قلت لأحد الإخوان فى بداية عام 2013: «قل للخليفة محمد مرسى ما الذى تغير؟ ما الفائدة العائدة على الفرد المصرى أو العربى غير صفة لا تعنى ولا تسمن من جوع؟ وقد أشاعوا أن الخلافة تاج الفروض وأنها الفريضة السادسة وهم بهذا القول أوجدوا ما ليس فى الإسلام». ونحن فى تلك الفقرة سوف نقرأ رأى الشهرستانى «إن الإمامة ليست من أصول الاعتقاد». ويقول الشريف الجرجانى «إن الإمامة ليست من أصول الديانات والعقائد بل هى من الفروع المتعلقة بأفعال المكلفين». ونقرأ قول أبو حامد الغزالى فى تلك المسألة «إن نظرية الإمامة ليست من المهمات وليست من فن المعقولات فيها، بل من الفقهيات، ولكن إذا جرى الرسم باختتام المعتقدات بها أردنا أن نسلك المنهج المعتاد، فإن القلوب عن المخالف للمألوف شديدة النفار». وابن خلدون يقول «وشبهة (الشيعة) الإمامية فى ذلك إنما هى كون الإمامة من أركان الدين. وليس كذلك إنما هى من المصالح العامة المفوضة إلى نظر الخلق». وهذا هو ما قاله الشيخ المفترَى عليه على عبد الرازق، أى أنه لم يأتِ بجديد وإنما أعاد تأكيد قول نفر من المفكرين المسلمين الذين رأوا خطورة تحرش السياسة بالدين من أجل إيجاد (الكهان والكهنوت) أى السلطة الدينية التى لا يعترف بها الإسلام فى الأساس لكن مشكلة الشيخ على عبد الرازق المفترَى عليه أن كتابه صدر فى لحظة كان الملك أحمد فؤاد يعد نفسه فيها بمساعدة رجال الأزهر ومباركته لتولى هذا الشأن لكن كتاب الشيخ علِى أوقف هذا السيناريو. فنجد كتاب «الإسلام وأصول الحكم» للشيخ على عبد الرازق وكتاب «فى الشعر الجاهلى» للشيخ طه حسين، وهما كتابان نقديان فى المقام الأول والأخير. ففى الثالث من مارس سنة 1924 أعلن «الكماليون» (جماعة كمال أتاتورك) إلغاء الخلافة نهائيا وقاموا بنفى الخليفة المخلوع تأمينا لثورتهم. واهتزّ الوجدان الدينى فى العالم الإسلامى. فبدأ بعض الأمراء والملك يعدون أنفسهم لنيل هذا المنصب فنجد ملك الحجاز الحسين بن على بدأ «يدعو للخلافة» وهذا جعل المصريين يشعرون بالغيرة وأنهم أولى بهذا المنصب، كما أوحى رجال الملك له بدور مصر فى المنطقة ومكانتها بعلمائها الذين يديرون أعظم جامعة دينية (الأزهر) وعمل الملك أحمد فؤاد ملك مصر وحاشيته على إشعال نار الغضب وإلغاء الخلافة والعمل على عودتها ولتكن مصر مقرها وأحمد فؤاد هو الخليفة، ووجد الإنجليز ضالتهم فى الخلافة وعودتها من أجل تثبيت أقدامهم فى مصر والمنطقة، وعُقدت المؤتمرات لكى تدعو إلى عودة الخلافة فى كل أقاليم مصر تقريبًا. وفى يوم الخامس والعشرين من مارس عام 1925 عُقد أول مؤتمر دينى يتبنى فترة إحياء الخلافة، حيث اجتمع نفر من رجال الدين بمقر الإدارة العامة للمعاهد الدينية بالأزهر وكانت تحمل اسم «الهيئة العلمية الدينية الإسلامية الكبرى»، وأصدرت بيانا فى نفس اليوم جاء فيه «إن الخلافة رياسة عامة فى الدين والدنيا، والإمام نائب عن صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم فى حماية الدين وتنفيذ أحكامه وفى تدبير شؤون الخلق الدنيوية على مقتضى النظر الشرعى».
وبعد خمسة أيام بالضبط من هذا الموعد صدر كتاب الشيخ على عبد الرازق (القنبلة) الذى حطم أحلام الملك وحاشيته والإنجليز وأعوان الاحتلال. وبهذا أنقذ هذا الكتاب صغير الحجم مصر من كارثة لم تكن حملها، وهى عودة الخلافة، وكان الكتاب عبارة عن بحث فى الخلافة والإمامة عبر الفكر والتاريخ الإسلامى انتهى فيه الباحث إلى أن الإسلام لم يقرّ الحكومة الدينية وأن هذا النظام غريب عن الإسلام ولا أساس له فى المصادر والأحوال المعتمدة عند المسلمين من كتاب وسنة وإجماع.
ونحن سوف نفترض فرضية: ماذا لو أن الملك أحمد فؤاد نجح وأعلن نفسه خليفة وأصبح خليفة للمسلمين؟ بطبيعة الحال سوف يكون وجود الإنجليز وجودا شرعيا أى أنهم موجودون لحماية وتأمين حياة الخليفة، خليفة المسلمين وبالتالى لا يمكن بأى شكل من الأشكال مهاجمتهم والتفكير مجرد التفكير فى طردهم.