لست أعرف الدكتور أشرف منصور ولم أتشرف بسماع اسم سيادته فى حياتى كلها قط ولا اكتحلَت عيناى برؤية صورته الأنيقة فى أى مناسبة، لهذا عندما شاهدت وجهه الوسيم يزيِّن شاشة التلفاز أول من أمس بينما هو جالس فى حضرة المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء المكلَّف، ظننت للحظات أن الرجل ممثل سينمائى مغمور عاندته أضواء الشهرة فذهب يشكو حظه الفنى العاثر إلى رئيس الحكومة الجديد.. أو شىء من هذا القبيل!! غير أننى قرأت على قعر الشاشة كلمات قليلة فهمت منها أن الدكتور أشرف التقى رئيس الوزراء لا للشكوى وإنما لأنه مرشح لتسلم حقيبة وزارة «التعليم العالى والبحث العلمى» بالمرة، ثم بسرعة وجدت مَن يعالج جهلى بهذا المستوزَر المرشح ويدلّنى على صفته وشغلته الأصلية التى هى بعيدة تماما عن ظنونى الأولى، فهو ليس فنانا ممثلا كما زيَّنت لى وسامته وأناقته الواضحة، وإنما الرجل ينتمى إلى طائفة التجار ورجال الأعمال الشاطرين وأن أبرز مشاريعه التجارية البزنسية الناجحة جامعة خاصة تدعى «الجامعة الألمانية»، وهذا هو سر استدعاء سيادته من ظلام المجهول (بالنسبة إلىّ على الأقل) وترشيحه للاستوزار وتولِّى مسؤولية إدارة مرفق التعليم العالى فى هذا البلد المسكين جدا!
وقبل أن أسترسل فى وصف أسباب شعور الدهشة والصدمة الرهيبة التى أصابتنى من هذه المعلومات فإننى أسارع بإزالة أى شك فى أن العبد لله يحترم كل التجار الشرفاء عموما، ولكنى بصراحة لا أستسيغ، بل ويلعب ويتنطط فى صدرى ألف مليون فأر صغير وكبير، إذا زاد حضورهم وتضخمت أدوارهم خارج حدود الأسواق والمحلات والدكاكين ومشاريع البزنس وخلافه، أما وجودهم فى الحكم والاستعانة بهم فى إدارة شؤون الدولة ورسم سياساتها المختلفة، فهو أمر أعتبره خطيئة (لكى لا أقول جريمة) من النوع الكارثى الذى كابدنا مصائبه السوداء وتجرعنا مراراته وسمومه القاتلة فى عصر المخلوع أفندى وولده عندما كانت السمسرة والتجارة فى الممنوع هى عنوان الحكم، وتحت هذا العنوان اخترعوا بدعة استجلاب راجل «بتاع حديد وسراميك» لكى يصنع لهم «سياسات» إجرامية هوجاء راكمت أسباب البؤس والفقر والجوع والتخلف، ومن ثم صار عاديا جدا أيامها أن تاجر العربيات يتولى وزارة العربيات والمواصلات عموما، ويصبح «بياع الشوربة» وزيرًا للصناعة، وصاحب المستوصفات وسبابيب التجارة فى المرض هو الوزير المسؤول عن علاج الشعب ورعاية صحته.. إلخ!
فهل هناك من يريد الآن إعادتنا، بعد ثورتين عارمتين وأسطوريتين، إلى هذه الأيام الكُحلِى الخوالِى؟!
طبعا أنا وأنت يا عزيزى نعرف أن الطامعين فى إعادة عقارب ساعة بلدنا إلى الوراء موجودون فعلا وما زالوا يسعون فى دنيانا بقرفهم وعفنهم ولم يموتوا بعد، وهؤلاء تركب رؤوسهم الفارغة أوهام تشبه عشم الأستاذ إبليس فى دخول جنة الملاك رضوان، ويصور لهم الجنان الرسمى أن بمقدورهم استغلال أجواء الحرب القذرة التى تشنها علينا جماعة إخوان الشياطين حاليا لكى يسحبونا ويجرجرونا رويدا رويدا إلى الخرابة نفسها التى كانوا يرتعون ويسرحون فيها براحتهم قبل ثورة 25 يناير، غير أن هذه الأطماع والأوهام ليست سببا ولا هى مصدر شعورى بالصدمة والانزعاج من نبأ ترشيح الدكتور أشرف بالذات من دون سائر دكاترة هذا الوطن، لكى يحمل حقيبَتى التعليم العالى والبحث العلمى ويذهب بهما إلى حيث يشاء، وإنما عندى على الأقل ألف سبب آخر لهذا الشعور أقلها شأنا وأهمية أن المهندس إبراهيم محلب كان عضوا فى الوزارة الراحلة التى صاغت واستصدرت «قانون تعارُض المصالح» الذى يحظر إهداء المناصب والوظائف العامة لمن يمارس نشاطا تجاريا بزنسيًّا يقع ضمن نطاق المسؤولية الوظيفية المهداة إليه.. وصباح الخير بالليل والدنيا ضلمة شوية، على ما يبدو.