حين نتحدث عن ضرورة استعادة قوى «30 يونيو» لوحدتها فى مواجهة الخطر، فإننا نتحدث عن الملايين التى خرجت وانحاز الجيش لإرادتها من أجل استعادة ثورة يناير من الذين اختطفوها وأقاموا حكم الإخوان الفاشى، وحاولوا العودة بمصر إلى ظلام العصور الوسطى. أما هؤلاء الذين يحاولون الآن خداع الشعب مرة أخرى، وتصوير «30 يونيو» على أنها انقلاب على ثورة يناير واستعادة للزمن الجميل الذى كان قبلها، فهؤلاء لا مكان لهم فى تحالف الثورة، ولا مكان لهم فى مستقبل وطن يحتاج إلى سنوات طويلة من العمل الجاد والكفاح المستمر لمعالجة آثار جرائمهم فى حق مصر وشعبها على مدى سنوات طويلة قبل يناير! إن ما تواجهه مصر الآن هو الحصاد المر لسياسات أربعين عاما أوقعت البلاد فى دائرة التبعية وأضاعت قرارها المستقل، وأفقرت ملايين المصريين وفتحت الباب لاقتصاد السماسرة والوكلاء واستباحت المال العام وباعت الأرض والمصانع التى بنيناها بكفاح مرير.. بتراب الفلوس، وقسمت الشعب إلى أغلبية مطحونة وأقلية تنعم بكل خيرات البلاد. ما تواجهه مصر الآن ليس الإرهاب وحده، ولكن أيضا هذا الميراث الثقيل الذى انهار فيه التعليم وغابت فيه الرعاية الصحية وتراجعت فيه كل الخدمات والمرافق، وغابت فيه قيم العلم والعمل، وماتت فيه السياسة لتخلو الساحة لإخوان الإرهاب، ولينتهى الأمر بوضع مصر بين المطرقة والسندان.. أو بين فساد الحزب الوطنى وفاشية الإخوان، ظنًّا من الحكم يومها أن هذا هو الضمان للدعم الأمريكى، غافلًا عن حقيقة ما كان يدور من صفقات تمنح أدوارًا أساسية للإخوان فى مخطط أمريكا لإعادة تقسيم المنطقة وإدخالها فى مستنقع الحروب الطائفية والمذهبية. كل ما نعانيه اليوم هو حصيلة سياسات نفذتها حكومات الحزب الوطنى المنحل على مدى أربعين عاما.. واليوم تعود الوجوه القبيحة التى تعكس أسوأ ما كان قبل يناير لتحاول أن تعيد الزمن إلى الوراء. وتعد الساحة بقنوات تليفزيونية وحملات تضليل إعلامى ومئات الملايين التى تنفق بغير حساب. يظنون أن فرصتهم قادمة فى الانتخابات البرلمانية فى ظل حالة التشتت التى تعيشها قوى الثورة الحقيقية، وفى ظل عدم محاسبتهم المحاسبة الجادة على ما اقترفوه من جرائم فى حق هذا الوطن. وليست المشكلة -على أى حال- فى هؤلاء إذا تصوروا أنهم قادرون على خداع الناس مرة أخرى، أو توهموا أننا شعب بلا ذاكرة، وأن الملايين ستنسى من أورثوها الفقر، والتخلف ونهبوا خيراتها ونشروا الفساد فى ربوع مصر، وكانوا السبب الرئيسى فى الإرهاب الذى نعانى منه حتى الآن، منذ أن فتحوا له أبواب الجامعة ووزعوا السلاح على أفراده فى بداية السبعينيات، وحتى تركوا لهم الساحة خالية بعد حصار الأحزاب، ليعيثوا فى الأرض فسادًا. ليست المشكلة فى أن يتوهم حزب الفساد أنه قادر على استعادة ما كان قبل «25 يناير»، لكن المشكلة فى غياب المواجهة الجادة لهذه الإهانة لشعب ثار مرتين فى ثلاث سنوات، وقدم التضحيات لكى يتخلص من الإرهاب الفاشى ومن الفساد المستبد معًا. المشكلة هى فى استمرار التشتت فى صفوف قوى الثورة الحقيقية وفى استمرار نفس السياسات القديمة التى قادتنا إلى ما نحن فيه، بدلا من ترجمة أهداف الثورة إلى سياسات تعكس الانحياز للفقراء، واستعادة ما نُهب بغير حق، واختيار نمط التنمية الذى يرعى حقوق العمال والفلاحين والطبقة الوسطى، بعد سنوات من تنمية كان عمادها الفساد، وحصيلتها فى جيوب المحاسيب، وثمنها الفادح هو ما نعانيه اليوم. هذا هو التحدى.. وهذه هى المشكلة.