مراقبون: دول غربية تعد لفرض منطقة حظر جوي فوق مناطق تسيطر عليها المعارضة السورية وإجراء انتخابات وتشكيل هيئات سلطة حذرت مصادر روسية من خطوات الغرب الأخيرة لعرقلة ملف سورية في جنيف، ووقف الحوار السياسي، واصفة تداعيات ذلك بالخطيرة، وأن البديل الوحيد لمحادثات جنيف هو الحرب التي ستنعكس علي المنطقة برمتها. في هذا الصدد أعربت وزارة الخارجية الروسية عن استياء موسكو من نتائج اجتماع لندن الذي شارك فيه وزراء خارجية 11 دولة من مجموعة "أصدقاء سورية". وأشار بيان الخارجية الروسية إلى أن المشاركين في مجموعة "لندن-11" أعلنوا نيتهم تشديد الضغوط على الحكومة السورية التي يتهمونها بنشر "الإرهاب في المنطقة"، لكنهم صمتوا بالكامل عن وقائع نشاطات "فصائل جيدة التسليح والإعداد من الإرهابيين الدوليين والجهاديين الذين يقاتلون الحكومة السورية مستهدفين الإطاحة بها"، وبينها "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، و"جبهة النصرة"، و"الجبهة الإسلامية".
وأعلنت الخارجية الروسية أن موسكو لا تشاطر رأي بعض شركائها الغربيين من أعضاء مجموعة "لندن-11" الذين يعتبرون أن عملية جنيف السلمية الخاصة بالتسوية في سورية قد باءت بالفشل. وأشارت إلى أنه لم يعلن أي طرف من الأطراف السورية رفضه لإمكانية استئناف مفاوضات جنيف ومواصلتها، مضيفا أن موسكو مستعدة لدعم هذه العملية بقوة، "لأن منطق جنيف هو منطق التسوية السياسية، ولا بديل له سوى منطق الحرب".
وفي سياق التصعيد الغربي الذي تقوده الولاياتالمتحدة، قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إنه اطلع على معلومات أولية تشير إلى أن الجيش السوري استخدم غاز الكلور أثناء العمليات العسكرية، مشيرا إلى أن هذه المعلومات لم تتأكد بعد. وكان وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس قد قال إن سورية استخدمت أسلحة كيميائية تشمل غاز الكلور في 14 هجوما خلال الأشهر القليلة الماضية. ولكنه تراجع في ما بعد، مشيرا إلى أنه من الصعب إثبات أن النظام السوري استخدم غاز الكلور. وعلى الرغم من ضبابية الاتهام وخطورة أهدافه، قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إن الولاياتالمتحدة اتفقت مع حلفائها على تعزيز الدعم للمعارضة السورية، لكنه لم يؤكد ما إذا كان ذلك سيشمل تسليحها. وأشار كيري إلى أنه منفتح على فكرة تقديم مساعدة للمعارضة السورية عبر أي وسائل، لكن لم يتم اتخاذ قرار بعد بتغيير استراتيجية المساعدة الأمريكية للمعارضة.
هذا وسادت حالة من التوتر في الأوساط السياسية والدبلوماسية الغربية والروسية عقب إعلان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون يوم 13 مايو الحالي عن استقالة الأخضر الإبراهيمي من منصب المبعوث الخاص للأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سورية. ووصف بان كي مون استقالة الإبراهيمي بأنها تمثل إخفاقا للجميع. ومن جانبه أعرب الإبراهيمي عن أسفه لترك المهمة مع استمرار الأزمة السورية، وأكد أنه بذل كل ما في وسعه من أجل تسوية الأزمة. لكن مصادر دبلوماسية أكدت أن استقالةَ الإبراهيمي جاءت نتيجةَ عرقلة أطراف غربية لجهود الحل السلمي في سورية وخاصة الطرف الأمريكي.
وفي نفس يوم 13 مايو اجتمع الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض أحمد الجربا. ونقل البيت الأبيض عن أوباما تأكيده خلال اللقاء على رفض الانتخابات الرئاسية القادمة في سورية، مشيرا إلى أن الولاياتالمتحدة تدعم المعارضة المعتدلة والشعب السوري في السعي لإنهاء الصراع وضمان الانتقال السياسي. وأشاد الرئيس الأمريكي بدور الائتلاف في محاولة إيجاد حل سياسي للأزمة في سورية. وأكد أوباما أن الرئيس السوري بشار الأسد فقد شرعيته بشكل كامل ولا مكان له في سورية المستقبل. كما بحث أوباما مع الجربا الخطر الذي يمثله تنامي الإرهاب في سورية واتفق الاثنان على ضرورة التصدي للجماعات الإرهابية بغض النظر عن الطرف الذي تدعمه في هذا النزاع. ولم يشر بيان البيت الأبيض إلى المساعدات العسكرية الأمريكية للمعارضة السورية التي يصرّ الجربا على ضرورة زيادتها.
وكانت بريطانيا قد أعلنت مؤخرا عن رفع مستوى تمثيل المعارضة السورية إلى بعثة دبلوماسية في لندن، وسوف تقوم دول أوروبية أخرى قريبا بمثل هذه الخطوة. ما يعطي انطباعا، حسب مراقبين، بأن الأمور سوف تتغير حول الملف السوري. وقد تصل إلي مطالبة مجلس الأمن الدولي باتخاذ قرارات حاسمة تصل إلى فرض منطقة حظر جوي على جزء من الأراضي السورية التي تسيطر عليها المعارضة. وألمحت مصادر إلى أن واشنطن وباريس ولندن تعد سيناريو انتخابات في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة وتشكيل هيئات سلطة هناك.
وعلي الرغم من تفاقم الأمور بعد لقاء "لندن – 11" والتمهيد الممنهج لإنهاء مسار جنيق، دعا ميخائيل بوجدانوف مبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط، نائب وزير الخارجية الروسي، إلى عدم إضاعة الوقت وتحديد موعد لجولة مفاوضات "جنيف -3" الخاصة بتسوية الأزمة السورية، تفاديا للفراغ السياسي الذي يملأه المتطرفون – حسب تعبيره. من جانب آخر، قال بوجدانوف إن اجتماع "مجموعة أصدقاء سورية" في لندن ليس هو ما ينتظره الجانب الروسي من شركائه الغربيين والعرب، معللا بأن الوثيقة السياسية الأساس الخاصة بتسوية الأزمة السورية تتمثل في بيان جنيف.
وفي وقت سابق أعلن نائب وزير الخارجية الروسي جينادي جاتيلوف أن اللقاء الثلاثي بين روسياوالولاياتالمتحدة والأمم المتحدة حول سورية يمكن أن يعقد بعد تعيين مبعوث أممي وعربي جديد خاص بتسوية الأزمة السورية. وقال إنه ما زال غير معروف من الذي سيحل محل المبعوث السابق الأخضر الإبراهيمي الذي قدم استقالته من منصب المبعوث العربي والأممي الخاص إلى سورية. وأشار الدبلوماسي الروسي إلى ضرورة أن يكون المبعوث الجديد "رجلا سياسيا مرموقا مقبولا لدى الحكومة السورية ولدى المعارضة على حد سواء، كي يكون في استطاعته دفع عملية التسوية إلى الأمام.