لو كانت حكومتنا رجلاً لكمنت له خلف الجبل، ولأعطيته شلوتاً بالمجان لا أسأله عليه جزاء ولا شكورا. لكن الكويت دولة لا جبال فيها ولا أنهار ولا وديان ولا سهول ولا بحيرات ولا ينابيع. هي أرض مبسوطة كل البسط ككف الجالس علي باب الجامع، ومساحتها علي الكرة الأرضية بمساحة حبة خال في جسم عملاق روسي أشقر. ولو كان عند حكومتنا ذرة، أو نواة، من الخجل، لسرقت «نصيبها» بالرفاء والبنين، ولشيّدت بجزء من الباقي سلالم متحركة تربط الكويت من الجلدة إلي الجلدة. ولو تولتنا حكومة يعرف خدها اللون الأحمر، لقامت برشّ الكويت كلها، من المحيط إلي الخليج، بالعطورات الفرنسية كل مساء، فيتراهن الناس: «هذا عطر شانيل، لا يا أعمي هذا عطر غوتشي، لا عطر دافيدوف»، فتخصص الحكومة جائزة أسبوعية، طائرة بمقعدين، لمن يعرف نوع العطر هذا الأسبوع، ولن تتأثر الميزانية. وفي لبنان، الذي يسكن شعبه الجبال، ويجاورون النسور في البناية نفسها، نشاهد الحكومة اللبنانية، التي هي فقيرة و«مديونة» من الجميع حتي من بقال الحارة، قامت بشق طرقات ملتوية كالثعابين في الجبال، علي أحدث تصميم، وحفرت الصخر وتجرحت أظافرها فتحملت إلي أن أوصلت خدماتها إلي أعلي شقة، وشيدت الملاعب الرياضية والفنادق الفخمة وأقسام الشرطة وبقية الخدمات علي القمم. ويقول الخبير الاقتصادي العربي الكبير، الكويتي الجنسية، جاسم السعدون: «كل ما في الكويت فاسد، باستثناء البنك المركزي»، وأنا أقول: «ضمّه مع القوم يا أبا عبد الله، فهو السبب الأول والرئيسي فيما حدث في القروض من تلاعب أنهك الناس. ضمّه معهم، فمحافظ البنك المركزي، الذي يغار من فخفخته قياصرة الروم، رؤوف رحيم بالبنوك، شديد العقاب عليّ الغلابة، فإذا ارتفع سعر الفائدة سمح للبنوك برفع قيمة قروضها، بل إنه يشيل معها، وإذا انخفض سعر الفائدة غض طرفه لفرط تقواه وورعه، لذلك أصبحت قروض البسطاء كعارضة لعبة الوثب العالي في الأولمبياد، ترتفع بعد كل وثبة». وقبل فترة، عرض علي الزملاء المصريون فكرة ما زلت أناقشها مع نفسي: «إيه رأيك نبدل حكوماتنا، فتأخذون أنتم الدكتور نظيف وكل النظاف الذين معه، وتعطونا بدلاً منهم الشيخ ناصر المحمد ورجالته؟»، فاشترطتُ أن لا ينحصر البدل في الحكومات فقط، بل في الحكومات ولعّاقيها، باكيج، شيلة واحدة، وأنتم لا خوف عليكم، خصوصاً وأن عندكم لعّاقاً أتابع لعقه باستمرار، وأشهد أنه علي مستوي عال يؤهله للعب في النهائيات مع لعاقينا، لعقة واحدة منه لجزمة الرئيس فإذا هي تلمع من غير سوء، ويبدو أن معسكرات تدريبه كانت في الكويت، لكن مشكلة بقية لعاقيكم يا أحبابي أن تمثيلهم مكشوف، وأداءهم أسوأ من أداء فاروق الفيشاوي بجلالة سوئه. ويوم الأربعاء، أمس الأول، علي ذمة جريدة «الآن» الإلكترونية، أثناء استراحة النواب والوزراء في القاعة المخصصة لهم في مبني البرلمان، قام أمين سر المجلس - ضع خطاً بالقطران المبين تحت «أمين»، وهو الذي ترتفع يده بالموافقة والرفض مع ارتفاع وانخفاض حواجب الحكومة، لأنه صديق الحكومة، وصديق البيئة، وصديق كل ذي سطوة وحظوة - وطلب من وزير الصحة (وهو أحد اللمبات التي لم تنطفيء بعد في الكويت المظلمة) التوقيع علي معاملة، فرفض الوزير توقيعها لمخالفتها القوانين، فشتمه النائب الأمين: «لابوك لابو من لبّسك البدلة»، أي ألعن أبوك وألعن أبو من ألبسك البذلة، فرد عليه الوزير: «لابوك أنت»، فنهض النائب وذهب إلي الصالة المجاورة، حيث يجلس سموّ رئيس حكومتنا الهمام، وأعطاه المعاملة فقام سموّه بالتوقيع عليها رغم علمه بتفاصيل الخناقة. فالقانون من عبيد سمو الرئيس، يبيعه، يعتقه لوجه الله، يستخدمه، قانونه وهو حر. والوزراء خاطرهم عنده بربع دينار، وقيل بل بنصف دينار، واختلف الرواة والحواة... وبانتظار التبديل، وبالأحضان يا دكتور نظيف، ووالله لو جريت جري الوحوش، رُبع ناصر ما تحوش.