احتفت موسكو كثيرًا بزيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى، بدأ الاحتفاء من لحظة دخول الطائرة الرئاسية الأجواء الروسية حيث قام سرب من الطائرات الروسية المقاتلة باصطحاب طائرة الرئيس وهو إجراء يتخذ مع العظماء، وكنوع من إظهار التقدير والاحترام والاحتفاء. أيضا كان وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف على رأس مستقبلى الرئيس فى مطار «سوتشى»، وأُجرى استقبال رسمى للرئيس فى سابقة هى الأولى من نوعها فى سوتشى، وجهز الجانب الروسى عرضا لمعدات عسكرية فى المطار، كما أن اللقاءات التى عقدها الرئيس مع نظيره الروسى فلاديمير بوتين والموضوعات التى تم بحثها تكشف عن مرحلة جديدة فى العلاقات المصرية الروسية تدخل مجال التعاون الاستراتيجى الذى يصب فى مصلحة البلدين. بالقطع لا يمكن فصل هذه الزيارة وما دار فيها وتم التوصل إليه من اتفاقات عن التطورات الإقليمية والدولية، فالسياسة الأمريكية المعادية لثورة الشعب المصرى فى الثلاثين من يونيو، وحِرص واشنطن على الحفاظ على خيوط اتصال مع جماعة الإخوان، وقراراتها السلبية تجاه مصر ومنها وقف تسليم طائرات الآباتشى الهليكوبتر المقاتلة، وتجميد المساعدات العسكرية فى وقت كانت مصر فى أشد الاحتياج إليه بسبب حربها على الإرهاب، ومواجهتها للجماعات المسلحة فى شمال سيناء، كل ذلك أدى إلى استياء مصرى من سياسات ومواقف الإدارة الأمريكية، كما أن تبلور ملامح الخطة الأمريكية لنشر الفوضى فى المنطقة وتفتيت الكيانات الكبيرة قد أثار مخاوف دول عديدة فى المنطقة منها حلفاء لواشنطن كالسعودية والإمارات والبحرين. من جانبها كانت روسيا الاتحادية تتابع الموقف فى الشرق الأوسط بدقة وتتأمل تخلى واشنطن عن نظم حكم حليفة لها، بل ومشاركتها فى التخطيط لتغيير هذه النظم، لم تبادر موسكو بانفتاح على هذه الدول، بل إنها لم تتحرك حتى بعد أن رفعت مسيرات ثورة الثلاثين من يونيو فى شوارع مصر وميادينها صور الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، فقد كانت موسكو متحفظة لاعتبارات منها خبرة الماضى مع نظام السادات الذى سبق وألغى معاهدة الصداقة والتعاون عام 1972، وقيامه بطرد الخبراء الروس قبل حرب أكتوبر 1973، وتقدير موسكو أن ما بين هذه الدول العربية وواشنطن ربما تكون أزمة طارئة سرعان ما يعود التحالف الاستراتيجى بينهما، بالإضافة إلى تخوف موسكو من أن تكون العواصم العربية محتاجة إلى الانفتاح على موسكو فقط من أجل التلويح للولايات المتحدة بأنها تمتلك بدائل، وأن هذه الدول سوف تتجه إلى تطوير علاقاتها مع موسكو ما لم تتراجع واشنطن عن سياستها العدائية تجاه هذه الدول. باختصار كانت موسكو فى حاجة إلى معرفة مدى جدية مصر والدول العربية المساندة لها فى الانفتاح على موسكو وصدق توجهها نحو تطوير العلاقات بمعزل عن الأزمة الطارئة فى علاقاتها مع واشنطن، وازداد احتياج موسكو لمعرفة ذلك، لا سيما بعد أن بدأ عدد من المسؤولين الخليجيين فى التوجه نحو موسكو وتحديدًا من السعودية والإمارات، فقد شكل هذا التوجه فرصة نموذجية لموسكو لدخول منطقة الخليج التى كانت تعد حتى وقت قريب منطقة مغلقة على النفوذ الأمريكى الخالص، وعندما أيقنت روسيا من صدق التوجه المصرى والدعم الخليجى لهذا التوجه، فتحت روسيا أبوابها أمام القيادة لمصرية الجديدة وحرصت على الاحتفاء بالرئيس المصرى على نحو غير مسبوق تمهيدا لعلاقات استراتيجية تغير من شكل العلاقات الإقليمية والتحالفات الدولية فى الفترة القادمة.