لماذا لا ينزل البرادعي إلي الشارع؟ سؤال يتردد بكثرة، ونقاد البرادعي في جمعية التغيير حولوه إلي مركز الخلاف، رغم ان اغلبهم (وبالذات الذين كرروا السؤال عن الشارع أو الميدان في الصحافة والفضائيات) لم يكن لهم سابق خبرة في هذا النزول أو في الشارع. لكن النزول إلي الشارع تهمة تستحق الوقوف عندها. معني «النزول» وكما يقال الآن، واحد ومحدد: هو تنظيم مظاهرات ضد النظام، ومواجهة عساكر الأمن المركزي . المواجهات كسرت حاجز الخوف، واحتكار الشارع الذي حولته أجهزة الأمن إلي مربعات حديدية، زنازين مفتوحة وليست ميادين. مظاهرات الاحتجاج نقلت المجتمع من حالة الصمت إلي حالة الصراخ، وهذا ما أراد النظام بذكاء وخبرة أن يستثمره ليكون علامة علي ديمقراطيته، لكن بعد ان يسيطر عليه بالحواجز الحديدية، وباليد التي تضرب بشراسة في أوقات غامضة. النزول إلي الشارع هنا، وحتي هذه اللحظة، في الغالب من خلال مظاهرات خروج الصوت المحبوس منذ 25 سنة تقريباً. المظاهرات تزامنت مع عودة التعبير المدني عن الاختلاف مع النظام، بعد سنوات من احتكار المعارضة ذات النبرة الدينية للمواجهات مع السلطة. عقل السلطة مرن، لكن نواته الصلبة عسكرية، لا تقبل بالاختلاف، أو بمشاركتها في الشارع، وأهم ما أحدثته موجات كسر حاجز الخوف، المتتابعة منذ خمس سنوات، هو إجبار العقل العسكري الحاكم علي القبول بمشاركة المجتمع له في الشارع. لم يعد " الشارع لنا " لكن ثقافة الخوف في مصر تبخرت إلي حد كبير، ومشهد الاحتجاج والغضب والمطالبات، أصبح طبيعيا في بلد كانت فيه المظاهرة فعلاً محرماً، وممنوعاً، بعد مظاهرات الخبر في يناير 1977. ماذا تعني تهمة " النزول إلي الشارع " التي يقولها الناس في مواجهة البرادعي؟ هل لانه لا ينضم إلي الوقفات الاحتجاجية؟ أم لا ينظم مظاهرات احتجاج ترفع مطالب للنظام...؟ وهل هذا هو الشكل الوحيد ل «النزول»؟ أعتقد أن البرادعي، نقطة إضافية علي حركة المجتمع المدني المتصاعدة منذ 7 سنوات، وربما أكثر. المجتمع الذي يستعيد صوته وعافيته، أصبح مفتوحاً علي أفكار ومسارات متعددة للتغيير، وهذه هي الميزة التي يمكن الاستفادة فيها من ظهور البرادعي الذي يبدو لنا من بعيد في محاولات للاقتراب من الشارع بشكل مختلف. ما هذا الشكل بالضبط؟ وإلي أين سيؤدي به؟ لا أحد يعلم، خاصة أن البرادعي قادم من ثقافة سياسية مختلفة، يمكنها ان تضيف إلي تجارب المجتمع المدني، هذا بالطبع إذا كانت أيام ما بعد العودة إلي القاهرة، منحته فرصة التعرف إلي الظرف السياسي الراهن في مصر، وكشفت له بعضاً من تعقيداته. حركة البرادعي تبدو من بعيد مرتبكة، ومتلعثمة، وبالنسبة إلي هذه ميزة، لأنها تخرج به من حيز الموديلات الجاهزة، والقوالب المصنوعة للعمل السياسي في مصر. الشماتة في خلاف البرادعي مع جمعية التغيير، قصر نظر سياسي، لأن أصحابها لا يرون ان توسيع المجتمع لقنواته يحتاج ألف يد، وألف طريقة، والشامتون لا يريدون سوي العودة إلي الإيمان بالبقرة المقدسة، والسير خلفها، لأنها القدر والطريق الوحيد.