دستوركم يجبركم على احترام عرض أفلام السبكى التى اجتازت كل المراحل الدستورية والقانونية المطلوبة للعرض.. ويمنعكم من مصادرتها بعد الموافقة عليها «حلاوة روح» به مشاهد بما يثير طلاب الثانوى.. والرقابة عرضته للكبار فقط من منعوا الفيلم لم يشاهدوه والفيلم لا توجد به مشاهد صريحة حتى يتم منعها إنهم يصرون على اختبار احترامنا لمبادئنا، واحترامنا لحرية الرأى والتعبير.. إنهم يبرعون فى وضع نماذج لأسئلة لا يجيد الإجابة النموذجية عليها إلا الطالب المحترم، وهم لا يستهدفونه من الأساس.. لأنهم يستهدفون الطالب المتوسط، أو بالأحرى الطالب الضعيف. يوقفون عرض فيلم للسبكى، لأنهم يعرفون أننا لا نحترمه، ويظنون أننا سنوافق على وقف عرضه.. إنهم لا يعرفون أننا نفصل بين حق العمل الفنى -أى عمل فنى- فى الوجود، وبين جودته. أى سلطة منذ خلق الله السلطات، لن تبدأ بغلق أبواب حرية الرأى والتعبير بمنع الأجدر والأهم، بل إنها دائما ستبدأ بمنع الأضعف والأتفه، ومن سيفرح الناس بمنعه، تمهيدا لمنع الأهم والأخطر على وجودها.. ستمنع -أولا- من يخلق الناس مليون مبرر لمنعه، مدافعين عن قرار السلطة دون أن تطلب هذه السلطة دفاعهم.. ستمنع السلطة -أى سلطة- من تتصور أن المحترمين سيخجلون من الدفاع عنه، ولكن المحترمين لا يخجلون من الدفاع عن حق أى أحد فى الوجود، ولو كان السبكى. فيلم «حلاوة روح» يبدو من المقدمة الإعلانية له أنه مثير، ويوحى للمشاهد أن به مشاهد جنسية فاضحة، وفى الغالب -ومن خلال الإعلان- هناك علاقة بين طفل وهيفاء وهبى، ولا بد أن الطفل اغتصبها وحملت منه! المجلس القومى للمرأة شاهد المقدمة الإعلانية، وبعث برسالة شديدة اللهجة لمجلس الوزراء، الذى اتخذ قراره الحازم والحاسم بوقف عرض الفيلم. وبالفعل اتخذت الحكومة لأول مرة فى تاريخ الحكومات المصرية قرارا بوقف عرض فيلم سينمائى، لم يشاهده واحد ممن أوقفوا عرضه ولا ممن أوصوا بمنع عرضه، فى تخطٍّ صارخ للدستور وللقانون الذى لا يسمح لأى كيان فى الدولة المصرية بوقف عرض فيلم وافقت عليه الرقابة على المصنفات المصرية التابعة لوزارة الثقافة! وعلى الفور خرجت الأصوات المنادية باحترام ثوابت المجتمع وقيمه، التى قرروا أن فيلم «حلاوة روح» ينسفها، ثم تعالت بعدها الأصوات المدافعة عن قرار مجلس الوزراء بوقف الفيلم، بحجة أن الفيلم يحرض على الرذيلة، ويهدد النشء وينذر بخراب المجتمع، وتوالت بعدها ردود الأفعال المناهضة لعرض الفيلم والمؤيدة لقرار مجلس الوزراء خصوصا أن الفيلم -فى رأيهم- يعبث بثوابت وقيم وأخلاق مجتمع مسلم! من منعوا الفيلم لم يشاهدوه، والفيلم لا توجد به مشاهد صارخة أو صريحة حتى يتم منعها، فمخرجو هذا العصر لا يملكون جرأة المخرج رأفت الميهى مثلا، عندما قدم مشهدا صريحا فى فيلم «للحب قصة أخيرة» لمعالى زايد ويحيى الفخرانى، لأنهم لا يملكون بالأساس نضجا فنيا يتيح ذلك.. وبالمناسبة، ذهب يحيى الفخرانى ومعالى زايد بطلا المشهد -وقتها- إلى المحكمة بسبب هذا الفيلم بتهمة الفعل الفاضح، وما زال الفيلم واحدا من أهم أيقونات السينما المصرية، لمن يحب السينما. فيلم «حلاوة روح» لا يحوى سوى بعض المشاهد التى ربما تثير طلاب الثانوية العامة، وبالمناسبة، الرقابة عرضته تحت لافتة للكبار فقط، أى أنه لا يجوز لطالب ثانوى أن يشاهده.. ما المشكلة الآن؟! يقال إنهم منعوه بسبب علاقة طفل بهيفاء وهبى فى الفيلم! ما هو لو حضراتكو شفتوا الفيلم ماكنتوش قلتوا كده أصلا. عموما.. منع السيد المبجل رئيس الحكومة إبراهيم محلب فيلم «حلاوة روح» وأيد قراره أشبال المجتمع المحافظ الليبرالى المدنى من أبناء الطبقة الوسطى المحافظة على الأخلاق، وهم نفسهم الذين صنعوا من إلهام شاهين بطلة قومية لمجرد أن عبد الله بدر هاجم أفلامها وقال لها: «كم شخصا اعتلاك باسم الفن؟».. ما الفرق بين مهاجمة عبد الله بدر لما قدمته إلهام شاهين، وبين مهاجمتكم الآن لفيلم هيفاء وهبى دون أن يشاهده أغلبكم؟! هنيئا لكم بأخلاقكم المشوهة وقيمكم التى توظفونها وفقا للظروف والأوضاع السياسية. أوقفتم عرض فيلم دون أن تشاهدوه، وأيدتم قرار المنع دون أن تشاهدوا الفيلم.. هل تختلفون عمن قتل فرج فودة دون أن يقرأ له سطرا؟! قلتم إن الفيلم مثير للغرائز ويهدد سلام المجتمع، وقال من قتل فرج فودة إن ما كتبه كفر ويهدد الإسلام.. مع فارق القيمة بين ما قدمته هيفاء وهبى فى «حلاوة روح» وما قدمه فرج فودة، لكن ردود الأفعال الجاهلة والحمقاء واحدة فى الحالتين.. تأييد القمع، والقتل دون المشاهدة والقراءة. أنا شاهدت الفيلم، وأود أن أقول لكم إنه فيلم ردىء فنيا، وأتمنى أن لا تشاهدوه وأتمنى أن يفشل جماهيريا، لكنكم وضعتمونا فى خانة الدفاع عن فيلم من إنتاج السبكى لأنه أنتج فيلما ومرره عبر الطرق الشرعية للعرض من خلال وزارة الثقافة التى وافقت على عرضه، بناء على قرار من جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، واستنادا إلى المادة 67 من الدستور، التى تكفل حرية الإبداع دون مصادرته، ليأتى رئيس الوزراء ويخترق ويمحو كل ما تقدم بجرة قلم ويوقف عرض فيلم سينمائى. أسمع أصواتا تقول إن ما يقدمه السبكى ليس فنا.. حسنا.. أنا أتفق مع ذلك، ولكن الدستور الذى وافق عليه 98% من عموم المصريين لم يضع مادة لتقييم ما هو فن وما هو دون ذلك، وأسمع أيضا من يقول إن السبكى وأفلامه يهدمان قيم الدولة المصرية ويضيعان هويتها ويفسدان أخلاقها! عن أى هوية وعن أى أخلاق تتحدثون فى مجتمع جعل من شخص ينتهك خصوصيات الناس ويهتك سترهم ويتجسس عليهم، ويفخر بذلك ويعرضه على شاشات التليفزيون، بطلا قوميا؟! ولكى تستريحوا وكى تستريح هويتكم وأخلاقكم.. لم يسبق أن أفسد فيلم سينمائى هوية شعب، ولم يسبق أن كانت السينما مدرسة للأخلاق والتربية، فالسينما فن.. تقبله أو ترفضه هذا اختيارك، وهى فن تذهب إليه بقدميك وتدفع فيه تذكرة بمبلغ معين ولا يجبرك أحد على الذهاب إليه.. ربّ أبنائك جيدا وثق بأن فيلما لن يفسد أخلاقهم.. نرجو فقط أن تمنع أبناءك أيها الأخلاقى المحافظ من مشاهدة برنامج على التليفزيون -الذى هو متاح فى بيتك- لشخص يتلصص على البشر ويفخر بتلصصه عليهم وهتكه لخصوصيتهم، لأن أبناءك ربما يصبحون مثله.. جواسيس على أصدقائهم بالفطرة. أنا أحتقر من يوافقون على دستور يجرم انتهاك الخصوصية، بينما يحتفون بمتجسس مثل عبد الرحيم على، وأحتقر من يحتفون بدستورهم وهم أول من يخترقونه فى مادة حرية الرأى والتعبير.. أنا قلت لا للدستور، ولكنى احترمته لأن أغلبكم وافق عليه، بينما لا تحترمون أنتم ما خطته يداكم؟! دستوركم يجبركم على احترام عرض أفلام السبكى التى اجتازت كل المراحل الدستورية والقانونية المطلوبة للعرض، ويمنعكم من مصادرتها، بعد الموافقة عليها.. ورئيس حكومة مصر أول من هتك عرض الدستور بما فعله مع فيلم «حلاوة روح».. وما زلتم تبررون لخرق القانون حتى أوشكتم أن تصبحوا مثل الإخوان فى دفاعهم عن عته أنصارهم. نعم أدافع عن حق أفلام السبكى فى الوجود وأعترض عليها، بل إننى أكرهها.. لا تعارض بينهما والله! ادعَم صناعة السينما المستقلة يا سيادة رئيس الوزراء وكرّس بعضا من جهود عالَة المجتمع الذين حولك فى دعمها، فربما تطرد العملة الجيدة.. العملات الرديئة التى تدعى أنك تحاربها.