مرَّ صحابيان على الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه زوجته، فأسرعا، فاستوقفهما النبى وقال لهما: على رِسْلِكما، هذه زوجتى صفية، قالوا: أفيك نشكّ يا رسول الله؟ قال: لئلا يدخل الشيطان عليكما.. فهذا رسول الله أراد ببساطة أن يزيل الشك من قلوب الصحابة رغم أنه رسول الله الذى كان قرآنا يمشى على الأرض، أراد أن يستأصل النبتة الخبيثة التى من الممكن أن تنمو فى قلوب أصحابه. لو حدث هذا الآن لشيخ من الشيوخ، وأردت الاستفسار لصرخ فيك صاحبك: احذر.. لحوم العلماء مسمومة، كأن مجرد إطلاق لقب «شيخ» على أحد هو بمنزلة العصمة التى تمنعه من سهام الظن وإرهاق المناقشة والجدل، هذا إذا تغاضينا أصلا عن الفرق الشاسع بين العالِم، وبين كل من يُطلق عليه لقب «شيخ». إذن.. فالمشكلة الأولى فى جملة «لحوم العلماء مسمومة» -التى هى قول مأثور وليست قرآنا أو حديثا قدسيا أو نبويا- ظنّ البعض أنه بموجبها يصبح العلماء فوق النقد وفوق المناقشة وفوق سوء الظن المترتب عادةً على أفعال باطلة منهم واضحة وضوح الشمس، أما المشكلة الثانية فهى قصر السمّ على لحوم العلماء، كأن لحومهم مسمومة ولحوم غيرهم كباب وكفتة، بالهنا والشفا. والحقيقة أن الله سبحانه وتعالى عندما نهى عن الغيبة والنميمة لم يحدد أكان اللحم الميت لعالم أم لجاهل، الكل سواء، والقذف والطعن واللعن والمعايرة والتعريض الخبيث كلها آفات يتساوى فاعلها، سواء أكان إسلاميا أو ليبراليا، ويعانى منها المفعول به سواء أكان عالما أو جاهلا. أما مَن يقول إن مناقشة العلماء أو الشيوخ والحطّ من شأنهم هو هدم للإسلام فلا يسعنى سوى أن أقول له: لا خوف على الإسلام فهو باقٍ، وإنما الخوف كل الخوف مما يفعله المسلمون بالإسلام.