مَنْ قتل خالد سعيد؟ سؤال جديد معلق في رقبة مجتمع مازال يقبل بالتعذيب في الأقسام.. مازالت هيبة الشرطة فيه أهم من الحياة نفسها. الشاب الذي منحه الله وجهاً جميلاً وطيبة بادية في ملامح صورته، انتهي نهاية متوحشة، قُتل في الشارع وأمام الناس لأنه اعترض علي همجية التفتيش، إنه قانون الطوارئ مرة أخري، يسمح لمخبر وزميله باقتحام إنترنت كافيه وتفتيش كل الموجودين، وفي هذه اللحظة الشخص يكون عارياً من كل الحقوق أمام هذه السلطة الغاشمة.. سلطة بدائية، خضنة، لا تري غير هيبتها. خالد سعيد أضاع هيبة الشرطة عندما أحتج علي إهانات المخبرين. وأمام الهيبة الضائعة.. فقد خالد حياته بعد أن تحولت جثته المشوهة إلي دليل جديد علي أن المصريين أسري وحوش بلا قلب ولا رحمة. أسري سلطة مجنونة حولت أقسام الشرطة إلي سلخانات تعذيب، والشوارع إلي مسارح قتل علني. هذه فوضي مخيفة.. الضابط الصغير يصيبه مع أول دبورة هوس حقيقي يجعله يسير منفوخاً، مزهواً ببدلته، لم يقل له أحد إن وظيفته الحماية وليس فرض الهيبة الكاذبة. الخوف ليس هيبة. والقهر ليس أمناً. هذه دروس لا يتعلمها الضباط المستمتعون بلذة التعذيب. التعذيب لذة للمرضي، الذين يشعرون بالراحة عند إذلال الآخرين، وصنع الألم لهم. إنهم مجرمون في ثياب رسمية، تخلوا عن وظيفتهم في تحقيق أمن المجتمع، وغرقوا في تحقيق هيبتهم، وفرضها علي المجتمع. مَنْ قتل خالد سعيد؟ يحتاج المجتمع إلي أخلاق سياسية جديدة، يتألم جماعياً من التعذيب ويعتبرها جريمة لا تغتفر. هل يمكن أن يتطور الوعي السياسي لينتفض المجتمع بكل رموزه ليقول لن نقبل بالحياة في بلد يتعذب فيه شخص وتسلب فيه كرامته بمنتهي السهولة؟ يتكرر سؤالي، ويتكرر القتلي في مسالخ الشرطة. الجديد هنا أن القتلة أصيبوا بالفُجر البالغ، قتلوا «خالد» في الشارع ، سحلوه وحطموا جمجمته قبل أن يصلوا به إلي القسم. الجمجمة التي يمكنها الاحتجاج ،لابد أن تحطم، هذه عقيدة الوحوش الذين يحملون تصاريح بالتعذيب والقتل في شوارع مصر. «خالد» المقتول في سيدي جابر، هو الكابوس الذي سيطَّير النوم من أعين ملايين المصريين. كيف يمكن أن تتخيل شخصاً يخرج من بيته، ثم فجأة يتحول إلي جثة مشوهة ملقاة في الشارع، كيف يمكن أن تشعر بالأمن وفي الشوارع وحوش يحملون تصاريح قتل، ولديهم القدرة علي تلفيق التهم وتحويلك من ضحية إلي مجرم وهم ينالون نيشانا ويشعرون بأنهم يؤدون خدمات عظيمة للبلد؟ حادثة قتل خالد سعيد، تقول إن وحوش التعذيب سيصلون إليك أينما كنت، في البيت، في المقهي، في المكتب. التعذيب هو اللعنة التي لن يوقفها إلا موقف جماعي بالرفض، لتطرد الفصيلة النادرة من وحوش انقرضت في العالم ، واحتفظت بها مصر باعتبارها مقبرة أصحاب الكرامة وعزة النفس.