علي هامش أحد المؤتمرات التي انعقدت منذ فترة في العاصمة الأردنية عمان التقيت نخبة من العلماء والمفكرين الإسلاميين من مختلف الدول العربية، وطرح أحدنا وهو الصديق الدكتور محمد حبش- عضو مجلس الشعب السوري، وهو داعية لا يشق له غبار صليت خلفه الجمعة في مسجده الكبير بدمشق، له حديث عزب رقراق ويترأس مركز الدراسات الاسلامية- اقتراحاً بأن يلتقي العلماء والدعاة والمفكرون الذين لديهم إسهامات في مضمار التجديد والتنوير في الفكر الإسلامي علي مائدة واحدة للبحث والدراسة وتبادل الرأي في القضايا التي تلم بالأمة وكيفية توجيه الرأي العام في تلك القضايا والتوافق علي أجندة يكتب حولها الكُتاب والمفكرون في بلدانهم المختلفة فنصنع تياراً ضاغطاً في مجتمعاتنا العربية نحو أسلمتها، بمعني إعادتها إلي جادة الطريق، عبر التمسك بأهداب الدين وأخلاقه وتعاليمه والوقوف عند أوامره ونواهيه، وسط تيارات مناوئة متطرفة ذات اليمين وذات اليسار، وضرورة النظر في القضايا بعين معاصرة تقوي علي الاجتهاد فيما يمكن الاجتهاد فيه. لا شك أن هذه الفكرة راقت لكثيرين وتحفظ عليها آخرون، لعل أول التحفظات تمثلت في الخشية من صنع جدار قد يحول بين الفكرة وإمكانية تطبيقها علي أرض الواقع، فأمر دعوة كل الكتاب والمفكرين بشكل متوسع من الصعوبة بمكان وفيه نظر، لا تستوعبه الإمكانات المادية ولا الضرورات الأمنية الأمر الذي قد يسبب حساسية لدي البعض وهو يتابع انعقاد منتدي لكتاب التجديد دون أن يدعي إليه، وتحفظ البعض علي مصطلح التنوير باعتباره يسبب حساسية لدي دوائر كثيرة داخل الحركة الإسلامية وكونه قد اختطف من جهات كارهه للإسلام أو مناوئة للحركة الإسلامية ومظاهرة لتيار العلمنة والتغريب. بقيت الفكرة محل بحث ودراسة لقرابة عام تقريباً، ولم يفتر حماس صاحبنا حبش ابن الشام وهو يحمل عبق التاريخ هناك وسط زوايا المسجد الأموي الكبير وكتب وراسل كثيرين حتي توافقنا مبدئياً علي انعقاد مجلس تأسيسي تحت مظلة المنتدي العالمي للوسطية الذي أشرف بعضوية مكتبه التنفيذي مع صديقي حبش للنظر في الفكرة والحوار حولها، وفي القاهرة انعقد الاجتماع الأول الأسبوع الماضي الذي حضره كوكبة من العلماء والمفكرين من عشر دول عربية، من بينهم: الإمام الصادق المهدي والدكتور أحمد كمال أبو المجد وعالم الحديث الدكتور أحمد عمر هاشم وعالم التاريخ الإسلامي الدكتور عبد الحليم عويس ومن الشام الشيخ جودت سعيد ومن السعودية الدكتور الأحمري ومن المغرب سعد اليدن العثماني ومن الأردن الداعية المعروف أحمد نوفل والكاتب محمد أبو رمان ومروان الفاعوري، ومن اليمن مجموعة من المفكرين المبدعين علي رأسهم الدكتور فؤاد القاضي وعضو البرلمان اليمني شوقي القاضي، ومن قطر د. جاسم سلطان وغيرهم كثير لا يكفي المقام لسردهم، إنما أردت أن أبين قيمة الحضور وثقلهم وقد التقوا علي مدي يومين في مناسبة غير مسبوقة علي ما أعتقد لتبادل الأفكار والاطلاع علي الجديد والمفيد مما قدموه من أبحاث، ومناقشة مشروع رابطة كتاب التجديد. لم يكن المطروح فقط هو مواجهة الفكر التكفيري لكن أيضاً مواجهة تيار العلمنة والتغريب والانحلال الأخلاقي، أيضاً كان من الضروري التأكيد علي الثوابت وأننا لا نحدث في الدين ما ليس منه فكل بدعة في الدين ضلالة، وأن التشريع لله ابتداء وللبشر ابتناء، ولعل ما طرحه د. كمال أبوالمجد أن قضية التجديد ينبغي أن تكون ضمن إطار المحافظة علي الأصول والثوابت، وتوظيف التعددية التي يؤمن بها الإسلام؛ تنويعًا ينتفع به الناس ويتجمعون حوله لا أن يتفرقوا، وأنّ الرأي في القضايا الجزئية يجب أن يكون مفتوحًا، وأنّ ما يُمارس فيه الاجتهاد بشجاعة جاء منسجماً مع الحالة الفكرية التي سادت في اللقاء، ولذلك كان حرياً بالمجتمعين أن يؤكدوا ضرورة الاهتداء بالقرآن الكريم والمتفق عليه من السنة الصحيحة أصلاً للاجتهاد وإحياء مصادر الشريعة المعتبرة من الاستحسان والاستصلاح والذرائع والعرف وغيرها، والتأكيد علي وجود أكثر من اجتهاد فقهي في المسألة الواحدة واحترام سائر المجتهدين، وأيضا رصد ومتابعة ما ينشر في التجديد والتنوير وتشجيع الأفكار الخلاقة في بناء المجتمع الإسلامي. وتقف الأمة الإسلامية اليوم في مواجهة تحد دقيق، فهي مستهدفة من قبل قوي الاستكبار العالمي، الذي بات يحاول أن يقنع العالم بأن الإسلام رسالة عنف وقهر، يحتكر الحقيقة ويسعي لإرغام الناس علي اعتناق مبادئه، وقد أصبح هذا الموقف أكثر انتشاراً في الثقافة الغربية عموماً، وتضاعفت عدة مرات أبحاث الإسلاموفوبيا في أعقاب أحداث الحادي عشر من أيلول وتداعياتها. ومن جانب آخر فإن التراث الإسلامي أصبح اليوم في مواجهة أسئلة كبيرة يطرحها الجيل الجديد الذي أصبح جزءاً من ثقافة العولمة السائدة، ولم يعد الخطاب التقليدي قادراً علي تقديم الإجابات لهذه الأسئلة الملحة، وبدا كما لو أننا علي أبواب مرحلة جديدة من الصراع بين العقل والدين، أو علي الأقل الصراع بين العقل والخطاب الديني السائد. ولهذا اشتدت الحاجة لجمع الكتاب أصحاب الهم الذين يتبنون خطاً إصلاحياً في التعبير عن الإسلام في رابطة واعية تعمل علي تنسيق الجهود وتكريم الإبداع، والإسهام في رعاية التيار التجديدي في العالم الإسلامي، رغبة في الاستفادة والتنسيق بين الأعمال والجهود المبذولة، والاطلاع علي المشاريع التي تتم اليوم تحت عناوين التجديد ، ومواجهة الفكر المنحرف الذي يمزق وحدة الأمة، أو يسيء إلي الإسلام، ومواجهة سائر أساليب التكفير والتفسيق أو التغريب والعلمنة، وسائر أشكال إلغاء الآخر، أو محاولة طمس هوية الأمة بأفكار ومبادئ هدامة والبعد عن الشريعة الغراء. كانت محاولة جادة في مائدة مستديرة مغلقة، لم يدع إليها جمهور أو إعلام إلا في الجلسة الافتتاحية فقط، أعتقد أنها يمكن أن تعد إسهاماً إيجابياً في وضع أطر لقضايا عالقة وطاقة لحماسة تفتر من أجل رفع الركام عن النسق الحضاري للإسلام.