"إنفوجراف".. نتائج الجلسة الأولى للمجلس الأعلى للحوار الاجتماعي لمناقشة مشروع قانون العمل    استقرار سعر الدولار أمام الجنيه المصري يوم الثلاثاء 14 مايو 2024    4 شهداء جراء قصف الاحتلال مدرسة بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة    سي إن إن: إسرائيل حشدت قوات كافية لتوغل واسع النطاق في رفح    ضابط استخبارات أمريكي يعلن استقالته احتجاجا على دعم بلاده لإسرائيل خلال حرب غزة    تعرف على ترتيب هدافي دوري روشن السعودي قبل الجولة 32    ميدو: أوباما مفتاح فوز الزمالك بكأس الكونفدرالية    كشف تفاصيل حادثة التعدي على سيدة التجمع في أوبر: شقيقتها تكشف الحقائق المروعة    توقعات الطقس اليوم وتحذيرات الأرصاد الجوية في مصر    ل برج الحمل والقوس والأسد.. ماذا يخبئ مايو 2024 لمواليد الأبراج النارية (التفاصيل)    هيئة الدواء المصرية تحذر من أدوية مغشوشة وتطالب بسحبها من الأسواق    تباين أداء مؤشرات الأسهم اليابانية في الجلسة الصباحية    لماذا تحولت المواجهة الإيرانية الإسرائيلية إلى «نكتة سياسية»؟    طلاب الصف الثاني الثانوي بالقاهرة يؤدون امتحان اللغة الأجنبية الأولى    كندا تفتح أبوابها للعمال المصريين.. التأشيرة مجانا والتقديم ينتهي خلال أيام.. عاجل    حفل عشاء لجنة تحكيم الدورة 77 لمهرجان كان السينمائي (صور)    ما مواقيت الحج الزمانية؟.. «البحوث الإسلامية» يوضح    مصرع 12 شخصا وإصابة 60 آخرين في سقوط لوحة إعلانية ضخمة بالهند (فيديو)    طريقة التقديم في معهد معاوني الأمن 2024.. الموعد والشروط اللازمة ومزايا المقبولين    عمرو أديب ل عالم أزهري: هل ينفع نأخد ديننا من إبراهيم عيسى؟    حكم الشرع في زيارة الأضرحة وهل الأمر بدعة.. أزهري يجيب    ارتفاع أسعار النفط وسط توقعات بتقلص الإمدادات    غرفة صناعة الدواء: نقص الأدوية بالسوق سينتهي خلال 3 أسابيع    مسؤول أمريكي: بايدن لا يرى أن إسرائيل ستحقق نصرا كاملا بغزة    لهواة الغوص، سلطنة عمان تدشن متحفًا تحت الماء (فيديو)    عصابة التهريب تقتل شابا بالرصاص أثناء سفره بطريقة غير شرعية    بديوي: إنشاء أول مصنع لإنتاج الإيثانول من البجاس صديق للبيئة    وزير الزراعة: 300 ألف طن زيادة بالصادرات حتى الأن.. واعتبارات دولية وراء ارتفاع الأسعار    الأوبرا تختتم عروض «الجمال النائم» على المسرح الكبير    مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء 14-5-2024 في الدوري الإسباني والقنوات الناقلة    فرج عامر: الحكام تعاني من الضغوط النفسية.. وتصريحات حسام حسن صحيحة    هل يجوز للزوجة الحج حتى لو زوجها رافض؟ الإفتاء تجيب    ما حكم عدم الوفاء بالنذر؟.. دار الإفتاء تجيب    وزير الإسكان العماني يلتقى هشام طلعت مصطفى    جوتيريش يعرب عن حزنه العميق لمقتل موظف أممي بغزة    طريقة عمل عيش الشوفان، في البيت بأقل التكاليف    رئيس شعبة الأدوية: احنا بنخسر في تصنيع الدواء.. والإنتاج قل لهذا السبب    إجازة كبيرة للموظفين.. عدد أيام إجازة عيد الأضحى المبارك في مصر بعد ضم وقفة عرفات    سيات ليون تنطلق بتجهيزات إضافية ومنظومة هجينة جديدة    "الناس مرعوبة".. عمرو أديب عن محاولة إعتداء سائق أوبر على سيدة التجمع    في عيد استشهادهم .. تعرف علي سيرة الأم دولاجي وأولادها الأربعة    لطفي لبيب: عادل إمام لن يتكرر مرة أخرى    سلوى محمد علي تكشف نتائج تقديمها شخصية الخالة خيرية ب«عالم سمسم»    «يحتاج لجراحة عاجلة».. مدحت شلبي يفجر مفاجأة مدوية بشأن لاعب كبير بالمنتخب والمحترفين    تفحم 4 سيارات فى حريق جراج محرم بك وسط الإسكندرية    سعر البصل والطماطم والخضروات في الأسواق اليوم الثلاثاء 14 مايو 2024    ارتفاع جديد بسعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الثلاثاء 14 مايو 2024    إبراهيم حسن يكشف حقيقة تصريحات شقيقه بأن الدوري لايوجد به لاعب يصلح للمنتخب    ميدو: هذا الشخص يستطيع حل أزمة الشحات والشيبي    «محبطة وغير مقبولة».. نجم الأهلي السابق ينتقد تصريحات حسام حسن    فريدة سيف النصر: «فيه شيوخ بتحرم الفن وفي نفس الوقت بينتجوا أفلام ومسلسلات»    رئيس شعبة الأدوية: هناك طلبات بتحريك أسعار 1000 نوع دواء    رئيس مجلس أمناء الجامعة الألمانية: نقوم باختبار البرامج الدراسية التي يحتاجها سوق العمل    فرنسا: الادعاء يطالب بتوقيع عقوبات بالسجن في حادث سكة حديد مميت عام 2015    أطفال مستشفى المقاطعة المركزى يستغيثون برئيس الوزراء باستثناء المستشفى من انقطاع الكهرباء    «أخي جاوز الظالمون المدى».. غنوا من أجل فلسطين وساندوا القضية    دعاء في جوف الليل: اللهم إنا نسألك يوماً يتجلى فيه لطفك ويتسع فيه رزقك وتمتد فيه عافيتك    إبراهيم عيسى: الدولة بأكملها تتفق على حياة سعيدة للمواطن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«هنا المذبح».. دولة الجزارين

«عيد اللحمة».. هكذا يطلق الغالبية العظمى من المصريين على عيد الأضحى، حيث تنتشر الذبائح أمام المنازل، وفى محلات الجزارة، وينتظره الفقراء للحصول على لحوم الأضحيات، ويترقبه الجزارون أيضا، لأنه بمثابة موسم بالنسبة لهم، لكن الأمر لم يعد كالسابق مع زيادة الأسعار، وضعف الإقبال على شراء اللحوم. «الدستور الأصلي» زارت مذبح السيدة زينب، أشهر المذابح فى مصر، لترصد حالة المصريين الاجتماعية من خلال حركة البيع والشراء بالمذبح بالتزامن مع دخول عيد الأضحى المبارك، ولترصد أيضا كل ما يتعلق بسوق اللحمة، من أدوات الجزارة، وأيضا سوق وأسعار المواشى والأعلاف.
جزارون:المدارس «ضربت» الموسم
لم يكن كما كان عيدا للحمة، فالحديث عن ارتفاع الأسعار هو حديث كل عام، لكن هذا العام اقترب موعد دخول بداية العام الدراسى، مع عيد الأضحى، وهو ما زاد الأمر سوءا، فحركة البيع والشراء فى مذبح السيدة زينب، كانت أعظم دليل على ذلك، فعلى الرغم من أن أياما قليلة تفصلنا عن عيد الأضحى، فإن الإقبال ما زال ضعيفا.
الحاج سيد عباس، صاحب أحد محلات الجزارة بالمذبح، وصف تأخر بداية العام الدراسى حتى تزامنت مع عيد الأضحى المبارك، بالمصيبة التى لحقت به وبزملائه الجزارين، «لأن سوق اللحمة كانت تعانى من زيادة الأسعار، وجاءت الدراسة لتقضى عليها نهائيا»، وأضاف «موسم العيد الكبير موضة قديمة، كنا زمان بنفرش قدام المحل، ونزود عمال، ماكنش حد بيعرف يحط رجله فى المذبح، بس السنة دى المدارس جابت آخرها».
الحاج عباس أضاف «ارتفاع أسعار اللحوم كل عام، كان سببا فى ابتعاد الناس عن شراء اللحوم، كما يجد أن الرقابة على الأسواق هى الحل الوحيدة لمواجهة ارتفاع الأسعار، وكذلك الرقابة على الفلاح الذى يبيع العجول، ومراقبة سوق العلف كل هذه الدائرة الخاصة بالجزارة على الدولة مراقبتها حتى تعود اللحمة أسعارها معقولة من جديد».
أما الحاجة أم يوسف الجزارة، صاحبة محل جزارة بالمطرية التى قصدت مذبح السيدة زينب لشراء لحوم بالجملة للمحل الخاص بها، وكان محل الحاج عباس هو مقصدها المعتاد فى هذا المذبح، فقالت «محل الجزارة الذى أديره حاليا بعد وفاة زوجى، لم يعد يدر دخلا كما كان فى السابق، فلم تعد اللحمة مقصدا للمواطنين، الذين عزفوا عن شرائها بسبب ارتفاع أسعارها المستمر»، موضحة أن سعر اللحمة وصل إلى 80 جنيها، وكيلو البتلو وصل إلى 100 جنيه، متسائلة: «كام واحد يقدر يشترى كيلو لحمة بهذا السعر؟».
محمد شلبية، وهو أحد الجزارين بالمذبح، يقول «إحنا بناكل ونشرب طول السنة من الموسم ده.. والعيد ده رايح فى داهية، مافيش إقبال علشان مافيش فلوس»، لافتا إلى أن المصاريف ودخول المدارس من أسباب عدم الإقبال.
شلبية يبدأ استعداده للموسم بشراء أدوات الجزارة، فالأدوات، حسب كلامه، «صلاحيتها لا تتعدى العام، وأحيانا لا تتعدى الموسم لكثرة استخدامها، لذا يتم استبدالها بأدوات جديدة»، لافتا إلى أنه يستخدم أنواعا مختلفة من السكاكين، والإقبال دائما ما يكون على الأدوات الصينى، لأن أسعارها رخيصة وفى متناول الجميع، لكنها لا تتحمل العمل طويلا، ويضطر الجزار إلى شراء أدوات جديدة، وأسعار السكاكين تبدأ من 50 إلى 500 جنيه.
كيلو سعر اللحم الجاموسى يبدأ من 55 جنيها والبتلو تجاوز ال100

وعن أسعار اللحوم قال شلبية «الجاموسى الكبير سعرها 47 جنيها للكيلو، وقد تصل إلى 55 خلال العيد، والكندوز سعرها 65 جنيها، وقد تصل فى العيد إلى 80 جنيها».
أغلبية الجزارين والسنانين من سكان حى السيدة زينب
تبدأ رحلة الجزار دائما من خلال أدواته، التى يستخدمها فى الذبح وتقطيع اللحوم، قبل وفى أثناء عملية البيع، وأدوات الجزارة مثلها مثل كل الأدوات فى باقى المهن، منها ما هو جيد وغالى الثمن، ومنها ما هو ردىء وسعره رخيص، كما أن هناك أدوات يستخدمها الجزار، وينفرد بها، وأدوات أخرى يستخدمها صبيانه ممن يساعدونه فى العمل، ونظرا لأنه داخل محلات الجزارة تتعدد الاختصاصات حسب نوع اللحوم، فالأدوات أيضا متعددة، وكل تخصص له أدواته المعروفة من جانب كل من يعمل فى مهنة الجزارة.
تنتشر محلات أدوات الجزارة بكثافة فى منطقة «المذبح» بالسيدة زينب، فالاعتماد على هذه المحلات ليس فقط من جانب محلات الجزارة بالمنطقة، لكن يقبل عليها العاملون بالمجزر الآلى، لأن أغلبهم من سكان السيدة زينب، كما أن هناك علاقات وثيقة بين الجزارين وأصحاب هذه المحلات، لأن المسؤول عنها عائلات معروفة بالمذبح.
«الدستور الأصلي» فى أثناء جولتها بمذبح السيدة زينب رصدت رجالا وشبابا وسيدات يجلسون وسط الأسلحة البيضاء سواء داخل المحلات الخاصة بهم أو خارجها من خلال الشوادر يقبل عليهم الجزارون وصبيانهم، إما لسن السكاكين وإما لشراء غيرها بعد هلاكها وانتهاء صلاحيتها، وكما أن للجزارين مواسم، فلهذه الأدوات أيضا نفس المواسم، فمع الإقبال وكثرة العمل بمحلات الجزارة، دائما ما يكون الجزارون فى حاجة إلى أسلحة بيضاء جديدة تساعدهم على العمل.
«السنان» ليست مهنة فقط، إنما هو لقب العائلة الأكثر شهرة فى بيع أدوات الجزارة، وسن الأسلحة البيضاء بمنطقة «المذبح» بالسيدة زينب، فهذه العائلة تحترف المهنة منذ قديم الأزل، بدأها الأجداد ويستكملها الأحفاد.
حفيد عائلة السنان: السكين الأصلى للمعلمين الكبار
أحد أحفاد عائلة السنان، فضل عدم ذكر اسمه، يقول «المهنة دى ورثتها عن جدود جدودى، وأنا شغال فيها وأنا عندى 13 سنة، وأنا دلوقتى عندى 25 سنة»، وأكد أن المحلات تعمل طول العام، لكن الشوادر يتم نصبها فى المواسم فقط، وأنهم يبيعون أنواعا متعددة من السلاح الأبيض، وأدوات الجزارة بشكل عام، وهذه الأنواع، منها الصينى والألمانى والبرازيلى واليابانى والمصرى.
600 جنيه ثمن السكين السويسرى.. و300 للصينى.. والبرازيلى ب100..و«الكزلك» يبدأ من 25 جنيهًا

وأغلى نوع هو السويسرى، فالأصلى منها يصل إلى 600 جنيه، والتقليد 80 جنيها، والأصلى يحصل عليها «المعلمين» الكبار فى السوق، والسكينة الصينى تتراوح ما بين 20 و30 جنيها، والألمانى التقليد من 25 جنيها إلى 70 جنيها، والسويسرى التقليد من 40 إلى 90 جنيها، والبرازيلى التقليد من 50 إلى 100 جنيه، وأغلب الأنواع الموجودة فى السوق تقليد، أما الأصلى «بيجى بالطلب» «كَزْلَك الدبيح» يتراوح ما بين 25 و60 جنيها، «كزلك السليخة» 20 جنيها، «الفلانشة»، وهى التى تستخدم لتقطيع اللحوم عليها، سعرها 30 جنيها، «كزلك التشفية» من 20 إلى 50 جنيها، «القورمة» وهى قطعة خشبية لها أرجل يستخدمها الجزار فى أثناء تقطيع اللحوم للزبائن سعرها من 20 إلى 300 جنيه، و«الشواية» من 20 إلى 80 جنيها.
حفيد عائلة السنان أكد أن الأمر لا يتوقف عند بيع الأدوات فقط، بل إنهم يملكون محلا لتصنيع الأسلحة البيضاء الخاصة بالجزارين، «فجزارو الذبح الآلى بالبساتين يحصلون على أدواتهم من المذبح بالسيدة زينب، وتصنيع السكين يبدأ بقص قطعة من الصلب من خلال المقص والمطرقة، وبعد ذلك تدخل النار، ويتم الدق عليها، ثم يتم تركيب اليد، وعمل ثقوب باليد والصلب سويا، ثم يبدأ قشر الصدأ لتتحول إلى اللون الأبيض، ويتم تنكيلها وسنها ثم العرض للبيع بالمحلات».
أصحاب محلات اللحوم المستوردة: الموسم ده بتاعنا
«بثمن الكيلو نجيب اتنين»، جملة تكررت على لسان المواطنين، اختصرت السبب الحقيقى للإقبال على اللحوم المستوردة، فالأمر أصبح طبيعيا بالنسبة للمواطنين، خصوصا فى الأحياء الفقيرة، فتلك اللحوم التى لم تكن تلقى رَواجا بين المصريين، أصبحت الآن الأكثر استخداما، فما كانت تستطيع الطبقة المتوسطة من قبل شراءه لا تعد تستطيع شراءه الآن بعد أصبح بهذا الثمن المرتفع، فكيلو اللحمة البلدى أصبح ب80 جنيها، بينما المجمد ب40 جنيها، فنتيجة المعادلة ستكون فى صالح اللحوم المجمدة التى أصبح لها مستوردوها فى مصر ومتخصصون فى توزيعها على الأسواق والمحلات.
صاحب أحد محلات اللحوم المجمدة فى مذبح السيدة زينب، يدعى عاطف دسوقى، أكد أن إقبال المصريين على اللحوم المجمدة طوال العام لا يتوقف، وعيد الأضحى بالنسبة لهم، أصحاب محلات اللحوم المستوردة، هو موسم أيضا حيث يقبل عليهم عدد كبير جدا من المواطنين لشراء المجمدات من اللحوم، والإقبال عليها أحيانا يكون أكثر من محلات الجزارين، وذلك بسبب انخفاض أسعار لحومهم، مع جودة اللحوم، موضحا «اللحوم المستوردة جيدة، والناس عارفة كده، الدولة بتشرف على استيرادها، وكمان أسعارها فى متناول الجميع».
وعن ارتفاع أسعار اللحوم المجمدة، قال دسوقى «ارتفاع طفيف فى الأسعار، حدث قبل دخول العيد بثلاثة أشهر، لأنه موسم، ومن الطبيعى زيادة الأسعار بالمواسم، حيث وصل كيلو اللحم المفروم إلى 34 جنيها، فى مقابل 30 جنيها فى العام الماضى، وكيلو الكفتة وصل إلى 20 جنيها فى مقابل 18 جنيها، وكيلو الكبد ب24 جنيها فى مقابل 20 جنيها».
محمد الهوارى، عامل فى محل الهوارى للحوم المستوردة، قال «محلنا يشترى اللحوم المستودة، ثم نقوم بتشكيلها، وتحويلها إلى لحوم مفرومة، وكفتة، وبوفتيك، ونقوم بتعبئتها مرة أخرى وبيعها».
الهوارى أوضح أن محلهم هو من أشهر محلات اللحوم المستوردة فى مذبح السيدة زينب، كما أن لهم فروعا أخرى، معروفة لدى المواطنين، قائلا: «ناس كثيرة لا تثق فى شراء اللحوم المستوردة إلا من عندنا، فهم يعرفون جيدا أننا لا نبيع إلا المضمون».
أصغر أسطى فى المذبح: اتولدت جزار
لا تستطيع أن تفرقهم عن كبار الجزارين فى المذبح، نفس الزى، طريقة الكلام، وطريقة العمل، يمسك السكين ويقطع اللحم فى احتراف كامل، تجعلك فى دهشة، تجبرك على أن يكون أول الحديث بينكم هو سؤال واحد «عندك كام سنه؟»، ليكون هذا السؤال هو أصدق تعبير منك على عدم تصديقك بأن هذا الجسم القليل الذى يبدو عليه الصغر فى العمر يستطيع أن يفعل كل هذا.
صبرى شريف، ذو السنوات السبع، هو أحد أطفال المذبح، أو قل «الجزارين الصغار»، رفض الذهاب إلى مدرسته، مع بداية هذا العام، حيث ستكون هى السنة الأولى له فى المرحلة الابتدائية، بعد عامين قضاهما فى حضانة هذه المدرسة، فمُدرسته التى كانت تعنفه تسببت فى عدم رغبة صبرى فى الذهاب مرة أخرى إلى المدرسة، فرغب فى العمل مع والده فى المذبح، وفى مهنة السقاط، وذلك طبقا لرواية الوالد شريف. صبرى أكد أنه يحب تلك المهنة، فقد عمل بها منذ ما يقرب من عام، حين كان عمره 6 سنوات، كما أنه يكسب منها 5 جنيهات يوميا، و50 جنيها فى الأسبوع، الأمر الذى جعله يستطيع الادخار وامتلاك أموال كثيرة، وأمنية الصغير صبرى أن يصبح مَعلما كبيرا فى المذبح، وهو ما تسبب فى تركه المدرسة والاتجاه إلى العمل مع والده فى المذبح.
ويبدو من كلام والد صبرى أن فى مهنة الجزارة يتأثر الأطفال بآبائهم، خصوصا عندما تكون المهنة موروثة من الأجداد، فالأطفال دائما ما يميلون إلى قضاء اليوم مع آبائهم فى العمل، وهو ما حدث مع صبرى، فمنذ أن كان فى سنته الثالثة، ووالده يصطحبه معه للعمل، وهو ما جعل العمل فى الجزارة أمرا طبيعيا بالنسبة إليه، وهو ما يظهر فى عبارة الطفل صبرى «أنا مولود جزار»، فالأمر بالنسبة له ليس مجرد مهنة، إنما هو يحب العمل بها، وينتهز فرصة المواسم لإنجاز عديد من أعمال الجزارة للحصول على الأجر المخصص له، الذى يعتبر مبلغا ضخما بالنسبه له كطفل، ليس كذلك فقط، بل يفتخر بمهنته قائلا: «أنا جزار كبير».
صبرى ترك المدرسة ليعمل بالمهنة.. و«كشرى» جزار وطالب
صبرى قد يكون أصغر الأطفال بالمهنة سنا، لكنه ليس الوحيد، ففى المواسم يظهر العشرات من الأطفال ليحصلوا على أجر يمكنهم من الاستمتاع بأيام العيد، حيث التقت «التحرير» طفلا آخر يدعى محمد كشرى قصته مختلفة عن صبرى، الذى ترك دراسته للعمل فى الجزارة، حيث قرر كشرى أن يدرس، ويعمل فى المهنة التى يعمل بها والده، فهو يذهب فقط لأداء الامتحانات، أما باقى أيام العام فيذاكر بالمنزل، وعند الحديث معه عن مهنة الجزارة يبتسم، وكأنه رجل كبير يتحدث عن طفله المدلل.
كشرى طفل من دار السلام، يعمل مع والده فى مذبح السيدة زينب، منذ أن كان عمره 12 عاما، وهو متخصص فى «السلخ»، يقف فى مقدمة محل فواكه اللحوم ممسكا بسكين السلخ، ويقوم بفصل الجلد الخارجى عن اللحوم لتكون جاهزة للعرض والبيع للمواطنين، مرددا نفس عبارة صبرى «أنا مولود جزار»، ويؤكد أنه كان يتردد مع والده على محلات الجزارة منذ أن كان عمره خمس سنوات، لكنه بدأ العمل بالجزارة بشكل فعلى منذ أن كان عمره سبع سنوات، وتعلم من والده طريقة «السلخ»، وأصبح ماهرا فيها، ويتم الاعتماد عليه فى هذا التخصص، مشيرا إلى أنه يحب مهنة الجزارة، وسيواصل العمل بها حتى عندما يكبر، وأنه لا يريد أن يعمل فى مهنة أخرى.
تجار المواشى: الخرفان الأصلى من الصعيد
شكاوى من الجزارين والمواطنين تنطلق من حين إلى آخر بسبب ارتفاع أسعار اللحوم، وهو ما دفع «الدستور الأصلي» إلى البحث وراء غلاء الأسعار بداية من تربية الأبقار والخرفان، وحتى وصول اللحوم إلى الجزار، فأسواق بيع الخرفان والعجول تنتشر داخل مذبح السيدة زينب بكثافة، يقبل عليها التجار والمواطنون، منهم من يتساءل عن الأسعار، ومنهم من يتجه إلى الشراء مباشرة، ففى مكان تربية الماشية يوجد العشرات من التجار، ممن ورثوا تلك المهنة عن أجدادهم، وهو ما يبدو من طبيعة المكان، فعلى الرغم من تربية عدد كبير من الماشية بداخله، وهو مكان واسع للغاية، فإنه يبدو قديما ومتهالكا، وهو ما يعطى إيحاءً بأن هذا المكان يتم استغلاله فى تربية الماشية منذ سنوات كثيرة، وبجواره يوجد مكان يبدو أن له نفس التاريخ مع اختلاف طريقة استغلاله، وهو محل بيع الأعلاف.
التجارة فى الماشية مثلها مثل مهنة الجزارة، تسيطر عليها عائلات بعينها، فأغلب التجار يعملون بالمكان خلفا لأجدادهم، كما أنهم يصطحبون أبناءهم للعمل معهم، وهو ما يعطيهم خبرة كبيرة فى مجال بيع وشراء الماشية وكذلك فى أنواعها وتحديد أسعارها.
خالد صبرى، تاجر ماشية، يبلغ من العمر 25 عاما، ويعمل بالمهنة مع والده منذ 13 عاما، يؤكد «الأسواق تعمل طوال العام، حيث يقوم كل تاجر بتربية العجول والخرفان بالمكان الذى يملكه والمخصص لذلك، لكن فى أثناء المواسم قد لا تكفى الماشية للوفاء بإقبال المواطنين، خصوصا فى عيد الأضحى، وهو ما يجعل التاجر يتجه إلى الصعيد لشراء عدد كبير من الماشية»، حيث يشتهرون بتربيتها، ويقبل عليهم التجار من كل المحافظات، مشيرا إلى أن النقل يزيد التكلفة، إضافة إلى ارتفاع أسعار الأعلاف.
في الوقت ذاته أكد صبري، أن كيلو الخرفان وصل إلى 36 جنيها، ويصل وزن الخروف إلى 65 كيلوجراما، أما العجول فالسعر ما بين 31 و32 جنيها للكيلو، حيث ارتفعت الأسعار عن العام الماضى 3 جنيهات للكيلو، مضيفًا أن أوزان العجول قد تصل إلى 600 كيلو، حسب طلب الزبائن،و أن الإقبال على الأسواق يبدأ قبل العيد بما يقرب من 10 أيام، ويزداد يوم الوقفة واليوم السابق لها، لافتا إلى أن الإقبال يكون من الجزارين والمواطنين، وأن زيادة أسعار اللحوم تبدأ من زيادة أسعار الأعلاف والتربية والنقل والذبح، ففى كل مرحلة يزداد السعر.
«السقاط».. المتخصصون فى فواكه اللحوم
«فى المذبح مافيش حاجة بتترمى»، كلّ له زبونه، وكما أن لحم البتلو والضأن والكندوز له زبون، فأيضا أرجل الذبيحة، ورأسها، وعظامها، وعفشتها التى يطلق عليه «فواكه اللحوم» لها أيضا زبونها، وهم فى الغالب من الفقراء، الذين نسوا مع الارتفاع الجنونى لأسعار اللحوم، طعم اللحم نفسه، فأصبحت هذه «الحلويات» أو كما يقول الجزار «سقاطة الذبيحة» هى غذاؤهم من اللحوم، خصوصا فى الأعياد.
المحل الواحد يبيع «سقاطة» 100 ذبيحة فى اليوم
سمطى أو سُقاط هو اسم بائع فواكه اللحوم، ينظف أرجل الذبيح، وكذلك «الكرشة والفشة والممبار»، ويبيعها لأصحاب المطاعم من المتخصصين فى هذا النوع من الطعام «المسامط»، أو غير المتخصصين. أشرف سيد ومحمد عباس من أصحاب تلك المهنة منذ ما يقرب من 20 عاما، على الرغم من عدم كبر عمرهما كما بدا عليهما، ويعملان باليومية طوال هذه السنوات مع أصحاب المحال المتخصصة فى بيع «فواكه اللحوم»، حيث يذهبان يوميا بتكليف من صاحب المحل، إلى مجزر البساتين لشراء «سقاطة» ما يقرب من 100 ذبيحة من العجول والخرفان، ثم يأتيان لتنظيفها.
«دى اسمها الحلويات، أسعارها على قد إيد الناس الفقراء، وطعمها أحسن من اللحمة»، هذا ما قاله أشرف، مضيفا «ارتفاع أسعار اللحوم كل عام، جعلها أمنية صعبة المنال للفقراء، فليس باستطاعتهم، ولا حتى فى العيد شراء كيلو واحد من اللحوم، على العكس من ذلك تأتى (فواكه اللحوم) فسعرها المنخفض جعل منها ملاذهم فى تحقيق رغبتهم من أكل اللحمة، أو أى شىء من ريحتها، لذلك فالمحلات التى تبيع تلك الحلويات لا تتعطل، ولا تتوقف كما يحدث مع الجزارين، كما أن أسعارها، وإن كانت ارتفعت بعض الجنيهات البسيطة عن العام الماضى فما زالت فى متناول الفقير».
فى المذبح، كما يوضح عباس، هناك عائلات مشهورة فى تلك المهنة، ولها محلات معروفة تبيع «فواكه اللحوم»، ومنها عائلتا الجورن وكحلة، هما أشهر من عُرف فى مذبح «السيدة زينب» يبيع فواكه اللحوم، وعن الأسعار يضيف عباس «رأس الخروف يبلغ سعرها 20 جنيها، ورأس العجل قد يصل إلى 200 جنيه، ولا يشتريها سوى أصحاب المسامط، وكيلو لحمة الرأس ب10 جنيهات، والكرشة يتراوح سعرها من 10 إلى 15 جنيها، والفشة 15 جنيها، واللسان ب25 جنيها، والكارع ب15 جنيها، والكبدة ب45 جنيها، والقلب ب30 جنيها».
وعلى بعد خطوات من سيد وعباس، ذهبنا إلى محل الجورن أشهر محل فواكه اللحوم، كما قال عباس، لنلتقى عادل الجورن، الذى ارتفعت أسعار الفواكه لديه عن محل سيد وعباس، فى بعض الأشياء بعض الجنيهات كالكارع ولحمة الرأس، وكانت متماثلة فى أسعار الممبار، وانخفضت فى الكرشة والفشة عن محل سيد وعباس، ويوضح عادل أن سبب الاختلاف فى الأسعار المرتفعة هو جودة ما يقدمونه، فتلك الأشياء هى سقاطة الذبيحة الخاصة بهم، فهم لديهم أيضا محلات جزارة تذهب إليهم الذبيحة، ثم يأخذون هم السقاطة، لذلك فالأشياء التى يبيعونها مضمونة.
خميس يعمل 12 ساعة فى اليوم من أجل بيع الفشة والكرشة
أحمد خميس، أحد عمال محل «الجورن»، متخصص فى تكسير رؤوس العجول «سقاط»، على هامش الحديث عن الأعياد وشراء اللحوم، اشتكى من ضعف أجرته اليومية التى تبلغ 50 جنيها، وهو لديه ثلاثة من الأبناء، إضافة إلى أجرة منزله، وكذلك مع قلة إقبال المواطنين على شراء اللحوم ومشتقاتها، مضيفا «هذه المهنة تعتمد على الوقفة طول اليوم، مع عدم وجود تأمين، وهو ما يجعله ينزل العمل حتى وهو مريض». خميس الذى يعمل فى اليوم 12 ساعة متواصلة من الساعة 7 صباحا، وحتى الساعة ال7 مساء.
اقتصاديون: المصريون يعيشون أصعب 75 يوما فى السنة

المدبح قبل العيد
«اللحمة غالية.. واللى جاى على قد اللى رايح»، هكذا عبر المواطنون عن غضبهم من غلاء أسعار اللحوم وعدم قدرتهم على شرائها، فبعضهم يلجأ إلى اللحوم المجمدة، والبعض الآخر يلجأ إلى الدجاج، وهناك طبقة معدمة غير قادرة على شراء اللحوم إلا فى المناسبات، وتنتظر عيد الأضحى، الذى يوزع فيه الأغنياء اللحوم عليهم بعد ذبح الأضحية.
أمينة إبراهيم، إحدى سكان منطقة السيدة زينب، قالت «أسرتى كانت دائما تفضل اللحوم الطازجة، التى يتم شراؤها من الجزارين، لكن مع غلاء الأسعار وسوء الحالة الاقتصادية فى السنوات الماضية أصبحت تعتمد فى غالبية أيام السنة على اللحوم المجمدة، أما اللحوم الطازجة فنشتريها فى العزومات فقط»، مؤكدة أن عيد الأضحى لم يعد كما كان يطلق عليه «عيد اللحمة»، فاللحوم فى العيد أصبحت مجرد شعيرة دينية من الأغنياء تجاه الفقراء.
خالد مدحت من سكان منطقة حدائق القبة قال إنه يشترى اللحوم الطازجة من الجزار، وأحيانا يتجه إلى اللحوم المجمدة، نظرا لغلاء الأسعار، مشيرا إلى أن المجمدات أيضا ارتفع سعرها فى الأيام الأخيرة، وتساءل: «لحد إمتى هتفضل الأسعار فى زيادة بالشكل دا؟»، لافتا إلى أنه يعد من الطبقة المتوسطة، التى أصبحت غير قادرة على مواكبة ارتفاع الأسعار، لافتا إلى أن هناك بعض المواطنين يعتمدون على فواكه اللحوم، وذلك لأن أسعارها أقل بكثير من البتلو والكندوز والضانى.
الخبير الاقتصادى صلاح جودة، علق على الحالة الاقتصادية المحيطة بالمواطنين فى موسم عيد الأضحى المبارك، وكذلك على حركة البيع والشراء فى الأسواق، قائلا: «مصر تعيش الآن حالة تباطؤ اقتصادى فى هذا الموسم على وجه الخصوص، بسبب تزامن خمس مناسبات خاصة للمصريين ينفقون فيها أموالهم خلال 75 يوما فقط، وهى شهر رمضان، وعيد الفطر، والمصيف، ودخول المدارس، وأخيرا عيد الأضحى، وهو فى هذا العام سيشهد انخفاضا فى معدل البيع والشراء، إضافة إلى تزامن كل هذا مع رفع الدولة الدعم عن الطاقة، وكذلك رفع الدعم عن بعض السلع».

iframe src="http://tahrirnews.com/random.php" style="display:none"/iframe


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.