قبل أن تبدأ هدنة ال72 ساعة التى كان هدفها أن توقف مؤقتا المذبحة الوحشية التى ترتكبها إسرائيل فى غزة.. كانت الإدارة الأمريكية حريصة على الإعلان عن تزويد إسرائيل بما تحتاجه من ذخائر أو صواريخ لكى تعوض ما خسرته فى أثناء ذبح أطفال غزة!! وقبلها كانت تعلن عن دفعات إضافية بمئات الملايين من الدولارات من الصواريخ المضادة للصواريخ، بهدف تعزيز ما تسميه ب«القبة الحديدية» لمواجهة ما تطلقه المقاومة من صواريخ على الداخل الإسرائيلى، والتى لم تقتل أحدا تقريبا، وإن سببت الكثير من الإزعاج والمتاعب للعدو الإسرائيلى!! ولم تكن الإدارة الأمريكية فى حاجة إلى الإعلان عن هذه التعزيزات، لأن الواقع يقول إن مخازن الأسلحة الأمريكية الموجودة فى إسرائيل باتفاقات خاصة كانت مفتوحة أمام جيش إسرائيل فى كل وقت.. بالإضافة إلى أن صناعة السلاح فى إسرائيل قادرة بلا شك على توفير احتياجات هذه الحرب المحدودة. الإعلان الأمريكى هدفه واضح.. وهو إيصال رسالة جديدة قديمة إلى كل الأطراف بالدعم الأمريكى الكامل لإسرائيل، وأن واشنطن حين تتحرك نحو إيقاف إطلاق النار، فليس لأن إنسانيتها استيقظت فجأة، ولكن لأن كل الأكاذيب التى روجتها إسرائيل لتبرير عدوانها قد بدأت تفتضح، ولأن العالم قد بدأ يصيح على هول الكارثة التى تجرى فى غزة، حيث يقتل الأطفال وتدمر المساكن وتقصف المستشفيات وتهدم المدارس التى ترفع علم الأممالمتحدة على رؤوس الضحايا الذين يحتمون بها من صواريخ أمريكا التى تطلقها الطائرات الإسرائيلية. الأولوية الآن بلا شك هى لوقف المذبحة التى تجرى بحق الشعب الفلسطينى، ومنع إسرائيل «ومن يقفون وراءها ومعها» من تحقيق أهدافهم. رغم كل التضحيات التى قدمها الشعب الفلسطينى والإنجازات التى حققتها المقاومة فإن المخاطر على القضية الفلسطينية أكبر من أى وقت مضى!! حق الشعب الفلسطينى فى أن يعيش حياة إنسانية كريمة تجرى المساومة عليها، لكى يكون الثمن هو التنازل عن الحقوق الوطنية المشروعة!! إيقاف المذبحة الإسرائيلية فى غزة يراد ربطه بنزع سلاح شعب ما زال يقاسى ويلات الاحتلال!! التلويح بالمساعدات وإعادة الإعمار يجرى جنبا إلى جنب مع محاولات تشارك فيها أطراف عربية وإقليمية «مع إسرائيل وأمريكا» لتكريس الانفصال بين غزة والضفة. شلال الدم الفلسطينى فرض على الفصائل الفلسطينية أن توحد مواقفها.. حضور الوفد الفلسطينى الموحد إلى القاهرة خطوة مهمة، لا ينبغى أن يكون الأمر متعلقا فقط بتقديم التغطية لأى اتفاق قد يتم، وإنما المطلوب أن يكون الجميع قد استوعب الدرس وأدرك حجم المخاطر. إن الذى ضحى وعانى وقدم جيشًا من الشهداء هو شعب فلسطين، وليس هذا الفصيل أو ذاك، والذى صمد فى وجه الكارثة وما زال هو المواطن الفلسطينى، الذى لم يبذل دمه من أجل جماعة أو تنظيم، بل هو يدرك -أكثر من أى وقت مضى- أن الأوضاع ما كانت ستصل إلى ما وصلت إليه لولا الانقسام الفلسطينى الذى قصم ظهر المقاومة وأعطى إسرائيل الفرصة لتغلق الأبواب أمام أى حل سياسى، وتمضى فى طريقها لنهب الأرض وتوسيع الاستيطان وفرض الأمر الواقع بالقوة. إيقاف المذبحة الإسرائيلية هو الهدف الرئيسى الآن، ورفع الحصار وإيقاف المعاناة وإعادة الإعمار، كلها مطالب مشروعة لأهلنا فى غزة، لا بد من تحقيقها.. لكن جوهر القضية ينبغى أن يظل هو إنهاء الاحتلال، وأساس التحرك لا بد أن يظل هو الوحدة الوطنية الفلسطينية، ودون ذلك سنكون -فى أفضل الأحوال- أمام هدنة «تطول أو تقصر» ندفن فيها الشهداء ونبحث فيها عن لقمة عيش ومأوى لمن فقدوا كل شىء، ثم نبقى فى انتظار عدوان جديد، ومذبحة أخرى وحديث مكرر عن وحدة لا تتحقق، ووطن يؤخذ أمام أعيننا ونحن عاجزون إلا عن تقديم الشهداء!!