السيسى يتمتع بمصداقية خاصة لدى الشعب المصرى بمكافحته عنف وإرهاب الجماعة «المحظورة».. ويحظى بتأييد جارف القانون يسمح بإجراء الانتخابات الرئاسية على مرحلة واحدة فى حالة حصول المرشح على «50% + 1» تحصين اللجنة العليا فى الانتخابات الرئاسية السابقة لم يمنع الشعب المصرى من القيام بثورة 30 يونيو
لا بد من إضافة شرط الكشف الطبى على المرشحين للرئاسة.. وأن لا يحمل أبناء المرشح الرئاسى جنسية أخرى
أجرى الحوار: تسنيم رياض
لا تزال المستشارة تهانى الجبالى، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا سابقًا، إحدى الشخصيات القانونية الرفيعة التى تحظى بمتابعة قطاع واسع من المتابعين والمهتمين بالشأن القضائى الدستورى والشأن السياسى، نظرًا إلى ثقافتها القانونية والدستورية الواسعة، التى جعلتها السيدة الوحيدة فى مصر التى تمكنت من مزاحمة الرجال فى أرفع المناصب القضائية، وفى أعلى درجة من درجات المحاكم المصرية.
نائب رئيس المحكمة الدستورية سابقًا فى حوارها المطول مع «الدستور الأصلي» الذى تنشر أولى حلقاته اليوم.. شددت على أن مصر بحاجة إلى برنامج عمل وطنى واضح ومحدد، ويكون مُعلنًا يلتزم به الرئيس القادم، كما تبدى الجبالى آراءً مختلفة عن خارطة الطريق، وعن آليات انتخاب رئيس الجمهورية، وتقدم الجبالى تفسيرات قانونية جديرة بالنظر والاعتبار عن ضرورة استمرار تحصين قرارات اللجنة العليا للانتخابات على المستويين القضائى والسياسى، كما توضح الآثار القانونية المترتبة على التعديلات المرتقبة على قانون الانتخابات الرئاسية، وما يتعلق بخرق بعض المرشحين القانون عبر بدء الحملات الانتخابية لهم قبل فتح باب الترشح.. كل هذه القضايا والموضوعات محل اهتمام الشارع السياسى تناقشها الجبالى فى ثنايا الحوار التالى..
■ بداية ماذا عن التعديلات المقترحة فى ما يخص قانون الانتخابات الرئاسية لتحديد إجراءات الانتخابات الرئاسية سواء من حيث الشروط أو الديباجة؟
- فكرة استجابة القانون لتعديل خارطة الطريق، التى كانت إحدى النقاط التى وردت بالدستور الجديد بالأساس، كما صدق عليها رئيس الدولة المؤقت المستشار عدلى منصور، فتحت المجال لإجراء التعديلات فى خارطة الطريق، مما أوجب أن يتبعها وضع تعديلات جديدة على قانون الانتخابات الرئاسية بما يتفق مع بعض المواد الجديدة فى الدستور.
الرئيس المؤقت عدلى منصور أضاف بعض المواد والنقاط التى تتصل بمسار الدولة وبتشكيل اللجنة، وهو ما ينعكس على تعديلات قانون الانتخابات الرئاسية، لكى يتفق مع سير الدستور الجديد، وبما يتفق مع القانون، وحتى لا يكون هناك طعون فى الإجراءات الدستورية فى ما بعد، فجوهر التعديلات الدستورية جاء مرتبطًا بما ورد فى الدستور الجديد من مواد وتعديلات جديدة.
كما يجب أن نفرق بين التعديلات المخصصة بقانون الإشراف على الانتخابات الرئاسية، وقانون الانتخاب أو ما يسمى بقانون «مباشرة الحقوق السياسية»، الذى يحدد فيه النظام الانتخابى الذى سيتم على أساسه انتخابات البرلمان، وهو ما لم يوضع بعد.
أما عن الشروط التى تناولها قانون الانتخابات الجديد فأرى أنه افتقد نقطة هامة، أتمنى أن يتم إضافتها ضمن الشروط الجديدة فى قانون الانتخابات الرئاسية، وهى تتعلق بجنسية أبناء المرشح الرئاسى، فيجب أن يشمل النص القانونى على أن لا يحمل أبناء المرشح الرئاسى أى جنسية غير المصرية، وعلى الرغم من ضرورة التزام النص القانونى بما ورد بالنص الدستورى، الذى لم يتناول هذا الشأن، لكن هذا لا يمنع إمكانية أن يضاف النص القانونى إلى النص الدستورى فى إطار الشروط الجديدة، شرط أن لا ينتقص من شروط النص الدستورى، فالنص الدستورى هو الأساس.
أما الديباجة لقانون الانتخابات الرئاسية فلا أرى أن هناك ديباجة فى القانون، حيث يُعد قانون الانتخابات الرئاسية إصدار لمؤشرات تستند إلى نص الدستور الجديد من أجل تعديل القانون ليصبح فى حيز التنفيذ، لكنه لا يوجد به نصوص أو مواد أو مضمون قانونى موضوعى ليتم ديباجته أو لتثار حول ديباجته آراء وأقاويل.
■ برأيك ما نواحى القصور التى شابت تعديل قانون الانتخابات الرئاسية؟ ومن ناحية أخرى ما إيجابياته؟
- لا يوجد قصور كبير فى تعديل قانون الانتخابات الرئاسية، الذى ورد فيه مجموعة من المواد التى تعكس فكر الدستور الجديد بعد أن أصبح فى حيز النفاذ.
لكن الرأى العام أثار النقطة التى تناولها نص قانون الانتخابات الرئاسية الجديد، وهى رفع تحصين أعمال اللجنة الرئاسية العليا ضد الطعون القضائية، وما زال هذا الأمر قيد النقاش داخل لجنة التعديلات لرفع التحصين أو استمرار تحصين أعمال اللجنة، وأرى فى هذا الاختلاف أن لجنة الإشراف على الانتخابات الرئاسية تمثل فى حد ذاتها من خلال تشكيلها القضائى هيئة قضائية عُليا مكتملة ورفيعة المستوى، وذلك بما تتضمنه اللجنة من رئيس المحكمة الدستورية العليا والنائب الأول له، والنائب الأول لرئيس محكمة النقض، والنائب الأول لرئيس مجلس الدولة، ورئيس محكمة استئناف القاهرة، وهو أقدم قاضٍ فى مصر، فضلًا عن وجود تشكيل كبير من المستشارين والقضاة أبرزهم الأمين العام، وهو أقدم قاضٍ من قضاة المحكمة الدستورية العليا.
كما تقوم اللجنة العليا للانتخابات بدورين؛ الأول «إدارى» باعتبارها تدير العملية الانتخابية، والآخر «قضائى» من خلال النظر فى الطعون المقدمة إليها من قبل المرشحين، لذلك من المفترض أن تحصن قراراتها ضد الطعون، لأن المحكمة التى ستنظر الطعون المقدمة تعد محكمة أدنى وأقل من لجنة الانتخابات الرئاسية، وهى محكمة مجلس الدولة حتى ولو تم ذلك فى إطار المحكمة الإدارية العليا، فكيف يتم النظر فى الطعون من خلال قضاة أقل فى الأقدمية من أقدم القضاة الموجودين فى اللجنة العليا، والقضاء المصرى يتبع فكرة التدرج فى الأقدمية، ولا يجوز لقاضٍ أحدث أن يراقب قضاء قاضٍ أقدم، لذا قرار رفع تحصين اللجنة العليا جيد فى المضمون، لكن يصعب تنفيذه قضائيًّا للأسباب التى ذكرتها.
■ وبرأيك ما الذى يمكن أن يترتب على «تحصين» قرارات اللجنة العليا للانتخابات؟ وفى حال إقرار عدم التحصين.. هل سيمثل ذلك خطورةً ما على قرارات اللجنة مستقبلًا؟
- أنا أرى ضرورة استمرار تحصين قرارات اللجنة العليا ضد الطعون، نظرًا لأهمية وخطورة ذلك سواء من الناحية القضائية أولًا والسياسية ثانيًا، فمن الناحية القضائية يعد رفع تحصين اللجنة العليا انتهاكًا للأعراف والتقاليد القضائية، وذلك من خلال نظر الطعون من محكمة أدنى تراقب محكمة عليا، وهذا ما لم يحدث فى أى نظام قضائى بالعالم، أما من الناحية السياسية فالمرحلة القادمة تستوجب عدم رفع تحصين اللجنة العليا، لاستقرار القضاء والسلطات، وهى ليست انتهاكًا لحقوق الشعب المصرى بقدر ما هى محاولة لاستقرار الأوضاع، خصوصًا أن الشعب المصرى لا يزال فى حالة حراك ثورى. كما أن تحصين قرارات اللجنة العليا للانتخابات خلال الانتخابات الرئاسية السابقة لم يمنع الشعب المصرى بالقيام بثورة 30 يونيو وخلع المعزول، ومثوله أمام القضاء.
■ وما المقترحات المطلوبة على مشروع تعديل قانون الانتخابات الرئاسية؟
- المقترح الضرورى برأيى إضافة شرط الكشف الطبى الكامل على المرشحين للرئاسة، فمن حق الشعب المصرى أن يعرف ما يعانيه الرئيس من أمراض، وأبعاد تلك الأمراض، وهل تؤثر على قدراته وطاقته العقلية وقراراته الرئاسية، على الرغم من أن تلك النقطة لم ترد فى النص الدستورى، مما يشكل قلقًا داخل لجنة التعديلات حتى لا يتم رفع طعون لعدم ورود تلك النقطة فى النص الدستورى، كذلك أن لا يحمل أبناء المرشح الرئاسى جنسية أخرى غير المصرية.
■ ما التأثير القانونى للاستعانة بالشباب لتقديم مقترحاتهم بشأن تعديل قانون الانتخابات الرئاسية؟
- أرى أننا ظلمنا مصطلح الشباب من خلال استخدامه بشكل خاطئ، وأقصد بذلك لا توجد فئة اجتماعية يمكن تصنيفها بأنها فئة الشباب من منظور السن والفئة فقط، لأن الشباب موجود فى كل الفئات الاجتماعية، فهناك شباب العمال وشباب الفلاحين وشباب الفتيات وشباب ذو الاحتياجات الخاصة وشباب المثقفين، إذن فكرة تحديد الشباب ليست مصطلحًا سنيًّا فقط.
وعلينا أن ندرك أن الشباب منخرط فى كل الفئات الاجتماعية مما يحررنا من منظور أن الشباب فئة من المثقفين فإذا لم يوجد فهم غير موجودين، كما أن الحوار المجتمعى يجب أن يعبر عن آراء شريحة الشباب الموجودة فى كل فئات المجتمع، حتى لا نقع فى فخ استخدام مصطلح شباب الثورة، الذين تحولوا إلى شلة من الأسماء إذا كانت حاضرة فالشباب موجود، وإن لم تكن فهو غير موجود، مما يعكس إهانة للشعب المصرى، لأن الشعوب لا تعرف بفئة واحدة باستثناء البقية، لذا فإن تأثير الشباب فى القانون ينعكس فى الحوار المجتمعى ككل.
■ هل سيتطرق قانون الانتخابات الرئاسية لرقابة العملية الانتخابية قطعًا للشائعات؟
- بالطبع الرقابة قائمة بالفعل، وتعد رقابة مركبة، بحيث جزء منها يتعلق برقابة الإرادة الشعبية على ذاتها، أى أن الشعب المصرى يراقب بإرادته الحرة سير العملية الانتخابية، من خلال وجود لجان الوعى الانتخابى، وتراقب اللجان، وجزء آخر يتمثل فى مسؤولية القضاء فى الإشراف على سير العملية الانتخابية، وجزء آخر يرتبط باللجنة العليا للانتخابات التى يقدم إليها الطعون، وتنظرها فى وقت محدد ودون أن تمر مرور الكرام.
وفى هذا الشأن طالبت سابقًا بأن ينشأ بجوار اللجنة العليا للانتخابات آلية مساعدة من كبار القضاء الذين أحيلوا إلى التقاعد، وما زال لديهم القدرة على العطاء أن يسهموا فى مساعدة ومسايرة أعمال اللجنة، وفحص الطعون المقدمة ضد اللجنة، وتقديم تقرير أولى للطعون كنوع من أنواع الرقابة، نظرًا لثقل العمل والجهد الذى تبذله لجنة الانتخابات العليا.
فضلًا عن بقية مواد الرقابة العامة، حيث تطبق مجموعة من المواد التى يترتب عليها مراقبة إنفاق الحملات الانتخابية للمرشحين، ومراقبة شعارات الحملات، حيث يمنع الربط بين الدين والمرشح كما حدث سابقًا، ومراقبة سير المرشح وحملته فى أثناء إجراءات العملية الانتخابية بالكامل، سواء كان فى مجال دعاية غير مقبولة قانونيًّا، أو ارتكاب أى جرائم ومحاولات تشويه ضد المنافس كذلك إذا ما تم محاولة التزوير، وغيرها من المخالفات القانونية.
■ هل من الممكن إصدار قانون خاص لإعادة تقسيم المحافظات إلى دوائر وقطاعات لسهولة إدلاء الناخبين بأصواتهم فى صناديق الاقتراع؟
- هذا ما يحدث بالطبع، تقوم اللجنة العليا لإشراف على الانتخابات الرئاسية بالتنظيم وتقسيم المحافظات لدوائر وقطاعات، لسهولة أدلاء الناخبين بأصواتهم، ومحاولة مجاوزة أى شكل من أشكال التعسير أو الصعوبات فى سير العملية الانتخابية.
■ وهل سيسمح القانون بإجراء الانتخابات الرئاسية على مرحلة واحدة فى حالة النجاح الساحق لمرشح ما؟
- بالتأكيد، لأن حصول المرشح على 50% + 1 من جملة الأصوات الصحيحة الحاضرة فى التصويت على الانتخابات الرئاسية، يعنى نجاح المرشح من خلال المرحلة الأولى فقط، وحصوله على منصب رئيس الجمهورية دون الحاجة إلى مرحلة أخرى.
■ من المفترض أن القانون يحدد إجراءات حاسمة للتصدى لأى محاولة لعرقلة سير العملية الانتخابية.. متى تدخل حيز التنفيذ أو يتم تفعيلها على أرض الواقع خصوصًا بعد ما ظهر من غيابها فى عملية الاستفتاء على الدستور الجديد؟
- لا يمكننى أن أقول إنها خارج حيز التنفيذ، لأنها قائمة بالفعل فى كل الوقت، لكنها خارج حيز التفعيل على أرض الواقع، وينبغى تفعيل القانون المصرى كاملًا على أرض الواقع، خصوصًا بعد إقرار الدستور الجديد لكى يشعر به المواطن المصرى، فكيف ينص القانون على عدم استخدام دور العبادة فى الدعاية الانتخابية، ونشاهد العكس تمامًا، ونجد الدعايات فى المساجد بل والخطيب يتحدث عن المرشح الرئاسى فلان بعينه، فى مخالفة صارخة للقانون، ولماذا لا يتم التدخل لمنعها، كذلك نص القانون على عدم استخدام الشعارات الدينية فى الدعاية، رغم ذلك نجد اللافتات والأوراق فى الشوارع تحمل الشعارات الدينية، كذلك حدد القانون الإنفاق على الدعاية الانتخابية للمرشح، دون تفعيل أيضًا لنجد تجاوز إنفاق المرشحين لما حدده القانون.
■ وما دور وسائل الإعلام المتنوعة فى سياق بدء إجراء الانتخابات الرئاسية؟
- نتمنى أن تقوم وسائل الإعلام بتغطية إجراءات الانتخابات الرئاسية بالحيدة والنزاهة، وأن تقوم على رقابة سير العملية كدور أساسى لوسائل الإعلام المتنوعة، تبعًا لقوانين ميثاق الشرف الإعلامى أكثر من ارتباطها بالقوانين الأخرى، أما حول استخدام أحد وسائل الإعلام كنوع من الترويج وحث الناس على تأييد مرشح ما لا يمنع القانون ذلك، طالما لا تخالف قوانين ميثاق الشرف الإعلامى.
■ ما رأيك فى بدء حملات الدعاية الانتخابية للمرشحين قبل فتح باب الترشح؟
- هذا يعد خرقًا وانتهاكًا للقانون على الحقيقة؛ لأن القانون ينص على بدء الحملات الانتخابية بعد فتح باب الترشح للرئاسة، وبعد أن يتقدم المرشح رسميًّا للترشح، لكن ينبغى أن نفرق بين الحملات الانتخابية التى بدأها بالفعل بعض المرشحين، وبين الظاهرة الوطنية الاستثنائية، التى تدعو السيسى بأمر الشعب لخوض الانتخابات الرئاسية وتؤيده وترفع صوره فى كل شوارع مصر وفى كل مكان، كما شاهدنا فى الاستفتاء على الدستور الجديد، وأصبح السيسى يتمتع بظهير شعبى جارف، ويتمتع بمصداقية خاصة لدى الشعب المصرى، مما يمثل حالة وطنية وسياسية استثنائية، تعكس حب الشعب له، على الرغم من أن الرجل لا ينتمى إلى حزب ما، ولا يملك تنظيمًا، ولا حملة رئيسية لترشحه، بل إنه لم يبد رغبته فى الترشح للانتخابات الرئاسية من عدمه حتى الآن.
وهنا لا يمكن للقانون أن يمنع الشعب المصرى من حب قائد أو زعيم ما، والقانون يمتثل أمام شرعية الإرادة الشعبية، خصوصًا بعد موقف السيسى من ثورة 30 يونيو وانحيازه للإرادة الشعبية، مقابل تعريض نفسه للمخاطر حال عدم نجاح الشعب المصرى فى إتمام ثورته، وحماية مصر من الانجراف إلى حرب أهلية كانت وشيكة بين الجماعة «الإرهابية» وجموع الشعب المصرى، وكانت «الإرهابية» مستعدة للقضاء على الشعب المصرى ومحاربته مقابل بقائها فى السلطة وإتمام مخطط التمكين، كما نرى حتى اللحظة، بل وكافح السيسى إرهاب الجماعة انحيازًا للشعب أيضًا.
أما فى حالة ما أبدى السيسى رغبته فى خوض سباق الانتخابات الرئاسية، فإنه سيقع تحت طائلة القانون مثل باقى المرشحين أمام قانون الانتخابات الرئاسية، فلا أحد فوق القانون، ويُلزم بنص القانون من حيث الإنفاق على حملته الانتخابية الرئاسية، وتقديم إقرار ذمته المالية على الشعب المصرى وكل شروط القانون، مع التفرقة بين مرحلة قبل إعلانه الترشح للرئاسة وبعد إعلانه الترشح.