حسنا فعل رؤساء تحرير الصحف المستقلة عندما اجتمعوا لمناقشة اعتداء جديد علي حرية الصحافة يقوم به وزير المالية الذي قدم بلاغا ضد الزميل وائل الإبراشي؛ بسبب موقفه المعارض لفرض الضرائب العقارية. وهذا الموقف الجماعي الذي تمخض عنه كتابة مقال مشترك نشر في كل الصحف، لابد أن يتطور ليتحول إلي محاكمة صحفية لوزير المالية، وهذه المحاكمة يجب ألا تقتصر فقط علي سياساته غير الشعبية والتي يعاني منها كل مواطن مصري، وإنما لابد أن تمتد إلي قرارات أخري، خاصة تلك المتعلقة بتعيين ممثلي المال العام في الهيئات والمؤسسات الكبري، والتي حولها إلي سبوبة لأنصاره والمقربين منه في الوزارة، ولو بحث الصحفيون في قرارات الوزير سيجدون بلاوي، يمكنها أن تنزع عنه أي شرعية. فالوزير تصور أنه بسبب قربه من صانع القرار، أصبحت له حصانة خاصة تمكنه من الإطاحة بالمواطنين، وعندما كسر وائل الإبراشي هذه الحصانة الزائفة قرر أن يؤدبه، وهو لا يدرك أن هناك خطوطاً حمراء لا يمكنه أن يتجاوزها، في مقدمتها حرية الصحافة. وكان علي الوزير أن يدرك أن محاولته لإسكات الصحافة لن تمر. وكان علي الصحفيين الذين يعملون معه كمستشارين، بالمخالفة لميثاق الشرف الصحفي أن يردعوه من العصف بزملائهم، ولكن «أكل العيش مُرْ» كما يبدو. لقد أساء الوزير للنظام وخدم الصحافة، من دون أن يدري بالطبع. أساء للنظام؛ لأنه أكد أن رموز النظام هم الذين يريدون إسكات الصحافة، وليس كما تحاول الحكومة أن تظهر بأن الخطر علي حرية الصحافة يأتي من مصادر أخري اجتماعية ودينية، وأنها بريئة من العصف بحرية الصحافة كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب. وخدم الوزير الصحافة لأنه أعاد إلي الواجهة مرة أخري مطالب الجماعة الصحفية الخاصة بتنفيذ وعد الرئيس مبارك لنقيب الصحفيين السابق الأستاذ جلال عارف الخاص بإلغاء عقوبة الحبس في قضايا النشر وهو الوعد الذي لم يتم تنفيذه حتي الآن. وقد وجد الصحفيون، من دون تفرقة بين مستقل وقومي، حكومي أو معارض أن الوقت مناسب لكي يكون تنفيذ وعد الرئيس في مقدمة جدول أعمال الجماعة الصحفية، وهو الأمر الذي سبب ارتباكاً للحكومة لأنها لم تكن تضع هذا الأمر في جدول أعمالها في الوقت الراهن. ألم يكن أجدي بالوزير أن يستكمل لعب السولتير علي جهاز الموبايل الخاص به بدلا من أن يستغرق وقته في كبت حرية الصحافة؟ فالوزير الحريص علي عضوية مجلس الشعب يستهين بالمجلس الموقر ويلعب «جيمس» خلال الجلسات وعلي الرغم من نشر الصحف أكثر من مرة لهذا العبث بالمجلس التشريعي، فإن حصانته منعت الدكتور أحمد فتحي سرور من أن يردعه عن القيام بهذا الأمر.. وعلي الرغم من معارضتنا لما يقوم به وزير المالية من محاولات لكبت حرية الصحافة، فإننا نستطيع القول، «رب ضارة نافعة»، فالوزير جعل الصحفيين يستعيدون اهتمامهم مرة أخري بقضايا الحريات. وللأسف فإن التحركات الصحفية كانت من قبل رؤساء تحرير الصحف المستقلة وتضامن معهم كتاب رأي وأعمدة، وكل ذلك يتم في غيبة من نقابة الصحفيين التي اعتبر نقيبها أن عدم إبلاغ النقابة له بموعد اجتماع رؤساء تحرير الصحف الخاصة مبرر لعدم اهتمامه بما يحدث في الساحة الصحفية. ولعل من الخدمات التي قدمها الوزير للصحفيين أنهم تأكدوا من عجز مجلس نقابتهم عن الدفاع عن حقوقهم.