كان مدير مدرستى الثانوية فى الصعيد أستاذا للغة العربية كما يجب، لكن الأهم بالنسبة لى إنه كان إداريا من طراز رفيع، أول من يأتى إلى المدرسة وآخر من يغادرها، كان رجلا يضرب به المثل فى الإدارة، ومثله كثيرون فى نجوع مصر وقراها وفى مؤسسات أخرى مختلفة. كانت المدرسة فى عهد الأستاذ حمدى أبو جبل -رحمه الله- منضبطة فى كل شىء.. الطلاب يأتون مبكرا.. المدرسون فى فناء المدرسة قبل الطابور -بينهم ابنه وزوج ابنته-.. الطابور فى توقيته، وبعده الحصص دون تأخير ولو دقيقة واحدة، والشرح فى الفصول مستمر ولا تضيع حصة لأن مدرسا لم يأتِ أو فى طريقه من الدور الثالث إلى الأول أو شىء مما يتعلل به المرضى وفارغو الضمير. ورغم بعض المناوشات بين الطلاب والمدرسين فإن السمة الغالبة للمكان كانت الانضباط، ورغم أنها مدرسة.. أى مؤسسة صغيرة فى النهاية.. فإنها مثال واضح على أن ما نحتاج إليه فعلا. رجل لديه عقل يدير به لا لسان يتحدث به ليل نهار فى المكتب وفى الفضائيات وفى المنزل، وكأن الإنسان خلق ليتكلم لا ليعمل. من هم من عينة الأستاذ أبو جبل لا يصبحون وزراء للتعليم.. أما أولئك ممن أشرت إليهم ثانيا يصبحون وزراء لأهم كيان فى مصر برأيى.. بالفعل يصبح وزيرا فى مصر فقط من يتمتع بحجم فشل محمود أبو النصر. هل وزير التعليم مسؤول عما يحدث لأى طالب داخل مدرسة؟.. فى رأيى نعم، بل هذا صلب مسؤوليته وعمله الذى من المفترض أنه تم تعيينه فى المنصب لأجله، وبالتالى وزير التعليم السيد محمود أبو النصر عليه تقع المسؤولية كاملة فى مقتل أكثر من طالب داخل مدرسته فى مطروح والمطرية وغيرهما، لأى سبب ما دام لم يكن الموت طبيعيا، ولو سقط طالب من أحد أدوار المدرسة وكسر إصبع قدمه الأصغر فأبو النصر مسؤول عن ذلك أيضا لأنه لم يوفر مشرفا يمنع الطلاب من الاقتراب من الأماكن التى قد تؤدى -نعم قد- إلى سقوطهم. وزير التعليم رجل تنفيذى أكثر مما هو مسؤول عن التفكير فى تغيير مناهج التعليم مثلا -وبالمناسبة لا يستطيع ولا بيفكر- وإن كانت أبواب وشبابيك المدارس بها أعطال، فماذا كان يفعل الوزير طوال الصيف؟ ألم تكن دائما إجازة الصيف للإصلاح والصيانة كما نعرف وكما يجب؟.. سيقول شخص إن الحذر لا يمنع القدر، وسأقول له: «بس الوزير يبقى عنده حذر وحال التعليم كله سينصلح». ما نقلته إحدى محررات وزارة التعليم عن أبو النصر وهو قوله لمسؤولى وزارته بعد حوادث موت الطلاب: «تقصيركم فى حق أى طالب خيانة»، دون أن يسأل الوزير نفسه وبماذا يوصف تقصيره هو فى حق الوزارة والطلاب والمدرسين؟ ب«الفتاكة»؟ أم «اللماضة» هو أنسب تعبير عن طريقة تفكير الرجل وقدرته على تحمل المسؤولية؟ والسيد أبو النصر لو فكر فى تعليم مصر بالقدر الذى يفكر فيه بالظهور فى البرامج الفضائية -اذكر برنامجا لم يظهر فيه وزير التعليم بعيدا عن برنامج صوت الشعب على التليفزيون المصرى! والفائز ستكون هديته الظهور مع الوزير فى الراديو!- والوقت الذى يقضيه فى الاتصال بالزملاء من محررى التعليم فى الجرائد، لتغيرت أمور كثيرة. أقلها أن يذهب الطلاب إلى المدارس- أعرف مدارس كثيرة بالاسم لا يذهب الطلاب إليها 15 يوما فى العام الدراسى بالكامل- وأن يؤدى كل مدرس عمله كما يجب وباب فصله مغلق، وأن يهتم مدير المدرسة بإصلاح شبابيكها وأبوابها، فسبحان الله! بعد أن كان خوف الناس ملخصه العدوى من الأمراض أصبح الخوف فى عهد أبو النصر أن يجلس ابنك أسفل شباك. الجديد بالنسبة لى فى هذه الوقائع هو الدور الذى يمارسه الممثل السابق والمتحدث الرسمى لوزارة التعليم فى طمسه الدائم لكل حقيقة، أعرف أن هذه وظيفة المتحدث الرسمى فى كل مكان، أن يبرر ويكذب ويجمل كل الأشياء القبيحة، لا يترك الممثل السابق مناسبة إلا ويكون محللا لمشكلات الوزارة، معربا دائما عن حل كل المعوقات، حتى إنك تشعر بعد أى مكالمة له مع أى برنامج أن أولادك سيذهبون لهارفارد فى اليوم التالى، وهنا نريد منه أن يستمر فى حديثه حتى يخبرنا بنتيجة التحقيقات التى تجرى فى مقتل الطلاب؛ علها ترضى قليلا مما فى صدور أولياء أمورهم. لا يستقيم العود إن كان الجذر أعوج.. ولن يستقيم مدير مدرسة إن كان وزير التعليم أبو النصر.. لكننى للأسف لا أطالب بإقالته، فلو حدث سيأتى غيره ليجرب فى الطلاب.. أنا أطالب بكل ما يمتنع «الكيبورد» عن كتابته.