انا مش حاتكلم عن علاء الاسواني .. فهو في غنى عن مديحي وانبهاري الشديد به ككاتب وروائي من طراز فريد .. غير انني قرأت له مقالا في المصري اليوم عنوانه " ماذا قال النسناس في حضرة الاسد " .. وهو مقال شديد الروعة .. لكنه مقلق بدرجة غير عادية .. وفيه تلميح صريح ربما يصمد الكثيرين من عشاق الفريق عبد الفتاح السيسي .. فكما يحكي بطريقته الروائية المذهلة .. هناك غابة اتفق الفيل والاسد على ادراة شؤونها .. الفيل الحاكم بأمره والاسد هو الحامي والمدافع عن حدود الغابة .. ورضت حيوانات الغابة قرود وزرافات وثعالب ونمور وحمير ونسانيس بهذا الامر .. وفي اقل من عام طغى الفيل وتجبر وله حاشيته وزبانيته التي تدافع عنه وتبارك ظلمه واستئثاره بكل خيرات الغابة له ولأهله وعشيرته .. فتذمر كل سكان الغابة من هذا الطاغية الذي ظن انه سيحكم الغابة الى الابد .. معتمدا على ضخامة جسده وزلومته الباطشة والحاشية المؤيدة له من ثعالب وخنازير .. خرجوا ضده في جمع غفير غير مسبوق يطالبونه بالرحيل .. واستنجدوا بالاسد .. فقد عهدوا فيه النزاهة وحبه الشديد لأهل الغابة .. وشعر الفيل بأن نهايته وشيكة .. فخرج على الثائرين ضده قائلا: ماذا تريدون منى..؟ فكان الرد بصوت واحد : ارحل غير مأسوف عليك .. كان يفترض أن نقتلك جزاءً عادلاً للجرائم البشعة التى ارتكبتها فى حقنا، لكننا لن نلوث ثورتنا النقية بدمائك. نريدك الآن أن تخرج من الغابة فلا نراك بعد ذلك أبدا.
قال الفيل: لو خرجت من الغابة سوف تحدث فوضى.
فردوا : نفس العبارة قالها من كان قبلك .. الفوضى أنت الذى صنعتها بظلمك وفسادك.
.. ادرك الفيل ان لا مناص ، فطلب إعطاءه مهلة ساعة واحدة حتى يدبر أمره. وافقت الحيوانات لكنها ظلت تراقب الفيل بانتباه لأنها كانت تعرف أنه خائن بطبعه. اختلى الفيل بالأسد خلف شجرة بعيدة ثم عاد الاثنان ورفع الفيل خرطومه وصاح:
- من الآن فصاعدا، سيكون الأسد مسؤولا عن حكم الغابة بدلا منى.
أطلقت الحيوانات صيحات الفرح لأنها كانت تحب الأسد وتثق فى شجاعته وأمانته.. لكن الأسد زأر وقال:
أشكركم لكنى لن أستطيع أن أحكم الغابة وأقوم بحراستها فى نفس الوقت..
سأتولى الحكم لمدة أسبوع أو اثنين حتى تعثروا على ملك جديد. مرت أيام من السعادة أحست الحيوانات خلالها أنها تتنفس لأول مرة هواءً نقياً. بدا المستقبل، مهما حمل من مشكلات، مشرقا يبعث على التفاؤل. وبعد أسبوع واحد حدث ما عكر الصفو، فقد عادت رائحة الخنازير الكريهة تفوح فى أنحاء الغابة، انزعجت الحيوانات بشدة وهرعت إلى الأسد لتستغيث به:
فرد عليهم ردا مقتضبا
-لا تقلقوا.. سأفعل اللازم.
دخلت الخنازير الغابة بأعداد أكبر وقبل أن يستوعب سكانها هذه المفاجأة هوى على رؤوسهم نبأ صاعق: لقد هاجم عدد من الذئاب الغابة أثناء الليل وعاثوا فيها فسادا.. التهموا عددا كبيرا من الأرانب البرية وقتلوا حمارا وحشيا حاول التصدى لهم، كما هاجموا غزالة شابة جميلة فأصابوها بجراح خطيرة أدت إلى وفاتها.. هرعت الحيوانات إلى الأسد تستنجد به فتطلع إليها بنفس النظرة الغامضة وقال:
تفضلوا بالانصراف وأنا سأفعل اللازم..
ارتاب اهل الغابة مما يعد به الاسد .. وكل ساعة يموت منهم من يموت .. فتشككوا في امر هذا الاسد الذي علقوا عليه آمالهم .. وأحبوه بإخلاص شديد .. فقرروا ان يتتبعوا خطوات هذا الاسد ويراقبونه .. واختاروا النسناس لهذا المهمة لسهولة حركته وتنطيطه فوق الاشجار بخفة ورشاقة .. فراح النسناس يراقب الأسد وهو يطوف فى جولات حراسته المعتادة، وكم أحس بالحزن عندما رأى خنزيرين وذئبا يدخلون إلى الغابة أمام الأسد فينظر إليهم ولا يحرك ساكنا.. ظل النسناس يراقب الأسد من فوق الشجرة حتى وجده يتحرك بعيدا عن الغابة، عندئذ قفز النسناس بمهارة من شجرة إلى أخرى دون أن يغيب الأسد عن نظره. فى النهاية، رأى النسناس الأسد وهو يلتقى بالفيل المخلوع الذى بدا وكأنه ينتظره، انتبه النسناس واستمع بالكامل إلى الحوار بين الأسد والفيل .. فعاد ونقل الخبر الى اهل الغابة الذين خرجوا واجنمعوا بالاسد وشكوا له الحوادث اليومية التي تقع وهو لا يفعل شيئا .. فقال لهم وكأنه يغيظهم : سوف أحقق فى هذا الأمر.
فتجرأ النسناس وقال له :سيدى الأسد إنك لن تفعل شيئا لمنع الخنازير والذئاب.
تطلع الأسد إلى النسناس بنظرة متفحصة ثم أطلق زئيرا مخيفا وصاح:
كيف تجرؤ أيها النسناس على الحديث إلىَّ بهذه الطريقة؟!
ساد صمت عميق وقفز النسناس كالعادة من فرط الانفعال ثم قال:
أيها الأسد.. لقد رأيتك وأنت تقابل الفيل المخلوع وسمعت الحديث الذى دار بينكما.
.. فوجىء الاسد وتلعثم وقال له بعد ان زجره : الفيل صديقي وله علي افضال .. فصاح الحيوانات فيه : انت معه ام معنا .. فرد : معكم انتم الاثنين .. اصابتهم الاجابة بخيبة امل شديدة .. فطالبوه بحسم الامر : معنا ام معه ؟ .. وبدا التفكير على وجه الأسد ثم زأر بقوة قبل أن يعلن قراره النهائى.
... كان لابد لي من اقتطاع اجزاء من مقال الاسواني .. حتى يعيش القارىء معي ويلمس معناه وفحواه .. وقطعا الاسواني كروائي لا يلتزم نصا بأحداث بعينها .. لكنه يرمي خيوطه ويضفّرها .. ولك ان تفهم ما تفهمه .. غير ان الواضح من السياق ان الاسواني غير مرتاح بالمرة للثقة الزائدة في الاسد " اللي هو السيسي " .. وينبّهنا .. ان هناك مصالح لا نعرفها تقيّد الاسد عن الفتك بالفيل وثعالبه .. وكعادته يترك النهاية مفتوحة بعد ان يطمئن ان الرسالة قد وصلت.
وايا كانت وجهة نظر الاسواني .. وايا كان تقبّلك كقارىء ومواطن مصري لوجهة النظر هذه .. فإن الامر جدير بالالتفات اليه وأخذ الحيطة .. فلا ثقة مطلقة في عالم السياسة .. وليس من الحكمة ان ترمي بكل الحمل على واحد فقط .. وتتصوره المنقذ الوحيد .. لأن صدمتك فيه اذا ما خيّب ظنك .. ستُوجعك وجعا شديدا ان لم تقض عليك وتُميتك!!