رغم مأساة «موقعة الجمل» وقتال الصحابة بعضهم بعضا للمرة الأولى، فإن وسط هذه المأساة يبزغ عديد من الصور المشرقة، ومن أهمها الرجوع إلى الحق وعدم المكابرة. فريقان كل منهما يظنّ أن الحق معه، وأنه يدافع عن دين الله ضدّ من فرّط فيه، كلاهما يستند إلى آيات وإلى أحاديث وإلى فتاوى، وكلاهما يعضِّد موقَفه وجودُ بعض الصحابة والمبشَّرين بالجنة فى صفِّه. ووسط كل هذه الشحناء وهذا التصميم على القتال، يقف علىُّ بن أبى طالب أمام الزُّبَير بن العوَّام.. كلٌّ على فرسه، وكلاهما مبشَّر بالجنة.. لا يجد علِىٌّ حلا قبل أن تتقارع السيوف سوى أن يذكِّر الزُّبَير بما يتمنى أن يَرجِعَه إلى صوابه، فيقول له: يا زُبَير.. نَشَدتُكَ اللهَ.. أتذْكُر يومَ مرَّ بك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن فى مكان كذا، فقال: «يا زُبَير، ألا تحب عَلِيًّا؟ فقلتَ: ألا أحب ابن خالى وابن عمى وعلى دينى؟ فقال: يا زُبَير، أما والله لتقاتلَنَّه وأنت ظالم له؟» فصرخ الزُّبَير: نعم.. والله لقد نَسِيتُه منذ سمعته من رسول الله ثم ذكرته الآن، والله لا أقاتلك. ثم رجع.. فقط! ببساطة وفى لحظات، وبمجرَّد أن سطعت فى وجه الزُّبَير بن العوام علامة صدق لمنافسه ومن رسول الله شخصيًّا، نسى كل ما خرج من أجله، ونسى تأويلاته وتفسيراته.. ترك المعركة ومضى ليتبعه بعض من ضاقوا برحيله ويقتلوه.. كان منذ ساعات على رأس جيش يقاتل سيدنا عليًّا، وكتب الله له بكلمة واحدة وعودة صادقة إلى نور الحق أن يفلت من معركة يتقاتل فيها المسلمون بسيوفهم. الرجوع إلى الحق ليس فشلا ولا هزيمة ولا يستوجب ندما، إنما تصحيح مسار للعودة إلى الطريق الصحيح. رضى الله عنهم.