اختيار فيفي عبده الأم المثالية، بعد رحلة كفاح زادت على ثلاثين عاماً تنقلت الفنانة الكبيرة خلالها من كباريه لكباريه قاطعة المشوار الطويل من محافظة المنصورةمسقط رأسها حتى تربعت على عرش الرقص الشرقي في مصر والعالم ووصلت من النجومية ما لم يسبقها إليه أحد جاء في وقته واختيار صادف فيفي..(!!)..في الوقت الذي لم يحقق أصحاب الشهادات والمتفوقون والمتوفقات علمياً خمس ما حققته الأم المثالية فيفي خلال رحلة كفاحها،فهي اجتهدت ووصلت ونالت واستمتعت وامتعت عشاق الرقص بفواصل من الهز المتميز سيبقى التاريخ يذكره آلاف السنين..فيما بقيتم أنتم أسرى شهادتكم وأبحاثكم التي لم تفيدكم ولو بشق تمرة،واكتفيتم بالفرجة وما تقدمونه للمجتمع من خدمات جليلة واخترتم الطريق الأسهل بالارتكان للدولة وروتينها ورفضها للمتفوقين وفتح صدرها الحنون للرقاصين، فخرجتم أنتم من الباب الخلفي للتاريخ ودخلت فيفي عبده من أبوابه المشرعة لها ومن مثلها دائمًا حتى نالت اللقب الغالي الذي وصفته بأنه هدية من الله بعد رحلة كفاح مريرة!! فيفي عبده رقصت لمصر وباسم مصر وغنت لمصر وضحكت وبكت لمصر وتوارت كمداً في بيتها في ثورة 25 يناير خوفاً على المؤامرة التي ضربت مصر(!)، وخرجت في 30 يونيو تدافع عن مصر..فيفي حققت ما لم تحققه تحية كاريوكا وسامية جمال ونعيمة عاكف من جيل الراقصات الرواد،ونجوى فؤاد وسهير زكي وزيزي مصطفى من جيل السبعينيات في عز مجدهم،فالرقص الشرقي يبقى الفن الذي يجذب الأنظار ويلهب القلوب..فن راقي لا يجيده سوى الموهوبات من الراقصات،..حتى أن الساسة في الغرب وأمريكا جذبهم هذا الفن الرائع، فعندما زار السادات القدس ووقع معاهدة السلام مع العدو الإسرائيلي ..ورحت يا يوم وجيت يا يوم ، والتقى السادات اليهودي هنري كيسنجر وزير خارجية أمريكا وقتها ..وحكى له الأخير أن ما لفت نظره في الفن المصري الرقص الشرقي وفضفض مع السادات وقال له أنه فن راق وعظيم ويخطف الألباب (وبا اتسلطن) معاه، وطلب من السادات أن يرى راقصات مصر في بيان عملي على الطبيعة ليقيم له السادات حفلاً خاصاً ليرى نجوى فؤاد وهي تتمايل ذات اليمين وذت الشمال بخصرها وقدها المياس وكانت ليلة من ألف ليلة استمتع بها كيسنجر الذي ما زال حيا يرزق، ومازالت تذكر نجوى هذا الشرف الذي نالته في كل أحاديثها الإعلامية وتتباهي به،ليكون الرقص العلامة الفارقة عند كيسنجر ومدى تقديره وإعجابه له، وهو الشرف الذي لم تنله فيفي عبده فيما نالته استاذتها نجوى فؤاد التي لم تكرم التكريم اللائق بها كأم مثالية شقت طريقها من قرية سنباط منتصف ستينيات القرن الماضي وتعيش بيننا دون تكريم لائق عما قدمته لمصر أمام كيسنجر. فمصر تزخر بملايين الأمهات لكنهن غير جديرات باللقب فأمي رحمة الله عليها كافحت على أولادها الستة كفاح قد ينوء التاريخ بحمله لضخامته ولو شرحته لكم قد تستغربون لكنها تبقى الحقيقة التي أعتز بها وأتشرف بها في كل مكان وزمان..أمي الله يرحمها ويطيب الله ثراها علمتنا وصرفت علينا من الألف للياء من (بيضة الفرخة والبطة) ومن(سمن وجبن البقرة)..البقرة التي كان يملكها أحد أغنياء قريتنا مشاركة ونقوم نحن على تربيتها وإذا جاءها مولود أو مولودة عجل ذكر أو عجلة أنثى يبقى بالنص.!..فكانت تبتاع البيض لصديقتها الحميمة في القرية (أم عادل) رحمة الله عليها والسمن والجبن، مثلها مثل أمهات أهل القرية لتذهب (أم عادل) إلى محافظة كفرالشيخ لتقوم بدورها ببيعه لأهل البندر تطلع لها بقرشين لتقوم هى الأخرى بالصرف على أولادها..وكان أبي يكد ويعرق في الأرض ليل نهار، ليوفر لنا بعد الحبوب فقط لنأكل عيش وأرز.. الأرز الذي كانت تقوم أمي بدسه في الفرن ونتعشى ونتغدى ونحمد ربنا ونخلد للنوم في بيتنا من الطوب اللبن ودون ماء أو كهرباء..!..وأثمرت شجرة أمي بعد رحلة كفاح يعلم الله معاناتها، فقدمت لمصر صحفياً العبد لله كثمرة أولى وعالم دين أزهريا ومدرسا وهو شقيقي الأصغر رحمة الله عليه كثمرة ثانية، وشقيقي الأكبر مهندس كثمرة ثالثة، فيما اكتفى أبي بأن يزوج البنات دون تعليم، كل هذا الكفاح ولم تنل أمي سوى الدعاء من أولادها لم تذكرها مصر وتكرمها لم يقل لها أحد شكراً سوى أولادها ..رحلت عام 1997 ..رحلت وهي التي كانت مثقفة سياسياً وفنياً بدرجة كانت تبهر زملائي عندما يقومون بزيارتي،وكانت تطرب لغناء أم كلثوم وفايدة كامل وشريفة فاضل وعايدة الشاعر وفاطمة عيد ..الخ. سردت القليل القليل مما فعلته أمي معنا وقامت به تجاه أولادها الستة، لم أذكر بعض المرارات والحوجة للمال، لكني أذكر فقط ما نالته فيفي عبده من مصر وما قدمته هي لمصر أترحم على أمي كثيراً، أتذكر كيف قدرني الله وكتب لي حج بيته العتيق 2007..ليكتبها لي ثانية 2009 لتكون لأمي هذه المرة ..أتذكر جيداً بعدما أفضت من جبل عرفات وحمدت الله كثيراً على الحجة لأعز إنسانة بعدما دعوت لها حتى جفت دموعي،وقمت بالاتصال هاتفياً بقريتنا (أبوالجديل)لأطمئن على أشقائي وأبشرهم بأنني أفضْ الآن من على جبل عرفات وإذا بأختي التي تكبرني مباشرة تخبرني بأن أمي جاءتها في رؤية في منامها وهي تلبس لبس الإحرام وقتها فاضت عيناي بالدموع وظللت أبكي كثيراً حتى تحولت الدموع إلى(حصى صماء) في أحداقي،أيقنت أن أمي تعيش معي وتقبل الله مني حجتي لها، تذكرت أمي ودموعها منهمرة وقلبها ينفطر علي عندما كنت أمرض بدور(سخونية) أو أحد أشقائي..أمي رحمة الله عليك فعلت ما فعلته كل الأمهات المصريات لكنهن لم يتحدثن ويبوحن بما في صدورهن من حرمان، لكن تبقى فيفي عبده هي من قدمت لمصر خدمات جليلة وهي الأم المثالية ..رحم الله أمي، واليوم ماتت لنا مصر ألا ابكي عليها ... على مصر حق البكاء ..(وكم ذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكاء) رحم الله المتنبي قالها ومات..وتبقى أمي ذكراها خالدة.