتجاه العريش ( علي حدود مصر الشرقية ) في ديسمبر عام 639و وتمت هزيمة الحامية الرئيسية الرومانية عام 640.
.. ومن مصر توجهت الجيوش غرباً لتغزو شمال أفريقيا، وعام 710 هبطوا إسبانيا.
أوردت هذه التواريخ لأبرهن علي السرعة الهائلة التي تأسست بها الإمبراطورية ما بين أعوام انتصار الرسول علي جيوش مكة عام 630 والدخول إلي الأراضي الإسبانية عام 710.
فقبل وفاة الرسول كانت الدولة الإسلامية تأسست في شبه الجزيرة وأصبح الدين الإسلامي «كله لله» كما جاء في القرآن.
فقد انتشر الإسلام في أنحاء شبه الجزيرة العربية، نتيجة لتحالفات الرسول مع قبائل معينة، ونتيجة انتصاراته العسكرية المتعددة .
بعد وفاته، بدأ الخلفاء في تحريك جيوش القبائل التي توحدت للمرة الأولي تحت راية واحدة لتحقيق هدفين: الأول نشر الإسلام، والثاني هو التوسع الجغرافي والاستيطان والحصول علي الغنائم.
يعترض أبوزيد علي صيغة السؤال وعلي فحواه..
هل كان السيف هو الوسيلة لنشر الإسلام؟
رد أبوزيد: أنا لا أوافق علي هذا الرأي، (الغزو العسكري في مجمله) الدعوة -دعوة الناس للدين- جزء من تاريخ الأديان، نجد( ذلك ) في تاريخ المسيحية، حيث خرج الحواريون يدعون الناس للمسيحية، محمد حينما بعث برسائله التي تتحدث عنها لم يكن يهدد أو يرفع سيفاً، بل كان يدعو إلي الإيمان، أي دين في بنيته الأساسية هو دين تبشيري، حتي لو لم يكن دعاة هذا الدين يبشرون به علي نطاق عالمي. دعني أؤكد ما يلي:
إن الإسلام نتاج منظومة اجتماعية سياسية عالية، أنا لا أنفي البعد السياسي عن الإسلام، لا يوجد دين ليست به سياسة، فالمسيح يقول: أنا لم آت بالسلام بل جئت بالسيف (إنجيل لوقا ). هل يمكن تفسير هذا بأن دعوة المسيح كانت بالأساس دعوة سياسية؟ ليس هناك دين يطلب من الناس أن يعبدوا الله في الكهوف، بل كل دين بما في ذلك الأديان «الأرضية» هو بالضرورة دعوة للبشر جميعهم.
أما ما يقال عن انتشار الإسلام بالسيف فهذا ليس دقيقاً، كان العرب يريدون نشر الإسلام وفتح العالم، كان هذا جزءاً من موقعهم في العالم، فما المانع بعد أن أقاموا مجتمعاً أن يقيموا إمبراطوريتهم علي أنقاض الإمبراطوريتين المتهالكتين، الرومانية والفارسية؟
ثمة فرق بين إقامة إمبراطورية وبين نشر الإسلام بالسيف، فنشر الإسلام بالسيف معناه أن أضع السيف فوق رقبة كل شخص في الأقطار المفتوحة لكي يصبح مسلماً، وهذا لم يحدث، من يقول أن الإسلام انتشر بالسيف يرتكب مغالطة منطقية بالخلط بين موقف دولة أو مجتمع يريد أن يبني إمبراطورية، بين إجبار الأفراد بالسيف علي اعتناق الإسلام. هذا أولا.
ثانيا: ليس صحيحاً أن معظم العالم الإسلامي تم فتحه بالسيف، إندونيسيا لم تُفتح بالسيف، ولا أفريقيا فُتحت بالسيف، انتشر الإسلام في كثير من المناطق بفضل التجار والمتصوفة، هذه بلاد لم تفتح بقوة الجيوش، لكن الإسلام انتشر فيها بفضل المتصوفة والتجار.
الفتح بالجيوش كان جزءاً من سياسات تكوين الإمبراطوريات، وهكذا تكونت الإمبراطورية الإسلامية، لم يكن متوقعاً أن تبني الإمبراطورية الإسلامية الوليدة نفسها علي أسس غير قوانين تشكيل الإمبراطوريات في العالم آنذاك، السؤال هنا: هل أُرْغِم الأفراد علي التحول إلي الإسلام؟
ويعلق الكاتب: تحدثت بالتفصيل عن الغزوات الإسلامية ؛ لأنني أري أن مفهوم الجهاد السائد الآن هو نتاج التجربة الإسلامية منذ... بداياتها الأولي: أي المواجهة بين المسلمين وغير المسلمين، إن الدخول الانتصاري لجيش الرسول وبقيادته إلي مكة وتحطيم الأصنام في الكعبة ؛ أكبر دليل علي «عسكرة الإسلام» كدين منذ بداياته الأولي، فالظروف التي نشأ فيها الإسلام حتمت هذا كضرورة تاريخية.
وحينما قال المسيح: أنا لم آت بالسلام بل جئت بالسيف كان يقصد أنه سوف يقسم العالم والناس إلي قسمين والآية تقول: جئت لألقي ناراً علي الأرض. فماذا أتريد لو اضطرمت.. أتظنون أني جئت لألقي سلاما علي الأرض، كلا أقول لكم بل انقساما، لأنه يكون من الآن خمسة في بيت واحد، منقسمين ثلاثة علي اثنين واثنين علي ثلاثة.. «آيات 49 حتي 52».
أما بالنسبة للسلام فالأسطورة اليهودية تقول إن المسيح المنتظر سيأتي ويحكم العالم بألف سنة من السلام، لكنه يؤكد «مملكتي ليست من هذا العالم».
أوافق أبوزيد علي أنه لم يجبر الناس بالقوة علي دخول الإسلام وتم تخييرهم بين الإيمان بالإسلام أو دفع الجزية والبقاء علي ديانتهم الأصلية، كانت تلك حكمة سياسية من الدولة الجديدة لحاجتها للمال المقبل من الجزية المفروضة علي غير المسلمين من الشعوب المهزومة بالإضافة إلي الضرائب الأخري التي كانت سائدة في مناطق الإمبراطورية الرومانية التي حلت الإمبراطورية الإسلامية محلها.
ونجد أن رسائل النبي بعد تأكيد انتصاره النهائي علي جميع القبائل في شبه الجزيرة، إلي حكام وملوك الدول المجأورة يطالبهم بالدخول في الإسلام، تنتهي بهذه العبارة «أسلم تسلم» تم ختم الرسائل بخاتم النبي.
هذه المرة الأولي كما تذكرها كتب التاريخ الإسلامي، التي يتصرف فيها النبي، باعتباره حاكماً له خاتم حكمه.
هذه الدول التي أرسل لها النبي رسائله، تم الاستيلاء عليها بالسيف، عدا الحبشة التي لم يسلم ملكها وبقيت علي المسيحية.
من يشاهد خارطة حركة الجيوش الإسلامية التي اندفعت من شبه الجزيرة، يري أنها اتجهت إلي الشرق: العراق وفارس، وغربا إلي الشام وفلسطين ومصر والمغرب، وشمالا إلي إسبانيا وجنوب فرنسا، أي أنها سيطرت علي جميع «طرق التجارة» في العالم القديم!
هذه كانت استراتيجية الغزو الإسلامي.
ويجب أن أكون واضحا هنا بأن «الأسلمة» لم تكن الهدف الأساسي للإمبراطورية.
فبعد انتهاء الحالة الرومانسية الدينية لأسلمة المشركين وأهل الكتاب، تحول الجهاز الإداري للدولة إلي نظام جامع للضرائب أساساً.. وليس بهدف التغيير الديني.
كذلك نلاحظ أن تكوين «الدولة اليهودية بقيادة يشوع خليفة موسي» لم تكن تهدف إلي نشر الدين بل الاستيطان وأن التبشير بالمسيحية في عهد المبشرين الأوائل كان هدفه الضم السلمي لمن يقتنع.
هذا هو الفرق المهم بين الإسلام وما سبقته من ديانات.
أما إرغام الأفراد علي التحول إلي الإسلام فلم يكن يتم بشكل فج بل نتيجة ظروف اقتصادية معقدة وقد ذكرت هذا بالتفصيل في تناولي مقتطفات من كتاب د. سيدة إسماعيل الكاشف «مصرفي فجر الإسلام».
يقول لوي غارديه 2: لم يكن شعار «أسلم أو تموت» هو السائد فالنصاري واليهود بتنظيماتهم الطائفية وشرائعهم، وقضاتهم، قبلوا «كذميين» داخل الأمة الإسلامية. صحيح أنه منذ أيام الخليفة الأموي عمر الثاني تغير الوضع لهم وأصبحت معاملتهم أكثر ضيقاً وأقسي من العهد الذي قطعه الرسول لنصاري نجران إذ كان عليهم أن يدفعوا جزية مضاعفة وهي جزية الرقاب أي الضريبة الشخصية وضريبة الممل والتركات العقارية».
ونعلم من القرآن أن النبي بشّر الناس الذين يقاتلون معه بالجنة والذين يتكاسلون بعذاب الجحيم كما في الآيات.
كيف يظهر التفسير السياسي للنص الديني؟
أبو زيد يؤكد: ما أحاوله في كتاباتي وأبحاثي هو التمييز بين «المعني التاريخي»، الذي كان يقصده القرآن في القرن السابع مخاطباً لمعاصريه، وبين الدلالة التي يمكن استنباطها الآن، في عصرنا الحالي، من ذلك المعني التاريخي، إن النص بالنسبة لي لا يتضمن معني ثابتاً موضوعياً يمكن الوصول إليه من خارج التاريخ؛ بل النص ينتج معناه من خلال تفاعل مع قارئ، مع تفسير، في عصر بعينه، في مناخ اجتماعي ثقافي متغير، وهناك فارق بين نمطين من التفسير: نمط يسيطر عليه «الهدف السياسي» فيحأول من منطلق إيديولوجي أن يفرض المعني علي النص زاعماً أن هذا المعني الذي يفرضه، ويقسر النص علي الإفصاح به، هو معني موضوعي، النمط الثاني من التفسير هو التفسير الواعي بقصديته المفصح عنها، أي الذي لا يخبئ قصده وراء مزاعم ومبررات تدعي «الموضوعية»، هناك فرق بين المفسر غير الواعي بقصديته، ولكنه يطرح هذه القصدية باعتبارها «الحقيقة»، وبين الواعي بقصديته ويطرحها باعتبارها «معني» لا «حقيقة»، إن المودودي ينطلق من مسلمة يعتقد أنها بديهية لا تحتاج لإثبات مفادها أن الإسلام «دين ودولة»، هذه قضية ليست محور اختبار عنده، ولكنها محور اختبار عند باحثين آخرين لا يرون أنها قضية بديهية.
منهج التلاعب الدلالي هذا يمكن أن يفضي إلي كوارث، ليس أقلها السعي إلي إقامة الدولة الدينية الديكتاتورية، يمكن مثلاً بالقراءة غير السياقية للآية «يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصاري أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين» (المائدة (5) الآية 51) -أي دون أن ينتبه إلي معني أن المقصود ب«الولاية» و«التولي» هو التحالف ضد الإسلام والمسلمين- يمكن أن يعزز التمييز الديني بين أبناء الوطن الواحد، وقد عانينا في مصر مثلاً من خطباء مساجد ووعاظ يقولون إنه لا يجب علي المسلم تهنئة صديقه القبطي بأعياد الميلاد، أو مشاركته في أفراحه أو أحزانه؛ لأن ذلك كله يعتبر «التولي» الذي نهي عنه القرآن، أكثر من ذلك يمكن للقراءة غير السياقية أن تحرض علي «قتل» المخالف في الدين لمجرد أنه كذلك. ولكن علينا أيضا تحريا للدقة أن نشير إلي أن عمليات التلاعب الدلالي تلك قد تكون أحيانا أدوات للدفاع عن الُهوية وحمايتها من الانتهاك، خاصة في مواقف وظروف تتعرض فيها الذات الاجتماعية للانتهاك. تستخدم الآيات المشار إليها أحيانا في سياق إدانة أي تعامل أو تعأون مع الأعداء المحتلين الأوروبيين، كما استخدمت في إندونيسيا مثلا ضد الاحتلال الهولندي. لكن مع غياب العدو الأجنبي بالاستقلال يكمن الخطر في توجيهها ضد غير المسلم من أبناء الوطن.
هل توجد تيارات رجعية إسلامية؟
أبو زيد: التيارات الرجعية، ارتبطت بالخطاب السياسي، وأنتجت خطابها الديني في ظل أفق الخطاب السياسي المسيطر، الذي يحدد المواطن (بحالتين ) 3 إما أن يكون مطيعا أو عاصيا مخطئا. وبالتالي يتحول ليصبح مسلما أو عاصيا بالمعني الديني.بمعني أن الفقه ارتبط في العصور المتخلفة بالدولة وبالنظام السياسي المتخلف. بالرغم من أنه كان في البداية متحرراً من فكر الدولة.
هكذا تم اختصار الإسلام ومقاصده في جزء منه وهو الشريعة بالمعني الفقهي وليس بالمعني الإنساني.اختصار بنية الإسلام كله لأحد فروعه التي أصابها الجدب.
هل هناك مناقشة لاهوتية؟ ممنوع فقد استقر اللاهوت.
هل هناك مناقشة فلسفية؟ لا فالفلسفة ممنوع تدريسها في السعودية وكذلك المنطق «من تمنطق فقد تزندق».
وهكذا لا نجد نشاطاً في الفكر الإسلامي الآن إلا في الفقه. أبطال الخطاب الإسلامي الآن هم الفقهاء.
ففي غياب اللاهوت وعدم تكرار مشروع محمد عبده وهو محأولته أن يقيم لاهوتا. فهنا بالضرورة، ارتبط الفقه بالقوي الرجعية ( السياسية )، تجد هذا واضحا في مفهوم «الحلال والحرام» في الفقه. فقد تم التغاضي عن البني الأساسية للفقه ؛ وهي خمس وليست اثنتين. فالحلال والحرام هما «الواجب» ثم المكروه والمستحسن، والمباح. دائرة المباح أغني بكثير من الأربعة الأخري. لكن انحسر البحث في الفقه الإسلامي في الحلال والحرام. إن جميع ما سكت عنه القرآن فهو، مباح.
ثقافة الجهاد الديني
يقول الكاتب: لكي نصل إلي فهم دقيق لمبدأ الجهاد في الإسلام من الضروري أن نتتبع التاريخ السياسي للأديان الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام.
فالإسلام وجد في بيئة من الثقافة -السياسية الدينية لليهودية والمسيحية في شبه الجزيرة العربية، حيث تشابكت المعتقدات اللغات مع بعضها البعض.
من المهم كذلك في تحليلنا للتاريخ السياسي للأديان ألا ننسي أن «النبوءة التوراتية عن المسيا» وهو الملك اليهودي المنتظر الذي سيحكم العالم ؛ هي نبوءة دينية سياسية في المقام الأول.
لذا كانت إقامة الدولة الدينية - الإسلامية ليست بالغريبة علي الفضاء الثقافي الديني - السياسي في شبه الجزيرة حيث دار فوق أرضها جزء من الصراع التوراتي عن أحقية الميراث والحكم بين أبناء «الأب إبراهيم» ونسائه: سارة وهاجر الجارية المصرية.
وما قصة وضع أسس الكعبة وتقديسها سوي الدليل علي ما أشرت إليه.. بل إن العيد الإسلامي الكبير «عيد الأضحي» وهو التضحية بشاة وتُذبح في موسم الحج.وهذا الطقس الديني، إعادة الرواية العبرانية حينما طلب الإله اليهودي من إبراهيم أن يذبح ابنه إسحق 4ومعاناة هاجر وابنها إسماعيل مذكورة بالتفصيل في القرآن.
وفي العصر الحديث مع تمسك الأصوليين الإسلاميين بالرؤية الدينية الجامدة للحياة والمجتمع وبالتالي «تكفير» مجتمعات بعينها لأنها لا تتبع تعاليم الإسلام النقية بما فيها مجتمعات إسلامية، نجد ازدهارا لمفهوم الجهاد الديني - السياسي، الهادف إلي تغيير المجتمع بالقوة ومن ثم حكمه بما يتواءم مع رؤيتهم للشريعة.
فثقافة الجهاد الإسلامية -السياسية لها جذور تاريخية. فهي نتاج أزمات وضرورات سياسية حدثت في عصر الرسول محمد وصراعه مع «الآخر» المتمثل في المركز الديني - السياسي - التجاري للمناوئين والرافضين للإسلام وما يحدثه من تغييرات في البنية الأساسية المتعارف عليها لسيطرة القبيلة.
وحتي قبل أن تتم السيطرة النهائية للإسلام نجد آية «وقاتلوهم حتي لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله» وهي من سورة البقرة
فمبدأ «القتال في سبيل الله» مبدأ قرآني حيث يطالب المؤمنين بالقتال «فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيُقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيما» ( النساء /74)
بالنسبة للمشركين ( الذين لا يؤمنون بالوحدانية ) يقول القرآن: «إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا» ( سورة التوبة الآية 28 )
بالطبع هناك من المفسرين من يقول إنه من الأهمية تحري «أسباب النزول» أي المناسبة التاريخية التي نزلت فيها آية بعينها. هذه النظرية في التأويل سيستفيض فيها د. أبو زيد فيما بعد.
ولكن الإشكال هنا أن هذه الآيات موجودة ومتاحة دون تفسير ملحق بها في النص القرآني يفسر أسباب النزول، فتؤخذ عندئذ، كما هي.
اندحار المسيحية في الشرق
حل الإسلام والكلام مازال للكاتب محل المسيحية في الشرق بعد دحر الأمبراطورية الرومانية بقوة السلاح في مناطق العراق والشام وفلسطين ومصر.
في البداية كان اعتناق السكان للإسلام بطيئا، وفضلوا دفع «الجزية» ( وهي الضريبة التي يدفعها المسيحي بالإضافة للضرائب الأخري ) لكن مع مرور الزمن تزايدت أعداد الذين انضموا لسلام إما عن اقتناع أو لأسباب مختلفة.
بعض هذه الأسباب كما حدث في مصر أن الخليفة الوليد بن عبد الملك سنة 87 هجرية -706 ميلادية، فرض اللغة العربية كلغة رسمية في مصر..كما حاول الخليفة عمر بن عبد العزيز قرر إحلال المسلمين محل المسيحيين في الوظائف الصغيرة.. وربما أدي قرار ابن عبد العزيز إلي إسلام كثيرين كي لا يتركوا وظائفهم.
كما أن الاضطهاد المذهبي لمسيحي الشرق بسبب تسيد الكنيسة والثقافة اليونانية، حولت الخلافات اللاهوتية إلي معارك سياسية. عقلية العرب، كانت متماثلة مع عقليات أهل العراق والشام وأقرب إليهم من عقلية اليونانيين.
فبينما فشلت المسيحية المرتبطة بالمفاهيم والثقافة اليونانية أن تقدم نفسها للعقول الشرقية، نجح الإسلام المرتبط بالمفاهيم العربية أن يقدم نفسه بديلا كما قبل الوسط الثقافي والفكري الإسلامي كثيرا من الفلسفة والعلوم اليونانية.
ونجد الكثير من شعوب آسيا الصغري لم تكن لها لغة كتابة أو لغة أدب سوي اليونانية. والبلاد التي كان يسيطر عليها المسيحيون الشرقيون أصبحت إسلامية.
هكذا أصبح المفكرون الذين ينتمون لشعوب غير عربية، وانضموا إلي الإسلام، أما باعتناقهم له أو بالعمل في المدارس الإسلامية المختلفة من فكرية وعلمية وفنية، أصبحوا يقومون بدور مهم في مزج الثقافات والحضارات المختلفة بالثقافة والحضارة العربية، مما انتج بعد ذلك ما نطلق عليه «الثقافة والحضارة الإسلامية» لشعوب الشرق أوسطية التي كانت مسيحية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.