مَنْ منكم بلا خطيئة؟! تحدثنا الأسبوع الماضي عن مقصد الله في الزواج المسيحي، وأن اختلاف الطوائف المسيحية الجاري الآن حول قانون الأحوال الشخصية الجديد إنما هو اختلاف حول تفسير مقاصد الله من الزواج والطلاق. وذكرنا أن الوصايا جاءت من أجل صالح البشرية حتي يُسر قلب الله بأفضل مخلوقاته، ولم يأت البشر لتنفيذ الوصايا دون فهم لمقاصده. والمؤكد أيضا أن تعسف البشر في تطبيق وصايا الله يكون قاسياً بما لا يتناسب مع إحدي صفات الله وهي الرحمة. نتوقف اليوم عند تفسير وتعليل الطلاق بمفهوم الزني! وأعود لأؤكد أنني لست بواعظ، ولكن مجرد «عاصف ذهني» لمجموعة رجال الدين والقانونيين الذين يدرسون القانون الآن. ومجرد متسائل يحتاج الإجابات من أهل التخصص. هناك آية صريحة ومباشرة في الكتاب المقدس أنه «لا طلاق إلا لعلة الزني»، وآية أخري تقول: «من طلق امرأته وتزوج بأخري يزني عليها، وإن طلقت امرأة زوجها وتزوجت بآخر تزني» وهما السندان اللذان يؤخذ بهما في «منح» أو «منع» تصاريح الزواج. ولن يستطيع إنسان أن يخالف وصايا الإنجيل، وهذا ما تؤكده جميع الطوائف، ومعها كل الحق. ولكن أعود لاستفساراتي عن مقاصد الله؟! فالكنيسة تقول إن الطرف البريء في هذه الحالة يُمنح تصريحاً والطرف الآخر «الزاني» لا يعطي له تصريح ثان مدي الحياة إلي هذا الحد «قبل مدي الحياة»، ومقصد الله واضح والكنيسة تتبعه. ولكن لو افترضنا أن هذا الزاني أو هذه الزانية - أيا كان الطرف المخطئ - تاب وعرف طريق الرب هل لا تُقبل توبته، ويستأنف حياته بفكر وروح جديدين؟ هل مقصد الله - وحاشي أن يكون هذا مقصده - أن لا يمنح الخطاه فرصة للتوبة والحياة التي ترضيه وتسر قلبه؟! إذن لماذا عندما حاول اليهود أن يجربوا السيد المسيح في فكر الله ومقصده، جاءوا بامرأة زانية، وبحسب الشريعة اليهودية كانت المرأة الزانية تُرجم. فسألوه: هل نرجمها أم لا؟! فنزل المسيح علي الأرض وكتب خطيئة زني مماثلة لكل واحد منهم وقال لهم: مَن منكم بلا خطيئة فليبدأ برجمها. فتراجع الجميع. ثم سألها السيد المسيح: هل يدينك أحد؟! فقالت له: لا. فقال لها: ولا أنا أيضا أدينك.. اذهبي ولا تخطي أيضاً. أي أعطي لها فرصة للتوبة ولإدانة نفسها، لأنه ليس لبشر أن يدين بشراً. وأن الله يقبل التوبة في أي وقت لأي خطيئة. إذن تساؤلي: ماذا لو تاب الطرف الظالم في قضية طلاق، ولن يستطيع أن يكمل حياته دون زواج؟! هل يقبله الله أم لا؟! هل يُمنح تصريحاً أم لا؟! أرجو أن لا تُفهم كلماتي إنها دفاع عن الزني والزناة، ولكن مجرد تساؤلات أود أن أضعها أمام «صُناع القانون الأرضي» حتي يصيغوا مواد لا تتعارض مع القانون السماوي. نعلم كما قلنا الأسبوع الماضي إن مراحم الله كثيرة والسقوط في يده أفضل من السقوط في يد إنسان كما قال داود النبي. نعلم هذا ولكن نطلب من البشر الواضعين هذا القانون أن يتمثلوا بهذه الرحمة ويتفقوا علي تفسير واحد للآيات وللوصايا لحل كثير من مشاكل الأقباط العالقة في آياديهم. فالمثل السابق يؤكد أن المسيحية تدين بلا شك الزني، ولكنه يؤكد أن باب التوبة مفتوح دائماً، وهذا ينطبق علي أي خطيئة يرتكبها الإنسان. .. ولو أن المجلس الإكليركي أو مجالس الطوائف الأخري أخذت هذه الآيات المقدسة وترجمتها ترجمة حرفية دون معرفة قصد الله لكان 9.99% من أقباط العالم مطلقين الآن لعلة الزني، فهناك آية في الإنجيل تقول : «من نظر لامرأة واشتهاها، فقد زني بها في قلبه». فهل هناك نسبة من الرجال لا ينظرون لأي امرأة ولا يشتهونها؟! هل يذهب من يريد أن يطلق أو من تريد أن تطلق زوجها وتقول إن زوجي نظر لامرأة نظرة شهوانية.. إذن هو زانٍ، وطلقوني منه هل يُعقل هذا؟! .. أعلم أنني أدخل في مناطق شائكة، وأعلم أنني وسط «عش الدبابير»، ولكن لن أتراجع عن تحريك المياه الراكدة، وطالما ألح عليّ القلم الكتابة في هذه القضية، فربما تكون هي رغبة الله في توصيل كلمة قد تؤثر في صُناع القانون من العبد الفقير إلي الله. .. وأدعو أخيراً أن أجد إجابات لهذه التساؤلات التي يحملها - بالتأكيد - معظم الأقباط. ولا نأخذ بحرف الآية بل بروحها، ألم يقل بولس الرسول «الحرف يقتل والروح يحيي»؟! وبولس الرسول هو أول مؤسسي الكنائس، وقال لأهل كورنثوس عندما وجدت الكنيسة فرداً من الشعب المسيحي كان قد زني فتم استبعاده عن الكنيسة، وبعدها أعلن هذا الزاني توبته فقال لهم بولس الرسول: مثل هذا.. يكفيه هذا القصاص الذي من الأكثرين، حتي تكونوا بالعكس.. تسامحونه بالحري وتعزونه لئلا يُبتلع مثل هذا من الحزن المفرط، لذلك أطلب أن تُمكنوا له المحبة». وهذه هي فلسفة المسيحية.. المحبة.